موظفو المكاتب الذين يعتزمون التسلل من عملهم لأخذ استراحة غداء طويلة أو مغادرة العمل مبكرا يجدر بهم أن يكونوا على علم بأنهم ربما يكونون معرضين للمراقبة من قبل أرباب العمل.
المصارف والشركات الأخرى الموجودة في الدوائر المالية في لندن أثارت مخاوف لدى الموظفين هذا الصيف من خلال تركيب أجهزة استشعار صغيرة في كل مكتب تتعقب وتكشف وجود الشخص في مكتبه من خلال قراءات لدرجة الحرارة أو الحركة. وهي تقول إن الهدف هو رصد الاستخدام المكتبي من أجل إدارة ـ وفي كثير من الحالات تخفيض ـ نطاقها العقاري.
لكن أجهزة الاستشعار فجرت غضبا وسط الموظفين – وأثارت اتهامات تتعلق بالمراقبة وفق أسلوب الأخ الأكبر (أجهزة الاستخبارات) – وتم سحبها من مكان عمل واحد على الأقل بسبب التقدم بأكثر من شكوى تتعلق بالخصوصية.
وعمل عديد من أكبر المصارف في أوروبا، بما فيها ستاندرد تشارترد ودويتشه بانك ومجموعة لويدز المصرفية ومصرف باركليز، على تركيب أجهزة استشعار للرصد عندما تكون المكاتب، أو أي مناطق أخرى في مكان العمل قيد الاستخدام، بحسب ما قيل لـ “فاينانشيال تايمز”.
“ويليز تاورز واتسون”، وسيط شركات التأمين، وشركة المدفوعات ماستر كارد تستخدم تلك الأجهزة أيضا. ويستثمر صندوق التكنولوجيا المالية التابع لـ “كريدي سويس” في شركة تمكن التكنولوجيا فيها المديرين من تعقب أنماط العمل التي يتبعها الموظفون، من خلال رصد ومراقبة استخدامهم لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة.
يقول تيل ستيل، رئيس قسم المبيعات والتسويق في “كاد- كابتشر”، التي تقدم “أوكيوب آي” – إحدى العلامات التجارية لأجهزة الاستشعار المستخدمة من قبل مصرف باركليز وآخرين – إن منتجها كان الأكثر شعبية في القطاع العام في المملكة المتحدة عند إطلاقه قبل خمس سنوات.
لكنه يكتسب الزخم الآن بين شركات الخدمات المالية التي تتطلع إلى تقليص التكاليف من خلال التقليل من الحيازات العقارية في المناطق المالية مرتفعة الثمن. وفقا لـ “كوليرز إنترناشونال”، الشركة المختصة في الاستشارات العقارية، متوسط التكلفة السنوية بالنسبة لشركة فيها مساحة مكتبية واحدة يبلغ 13 ألف جنيه استرليني.
وغالباً ما تستخدم أجهزة الاستشعار بالترادف مع نظام تدوير المكاتب بين الموظفين بدلا من أن يكون لكل موظف مكتبه الخاص – أو العمل عندما يرغب الموظف – الأمر الذي يقول أصحاب العمل إنه يمنح العاملين مزيدا من المرونة، فضلا عن إمكانية تقليص المساحات المكتبية. وهي لا تتطلب أي إجراء من جانب العمال، لكن البيانات الناتجة تكون شاملة.
لكنها ليست مقبولة دائماً. بعد أن أدخلت صحيفة “الديلي تليجراف” أجهزة الاستشعار من نوع “أوكيوب آي” عام 2016، وافقت على إزالتها خلال يوم واحد بعد ضجة أثارها الموظفون ونقابة الصحافيين التي قالت إنها “ستقاوم أسلوب المراقبة على غرار الاستخبارات في غرف الأخبار”.
وتؤكد الجهات التي تزود أجهزة الاستشعار على أنها ليست قادرة على تحديد أناس بعينهم. ويمكن لأصحاب العمل الذين يرغبون في مراقبة ورصد أفراد محددين أن يفعلوا ذلك بشكل أكثر سهولة، من خلال استخدام بطاقات الدخول، أو التسجيل عبر الكمبيوتر، أو غيره من الأجهزة الإلكترونية الأخرى.
يقول ستيل: “لن نؤيد أو نساعد العميل على استخدام أجهزة الاستشعار بهذه الطريقة”، مدعيا أن مثل هذا النوع من عمليات الرصد غير مجد. “مع استخدام طريقة الحركة التي يستخدمها الناس الآن، ليس هناك أي ارتباط بين الإنتاجية والوقت الذي يقضيه الموظف في المكتب”.
مصرفا “لويدز” و”باركليز” أبلغا الموظفين بأن أجهزة الاستشعار لن يتم استخدامها لتعقب الأفراد، بل لتخصيص المساحة لفرق مختلفة، ومن ثم اتخاذ قرار متى يلزم تشغيل أجهزة التكييف. وتقول بعض المصارف إنه ليس من المرجح كثيرا استخدامها في أماكن مثل طوابق التداول، حيث يعمل المصرفيون في مكاتب ثابتة.
ويجري بشكل متزايد استخدام أجهزة الاستشعار مع شاشات تمكن الموظفين من معرفة وتحديد المكاتب، أو أماكن الاجتماعات الفارغة. قال دويتشه بانك لموظفيه في مذكرة نشرت أخيرا: “تماما مثلما عملت التكنولوجيا على تحسين الطريقة التي يتمكن من خلالها السائقون من العثور على موقف للاصطفاف، أو كيف يمكن للمتسوقين العثور على صندوق الدفع المتاح عند الخروج، يمكن استخدامها أيضا في جعل عملية التشارك المكتبي أكثر سهولة وأكثر كفاءة”.
وطرحت شركة ويليز تاورز واتسون أداة “المساحة الفارغة” بعد عملية دمج مع شركة ويركبليس فابريك Workplace Fabric بتكلفة بلغت 20 مليار دولار العام الماضي.
حتى الآن تستخدم الشركة أجهزة استشعار وشاشات خاصة بالمساحات الفارغة المتاحة في نحو 20 مكتبا يعمل فيها آلاف الموظفين. واكتشفت أن نسبة الاستخدام في معظم مكاتبها تراوح بين 50 و60 في المائة في وقت محدد. ويرغب ويل موناجان، رئيس قسم العقارات في الشركة، بأن تصل نسبة الاستخدام إلى 80 في المائة.
راج كريشناميرثي، مؤسس شركة ويركبليس فابريك للحلول المكتبية، يقول إن أجهزته يمكنها تقديم معلومات بيئية، مثل مستويات ثاني أكسيد الكربون ودرجة الحرارة، والرطوبة، والضوضاء.
وتقول الشركات إنها تتوخى الحذر إزاء إدخال أجهزة استشعار لتجنب حدوث رد فعل عنيف. شركة أدوبي، مزودة البرمجيات التي يوجد مقرها في ولاية كاليفورنيا، ركبت أجهزة المساحة الخالية “فري سبيس” في مكاتبها المالية الجديدة في لندن في حزيران (يونيو) الماضي.
يقول مارك بيل، مدير العمليات التشغيلية في الموقع الخاص بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط لدى شركة أدوبي: “كنا حذرين جدا – إنها مرحلة حرجة. فأنت لا تريد أن تستخدم أسلوب (الأخ الأكبر) بمعنى رصد وتعقب كل ما يفعله الموظفون”.
ويضيف: “تشاورنا مع قسم الموارد البشرية، ومع المحامين المختصين بالتوظيف، وفرق الأمن، ولجنة من الموظفين. وسألنا: هل يُحسّن هذا من تجربة العمل أم أن الأمر يبدو مخيفا؟ لكن العامل المهم هو أن الأمر مغْفل تماما. يتم تعقب الحركة، لكن هذه الحركة يمكن أن تكون لعاملة تنظيف”.