أظهرت أبحاث جديدة صورة قاتمة لواقع النظام التقاعدي في المملكة المتحدة، خاصة بالنسبة للعاملين في اقتصاد العمل الحر (Gig Economy)، أو ما يعرف بـ”العمال غير المرئيين”.
ففي تقرير صادر عن شركة بنشن بي (PensionBee)، المتخصصة في الحلول الرقمية للتقاعد، تبين أن أكثر من مليون عامل مؤقت في البلاد غير قادرين على ادخار ما يكفي لضمان تقاعد آمن وكريم.
وجاءت هذه النتائج متزامنة مع اليوم الوطني للعاملين المستقلين في المملكة المتحدة، حيث أطلقت الشركة حملة توعوية بعنوان “العامل غير المرئي” تهدف إلى تسليط الضوء على شريحة واسعة من القوة العاملة، تضم المستقلين، مقدمي الرعاية غير المدفوعي الأجر، والعاملين بعقود مرنة أو دون ساعات محددة، وكل هؤلاء يواجهون تحديات حقيقية تحول دون شمولهم تلقائيًا في نظام التقاعد البريطاني.
النظام التقاعدي في بريطانيا: التكلفة والعوائق المعرفية
وفقًا لأحدث ما نشرته شركة (PensionBee)، فإن أكثر من نصف من يعملون في اقتصاد العمل المؤقت والبالغة نسبتهم 57% يؤكدون عدم قدرتهم على الادخار ضمن أي خطة تقاعدية.
هذا الواقع أطلق جرس الإنذار بين المختصين، الذين دعوا إلى تبني نظام تقاعد شامل يتيح لكل عامل مهما بلغ دخله أو تغيرت حالته الوظيفية أو اختلفت ساعات عمله، فرصة الانضمام التلقائي إلى منظومة ادخار تقاعدي.
وبدا جليًا أن العائق الأبرز أمام ادخار التقاعد، بحسب غالبية المشاركين، في استطلاع وطني شمل 1000 شخص في أنحاء المملكة المتحدة، يكمن في الكلفة؛ إذ أفاد 60% من العاملين لحسابهم الخاص والمستقلين أن ضعف القدرة المالية يمنعهم من الإسهام في خطط التقاعد، فيما عبر 57% من مقدمي الرعاية غير المدفوعي الأجر عن ذات السبب، وكذلك أشار 46% من العاملين بعقود غير مستقرة أو بعقود دون ساعات محددة إلى التحدي نفسه.
أما على صعيد المعرفة والوعي، فقد كشفت البيانات أن العقبة لا تقتصر على الجوانب المادية وحدها، فقد أقر 29% من المشاركين المنخرطين في اقتصاد العمل المؤقت بأنهم لا يعرفون من أين تبدأ رحلة الادخار، أو أن نظام التقاعد يبدو لهم معقدًا بدرجة كبيرة، في حين تزداد هذه الحيرة بين مقدمي الرعاية غير مدفوعة الأجر، إذ تصل النسبة بينهم إلى 32%.
اقرأ أيضاً: 10 ملايين من مقدمي الرعاية مهددون بفقد معاشاتهم التقاعدية
شعور بالإقصاء ودعوات متزايدة لإصلاح جذري
أشار أكثر من ثلث المشاركين في الدراسة (35%) إلى أنهم في مرحلة ما من حياتهم العملية، شعروا بأنهم مستثنون أو غير مشمولين بدعم نظام التقاعد البريطاني، بسبب طبيعة وظائفهم أو شكل عقودهم.
وتظهر هذه المشاعر بشكل أكبر لدى أصحاب الأعمال الحرة والعاملين بنظام العمل المؤقت، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين الواقع الجديد لسوق العمل وبنية النظام التقاعدي التقليدي.
وفي ظل هذا السياق، ترتفع الأصوات مطالبةً بتغييرات جوهرية، حيث أبدى نحو 70% من المشاركين في الاستطلاع رغبتهم في أن يتاح نظام التقاعد بشكل تلقائي لكل عامل في البلاد، دون النظر إلى مستوى الدخل أو الوضع الوظيفي أو عدد الساعات التي يعملها الفرد أسبوعيًا.
وتعكس هذه الرغبة الشعبية الحاجة إلى إصلاحات عميقة في بنية النظام التقاعدي البريطاني، بحيث تمنح الفرصة للجميع، دون استثناء، لتأمين مستقبلهم.
كما جاءت هذه النتائج في وقت يتزايد فيه اهتمام صناع السياسات ومقدمي خدمات التقاعد بإيجاد حلول تسهم في تيسير الادخار طويل الأمد لمختلف فئات العاملين.
اقرأ أيضاً: معاشات التقاعد في بريطانيا: أخطاء تطال 200 ألف أم بريطانية.. ما السبب؟
نداءات لتغيير عاجل وتصريحات رسمية حول مسؤولية النظام
دعت شركة (PensionBee) الجهات المعنية إلى إجراء إصلاحات تضمن بساطة الإجراءات، مع تكلفة مقبولة، وتوسيع نطاق الأهلية ليشمل النظام كل من قد يجد نفسه خارج المظلة التقليدية للادخار التقاعدي.
وصرحت ليزا بيكاردو (Lisa Picardo)، الرئيسة التنفيذية للأعمال في المملكة المتحدة بشركة (PensionBee)، بأن الوقت قد حان لنظام تقاعدي يعكس تحولات سوق العمل المعاصر في المملكة المتحدة، ويؤسس لقاعدة “تقاعد شامل” تستوعب ملايين العمال غير المرئيين في المجتمع البريطاني.
وأشارت إلى أن العديد من الأفراد الذين يكدحون خارج الأطر التقليدية للعمل تركوا، للأسف، على هامش النظام الحالي، مما يعرضهم لخطر الاعتماد الكلي على المعاش الحكومي في سن التقاعد، بما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية.
وبينت بيكاردو أن أكثر من نصف العاملين في اقتصاد العمل المؤقت الذين أفادوا بعدم قدرتهم على الادخار للتقاعد، يسلطون الضوء على أزمة لا تقتصر على الشؤون المالية الفردية، بل تتعداها إلى اختلالات هيكلية أوسع نطاقًا.
وأكدت أن رسالة الجمهور واضحة: الناس يريدون نظامًا تقاعديًا يخدم الجميع، لا يقتصر على ذوي الوظائف الدائمة أو أصحاب الامتيازات المرتبطة بمساهمات أصحاب العمل.
وأشارت إلى الحاجة الماسة إلى شبكة أمان اجتماعي لا تترك أحدًا خارجها، خاصة أولئك الذين تزداد حاجتهم إلى الدعم مع تقدّمهم في العمر.
ورأت بيكاردو أن الخطوة المنطقية التالية تتمثل في منح الجميع إمكانية الوصول التلقائي إلى خطط الادخار التقاعدي، بغض النظر عن مستوى الدخل أو نوع التوظيف أو عدد ساعات العمل، معتبرة أن التقاعد ينبغي أن يعامل بوصفه حقًا مكتسبًا على مدار سنوات طويلة من الجهد والعمل، سواء كان هذا العمل في إطار الوظائف التقليدية أو عبر العمل الحر أو تقديم الرعاية بدون مقابل مادي.
وتأتي الدعوات الحالية لتأسيس نظام تقاعد أكثر شمولًا مدعومة بدراسات بحثية أخرى، منها دراسة صادرة عن (Nest Insight) تذهب إلى أن تطبيق نظام الانضمام التلقائي من شأنه أن يحدث تحولًا حقيقيًا في سد فجوة الادخار لدى العاملين لحسابهم الخاص في المملكة المتحدة، الأمر الذي يبعث على التفاؤل في أوساط المهتمين بقطاع التقاعد، ويؤكد أن الطريق نحو إصلاح أكثر عدالة قد أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل.