مقابلات
خلود وتار لأرابيسك لندن: لبنان ليست دولة مارقة.. والمرأة اللبنانية قادرة على صنع السياسات في المجتمع
نشر
شهرين منذفي
حاورها: محسن حسن
في قلب لبنان النابض بالتاريخ والتنوع، تألقت شخصية نسائية رائدة، تحمل بين طياتها قصة كفاح وإصرار تستحق أن تُروى، إنها الناشطة السياسية والحقوقية (خلود وتار قاسم)، التي خاضت غمار الانتخابات البرلمانية، مدفوعةً بشغف لا يُضاهى للدفاع عن حقوق اللبنانيات، ولتكون صوتًا للنساء في مجتمع محكوم بتقاليد ذكورية مهيمنة، وهي التي كانت قد بدأت حياتها المهنية في مجال التدريس عام 1995، حيث زرعت بذور المعرفة في عقول الأجيال الناشئة، مُؤمنة بأن التعليم هو المفتاح الأثير لتحرير العقول وبناء المجتمعات، ثم حصلت من الجامعة الأمريكية في بيروت على شهادة التخصص في العلوم الاجتماعية، لتصقل مواهبها الشخصية والاجتماعية والإنسانية، فكان أن قامت في عام 2008، بتأسيس جمعية (أمهات من لبنان) والتي بذلت جهوداً مخلصة للحد من ظاهرة أطفال الشوارع، وهي الجهود التي كانت بمثابة صرخة في وجه الفقر والحرمان، إذ حرصت خلالها ضيفتنا، على تقديم الدعم لكل من يحتاج إليه، من خلال العمل التطوعي والمجتمعي، ما يعني أن إنسانيتها كانت دائمًا في مقدمة أولوياتها.
وفي عام 2013، ترشحت (وتار) للمرة الأولى للانتخابات النيابية اللبنانية عن المقعد السني في بيروت الثالثة، ولم تتم الانتخابات، ثم عادت لترشح نفسها مجددًا في 2014، ولم تتم الانتخابات أيضاً، وكان أن خاضت التجربة فعلياً في عامى 2018 و 2022، ورغم بعض الصعوبات والإخفاقات، تميزت خطواتها بالجرأة والشجاعة والإيمان العميق بأن النساء قادرات على تجاوز الصدارة الذكورية في المشهد السياسي اللبناني والعربي؛ فهي مع كل تجربة انتخابية، كانت تكتسب خبرات غنية في التعامل مع التقاليد المجتمعية المتحجرة التي تعيق مشاركة النساء في كل شيء، و في عام 2016، تم اختيارها منسقة لمنظمة برلمانيات العالم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث استضافتها قاعة البرلمان الأردني لتقود مؤتمرًا كبيرًا لمناصرة المرأة الريادية، ثم احتضنها البرلمان اللبناني في العام التالي 2017، لتقود مؤتمراً آخر، يعزز جهود الحماية الصحية للنساء في المنطقة والعالم، ويربط بين هذه الجهود وبين دور المرأة في تعزيز الاقتصادات الوطنية، وهي الأنشطة التي جسدت التزامها الثابت بقضايا النساء، وبرهنت على قدرتها الفائقة على خلق مساحات للنقاش والتفاعل بين المرأة العربية من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى.
ولم يتوقف شغف (وتار) بالعمل النسائي، عند الحدود اللبنانية، فهي مستشارة دولية في (منظمة نساء قادة العالم)، ومن خلال جمعيتها ( لبنانيات نحو مركز القرار) تُشارك دوماً، في صنع السياسات التي تعزز مكانة المرأة في المجتمع. ومن خلال كتابها (المرأة والسياسة في لبنان)، قدمت رؤية عميقة للأدوار التي يمكن أن تلعبها النساء في الحياة السياسية، وعبرت عن تجاربها الانتخابية في كتابيها(يوميات مرشحة1) عام 2018، و (يوميات مرشحة2) عام 2022، مشجعةً الأخريات على اتخاذ خطوات جريئة من أجل خوض التجارب السياسية، دفاعاً عن حقوق المرأة، و رغبة في التأكيد على ضرورة تمكينها اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، والإيمان بأنها القوة الدافعة نحو التغيير، بفضل إرادتها القوية ورؤيتها الثاقبة، وهي في خضم ما تقدمه من تجارب ومؤلفات وجهود، تميزت دائماً بقدرتها المبدعة على خلق الألفة والتعاون مع الآخر المختلف في الوجهة والرؤية، رجلاً كان أو امرأة، حيث تعتبر الاحترام والود المتبادل، وسيلة للوحدة والتعايش المشترك بين الجميع، كما أن احترامها العميق للتنوع الثقافي والبشري وقناعتها المتينة بقيمة وجدوى هذا التنوع، جعلها شخصية محورية في السعي والدعوة إلى مجتمع أكثر عدلاً وأمناً واستقراراً. إنها سيدة من طراز فريد، تحمل في قلبها حب لبنان وتطلعات أبنائه، وتؤمن بأن المثابرة والعمل الجماعي، هما السبيل لتحقيق الأهداف والطموحات، وحول لبنان وأزماته ومستقبله، كان لأرابيسك لندن مع(خلود وتار قاسم)، هذا الحوار.
* بداية، إلى أي المحطات وصلت بك تفاعلاتك السياسية والحزبية ضمن سياق المشهد اللبناني الراهن؟
ـــ تفاعلاتي السياسية مستمرة في محاولة التأثير على القرارات الوطنية وقد وصلت إلى نقطة محورية، وخاصة في دعم تمكين المرأة في القيادة وصنع القرار في مواجهة الواقع السياسي المعقد الذي يعاني منه لبنان. وتركيزي الأساسي ينصب على دعم قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، خصوصاً في ظل الفساد السياسي والانهيار الاقتصادي في هذا البلد، كما أنني ما زلت أعمل من خلال جمعيتي (لبنانيات نحو مركز القرار ) وأتعاون مع منظمات نسائية لبنانية ودولية لتسليط الضوء على أزمات بلادي، ومحاولة إيجاد حلول من خلال تعزيز دور المرأة في السياسة.
* وأنت دارسة لمباديء حقوق الإنسان بالجامعة الأمريكية في بيروت.. ماذا ترين بخصوص مستقبل الثقافة الأمريكية في المنطقة بعدما حدث ويحدث في غزة؟
ــــ أرى أن مستقبل الثقافة الأمريكية في المنطقة يتعرض لتحديات كبيرة؛ فالأحداث الجارية في غزة من عدوان وانتهاكات غير مسبوقة، قد تؤثر بشكل كبير على الصورة الثقافية والسياسية للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، لأن ما يحدث يضع الثقافة الأمريكية تحت المجهر، مما قد يجبرها على إعادة تقييم دورها ومواقفها في المنطقة تقييماً كاملاً، وخاصة فيما يتعلق بمواقفها تجاه حقوق الإنسان ودورها في الصراعات الإقليمية، وإلا فإن التأخر في القيام بمثل هذا التقييم، أو عدم القيام به كلياً، سيؤدي إلى تضاؤل التأييد الشعبي لسياساتها وربما تعزيز الميل نحو تبني ثقافات أخرى بديلة.
* إلى أي حد أنت راضية عن مخرجات الوضع اللبناني الحالي؟ وهل لديك رؤية خاصة للحل كسياسية لبنانية؟
ــــ بالتأكيد لست راضية عن الوضع اللبناني الحالي؛ فهو مؤلم للغاية، بل أشعر بأننا نعيش أزمة تتطلب تغييرات جذرية؛ لأن الأزمات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية، تزداد سوءاً، وهناك غياب واضح للقيادة الحقيقية، ورؤيتي للحل باختصار، تتمحور حول تعزيز دور المرأة في القرار السياسي، وبناء مقاربة سياسية أكثر شمولاً واستقلالية، خالية من التأثيرات الخارجية والطائفية، إلى جانب تحقيق إصلاحات جذرية في النظام السياسي عبر فصل الدين عن الدولة وتعزيز الشفافية والمساءلة.
* برأيك ما الذي غيرته أزمات لبنان المتراكمة في فكر وثقافة اللبنانيين؟ وفي فكر المرأة اللبنانية على وجه الخصوص؟
ـــ الأزمات المتتالية والمتراكمة غيرت الكثير في الفكر اللبناني؛ فقد أصبح الشعب أكثر وعيًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية، وبأهمية التغيير السياسي، وخاصة لتلك الأوضاع السياسية التي طالما أعادت إنتاج الطبقة السياسية نفسها منذ شُكِّل لبنان، مما أعاد معها إنتاج الأزمات ذاتها وبوتيرة أكثر عنفاً وإيلاماً، وهذه الأزمات، دفعت المرأة اللبنانية إلى المطالبة بدور أكبر في إعادة بناء الوطن، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وللحقيقة باتت المرأة اللبنانية أكثر قوة وإصراراً على دورها القيادي، خاصة بعد أن رأت تأثير الفساد والهيمنة الذكورية على مستقبل البلاد.
* ماذا كان تعهدك والتزامك الشخصي ضمن عموم التعهدات النسائية في قمة Vital Voices؟ وما أبرز ما خرجت به من هذه الفعالية النسائية الدولية؟
ـــ تعهدي الشخصي كان دعم النساء في لبنان والمنطقة، وتعزيز دورهن في القيادة، وتمكينهن من الوصول إلى مواقع صنع القرار. وقد خرجت من هذه القمة، بفهم أعمق، لأهمية التعاون الدولي، وبشبكة واسعة من النساء القويات اللواتي يسعين إلى التغيير في بلدانهن وتبادل الخبرات والأفكار لتحقيق تأثير حقيقي.
* تجاربك في الترشح للانتخابات اللبنانية أفرزت بعض المؤلفات والكتب.. ما مضمونها؟ وماذا أفرزت التجارب بخلاف هذه المؤلفات؟
ـــ نعم، قمت عام 2018 بإصدار كتابي(يوميات مرشحة1)، ثم في 2022 أصدرت(يوميات مرشحة 2)، وكلاهما يسلط الضوء على التحديات التي واجهتُها شخصياً كمرشحة مستقلّة للانتخابات اللبنانية، بما في ذلك الصعوبات السياسية والاجتماعية، ضمن نظام سياسي معقد، يهيمن عليه الرجال. وفي الواقع فإن التجارب الانتخابية التي مررتُ بها، لم تُثمر فقط عن هذين الكتابين، إنما أفرزت لي قناعة بأن النظام السياسي اللبناني بحاجة إلى إصلاح جذري، وأن النساء يجب أن يكنّ في الصفوف الأمامية لهذه الإصلاحات.
* وماذا عن المضمون والرسالة التي تحملينها للقاريء عبر كتابك(المرأة والسياسة في لبنان)؟
ـــ الرسالة التي يحملها هذا الكتاب تسير باتجاه نبش وتفصيل التقاليد القديمة والمتراكمة التي قيدت وعقدت الكثير من شؤون وعلاقات وحياة اللبنانيين، والتي كان من تداعياتها وضع تحديات وعقبات لا حصر لها أمام التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة في لبنان، وفي سياق كل ذلك يتطرق الكتاب أيضاً إلى بعض البنود في الدستور اللبناني وفي قوانين الأحوال الشخصية، كما يتطرق إلى العديد من المواثيق والعهود الأممية والدولية التي صادقت عليها الدولة اللبنانية، وإلى ما أحدثه رجال الدين في حياة اللبنانين، جنباً إلى جنب، مع تفاصيل أخرى تخص الحقوق السياسية للمرأة في لبنان، وما يتعلق بها من مظاهر الإيجاب أو السلب، وقد اشتمل الكتاب أيضاً على بعض تفاصيل المقابلات التي أجريتها مع مسؤولين حزبيين رفيعي المستوى حول نظام الكوتا النسائية في البلاد.
* كيف ترين التقارب السعودي الإيراني؟ وماذا يمكن أن يجني لبنان من وراء هذا التقارب في ظل وجود حزب الله كلاعب سياسي مؤثر في المشهد اللبناني؟
ـــ التقارب السعودي الإيراني قد يكون فرصة إيجابية للبنان إذا تم استخدامه بحكمة لتحقيق نوع من الاستقرار؛ حيث يمكن لهذا التقارب أن يخفف من التوترات الإقليمية التي تنعكس سلباً على الداخل اللبناني، خاصة، و أن حزب الله له دور بارز في هذه التوترات
* برأيك لماذا يتحول التنوع البشري والطائفي في لبنان من إيجابيته المحتملة إلى واقعه المتأزم؟ وهل نحن بالفعل بصدد صراع ديني في لبنان؟
ـــ التنوع البشري والطائفي هو أحد أغنى نقاط القوة في لبنان، و هو يشكل جزءاً أساسياً من هويته، ولكنه تحوَّل إلى أزمة بسبب استغلاله من قبل القيادات السياسية لتحقيق مكاسب شخصية. وعلى كل، الصراع في لبنان ليس دينياً بقدر ما هو سياسي واقتصادي، ولكن يُستخدم الدين والطائفية كأداة لإثارة الفتن.
* كتبت اسم لبنان في وشم ثابت على جانب يدك اليمنى.. ما المغزى والسر وراء ذلك؟
ـــ هذا الوشم يمثل ارتباطي العميق بلبنان. هو رمز لانتمائي وهويتي التي لا أستطيع التخلي عنها مهما كانت الظروف، وهو تعبير عن إيماني بضرورة النضال من أجل مستقبل أفضل لهذا البلد.
* ضغوطات الحالة الاقتصادية تجبر الشباب اللبناني على ترك وطنه وأرضه.. هل يمكن أن يكون هذا هدفاً مقصوداً لأعداء هذا البلد؟
ــــ قد يكون هناك من يسعى إلى إضعاف لبنان من خلال دفع شبابه للهجرة؛ حيث يمثل الشباب القوة الدافعة للتغيير والنهوض بالبلد. ومن جهة أخرى، فإن استنزاف الموارد البشرية للبنان، يضعف قدرته على الصمود أمام التحديات المستقبلية، لكن المسؤولية تقع أيضًا على القيادات التي أخفقت في توفير بيئة مناسبة لهؤلاء الشباب للبقاء والمساهمة في بناء الوطن.
* البعض يردد والبعض يحذر من (لبنان دولة مارقة).. بأي مفهوم ونظر تقيمين هذه العبارة الصادمة؟
ـــ هذه العبارة تعكس إحباطاً من الوضع الحالي للبنان، لكنها أيضاً غير عادلة. لبنان ليس دولة مارقة بالمعنى الحرفي، بل هو بلد يعاني من فساد سياسي وهيمنة قوى داخلية وخارجية على قراره السياسي. والحل يكمن في الإصلاح وإعادة هيكلة النظام بما يحقق الشفافية والديمقراطية.
* من وجهة نظرك، ما المغالطات الدائمة التي تسيء للمرأة اللبنانية ضمن السياق الإعلامي المحلي؟
ـــ من أهم وأخطر هذه المغالطات الإعلامية، هو تنميط المرأة اللبنانية من حيث الشكل، وإظهارها الدائم والمتكرر في سياق التعبير عن الأناقة والموضة، وهذا ليس سيئاً في المطلق، لأن المرأة اللبنانية جميلة وأنيقة على الدوام، ولكن التركيز على هذا الجانب، بالتزامن مع إغفال صورة المرأة اللبنانية الناجحة في الحبل الأكاديمي، وفي الاجتماع والاقتصاد وفي إدارة الشركات الكبرى، ومجالات أخرى عديدة، ظل يشكّل إساءة بالغة ومستمرة لمكانة المرأة في لبنان، والتي يمثل وجودها في السلك القضائي اللبناني أكثر من 50% مثلاً، وهو ما لا يتم تسليط الضوء عليه، مقابل الإصرار الإعلامي على حصر اللبنانيات في خانة الشكل والمظهر فقط، وهو ما أراه أحد الأسباب الرئيسة التي تحول دون تمكين المرأة اللبنانية في مراكز صنع القرار في هذا البلد.
* في الختام، ما استراتيجيتك الشخصية لخدمة لبنان واللبنانيين في المرحلة القادمة؟ وماذا عن العودة والاستقرار في لبنان؟
ــــ استراتيجيتي تتمثل في دعم المرأة اللبنانية للعب دور رئيسي في صناعة القرار، والعمل على بناء شبكة دعم دولية للبنان. أما بالنسبة للعودة، فإنني دائمًا أنظر إلى لبنان على أنه وطني الأول، ولكنني للحقيقة لم أهاجر، أنا آتي إلى لبنان تقريبا كل شهر للتواصل مع الناس المسؤولة عنهم. وإذا كان مقر إقامتي قد تغير، فذلك لأن أهلي وزوجي وأولادي ـــ للأسف ـــ كلهم هاجروا؛ لذا اضطررت إلى الذهاب معهم، ولكن هذا لا يعني أنني هاجرت. أنا في لبنان دائماً وأبداً.
اقرأ أيضاً: فياضانات في بريطانيا خلال الأيام القادمة: كيف تحمي نفسك؟