مقابلات
أرابيسك لندن تحاور الفنان محمد شحادة: موسيقا ساحرة من دمشق إلى العالم
نشر
منذ سنة واحدةفي
1٬260 مشاهدة
By
Fatimaلم يملك محمد شحادة من العالم إلا مساحة جسده، إبداعه، وآلاته! فحلم وعزف في فلكه الخاص بعيداً عن فوضى الحياة، أما جمهوره من عشاق الإيقاع، فلطالما سحرتهم موسيقاه! ولذلك تجدهم دائماً يغمضون أعينهم على اتساعها، ثم يفتحونها كمن عاد من رحلة طويلة، تتداخل أصوات حماسهم مع همس موسيقاه، فيما تنقاد أجسادهم وحدها تحت الأضواء الساطعة التي تنبثق من قلب الليل كمشهد ساحر في فيلم سينمائي!
“أرابيسك لندن” تتشرف باستضافة الفنان الشاب محمد شحادة، واحد من أكثر عازفي الإيقاع تميزاً في مقابلة حصرية نكتشف فيها أسرار عالم موسيقاه الساحر!
حوار: فاطمة عمراني
بدأت العزف في الثالثة، وفي عمر السادسة، عزفت على مسرح لأول مرة.. بموهبة لامعة منذ الصغر انحدرت من عائلة فنية عريقة جعلتك اليوم واحداً من أبرز عازفي الإيقاع الشباب، لكن بمفرداتك الخاصة، من هو الفنان محمد شحادة؟
محمد شحادة هو شخص ولد في منزل تسمع فيه الموسيقا على مدار الساعة، حيث كنت أسمع الموسيقا في كل وقت وكل لحظة، والأمر الذي حفزني أكثر على دخول هذا العالم هو أنني كنت أشاهد والدي وهو يعزف ويتمرن، كما كنت أذهب معه حيث كان يذهب لأشاهد عزفه وتمريناته مع زملائه، وكيف كان يسمع موسيقا، حتى باتت تترسخ لدي فكرة الموسيقا بصورة أكبر قبل أن أكمل الثالثة من عمري، ومنذ طفولتي كنت أشعر أنني على تواصل دائم مع الآلات الإيقاعية بمختلف أشكالها وأحجامها، وتربطني بها علاقة قوية جداً.
نشأت في عائلة فنية، وكبرت على أنغام الموسيقا، هل تذكر شعورك في لحظاتك الأولى على المسرح؟ وهل حقق محمد اليوم حلم طفولته؟
نعم، تحقق حلمي في طفولتي وأنا كنت راضي جداً عن محمد شحادة اليوم، لقد استفدت من جو أسرتي الموسيقية باعتبار أن مادة الموسيقا موجودة في منزلنا، وأنا كنت أسمعها وأتمرن وأعرف بصورة مستمرة، وبتلك الفترة لم يكن يوجد إنترنت وتحديداً في العام 1987_1988 أي لم يكن بالإمكان أن أتلقى دروساً تدريبية عن طريق الإنترنت، لذلك كان أبي هو من يعلمني الإيقاع والموسيقا واستطعت بسن مبكر جداً أن أخرج على المسرح بكل شجاعة دون أي ارتباك أو خوف، ووالدي هو من أعطاني الشعور بالحماس والشغف كونه كان يقف بجانبي على المسرح.
وفي عام 1995 مثّلت الجمهورية العربية السورية بملتقى الأطفال العرب الأول الذي عقد في مدينة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، وفي العام 1996 مثلت أيضاً بلدي سوريا في تونس وذلك ضمن مهرجان الأطفال العرب، كما حصدت مراكز أولى في العزف على الإيقاع على مستوى سوريا خلال عامين متتاليين وتحديداً 1994 _1995.
أنا تأسست على يد فرقة المركز الثقافي في مدينة مصياف، محافظة حماة، وتلك التجربة أثرت على هويتي الموسيقية وكيف أقدم موسيقا بصورة صحيحة بعيداً عن التلوث الموسيقي، كما نشأت على قوالب موسيقية مهمة جداً رسخت في نفسي هوية الموسيقا الشرقية الكلاسيكية من الموشحات.
ما هي الآلات التي تعزف عليها؟ وأيها تفضل؟ وما هي معاييرك في اختيارك للآلات الموسيقية؟
أنا مختص بآلات الإيقاع اختصاص جذري، أما بالنسبة لما أفضل من آلات الإيقاع، فأنا لا أفاضل بين آلة وأخرى، فآلات الإيقاع على اختلافها أشعر فيها وكأنها أطفالي، عندما أسمع الطبلة أو الدرامز فإنهما يذكراني بطفولتي، وبالنسبة لمعايير اختيار الآلات لا يمكنني أيضاً أن أميز بين آلة وأخرى، لكن مع التقدم التكنولوجي الذي جاءت معه آلات موسيقية جديدة بات هناك تفضيل لستايلات وأنواع من الموسيقى، بالتالي يمكن للموسيقي أن يشتري الآلات التي تناسبه، لكني أعود وأقول بأن كل أصوات الآلات التي أعزف عليها أسمعها بنفس الشغف والحب.
العازف “روني براك” علامة مميزة في مسيرتك الفنية، حدثنا عن تأثرك بموسيقاه؟
في الحقيقة الموسيقي روني براك كان بالنسبة لي نقطة بداية منعطف جديد في العزف أو الموسيقا، أنا تربيت ضمن عائلة موسيقية تعزف إيقاع شرقي، وفي لحظات معينة كانت تراودني أفكار أن العزف على آلات الإيقاع لا يكون بهذه الطريقة التقليدية الكلاسيكية، أي كنت أفكر في ابتكار طرق جديدة في العزف، وأن أعزف بصورة مغايرة عبر الخروج عن المألوف، فمثلاً آلة الطبلة تعزف باليدين معاً، أنا تساءلت حينها هل يمكن العزف على الطبلة بالأظافر أو على حرف الطبلة، وهذا الطرح كان خجولاً حتى شاهدت مقطع فيديو للموسيقي روني براك، الذي كان كفيل بتغيير مسار حياتي لأسير بطريق آخر يؤكد لي أن ما كنت أفكر فيه هو الصحيح، بالتالي تشابهت في تفكيري مع فكر العازف روني براك، حتى تأثرت بـ روني سواء بكيفية كتابة موسيقاه وكيف يلحن ويوزع، وكيف يتحايل بالإيقاع، كما تأثرت أيضاً بالكاريزما التي يمتلكها وشخصيته على المسرح وكيف يتفاعل مع الموسيقا أمام الجمهور.
وكانت لحظة عظيمة عندما تعرفت على الموسيقى روني براك بعد 20 عام، وأن نعزف معاً سويةً، واليوم أصبحنا أصدقاء ونقدم آرائنا لبعضنا البعض في كل يوم أو كل أسبوع، وقد نختلف أو نتفق الآراء، وأنا سعيد جداً بأنني انتميت لمدرسة روني براك تلك المدرسة التي لها خصوصية في العزف بوجود روني الذي يمتلك ذخيرة سمعية وموسيقية كبيرة جداً كما لديه ملكة الاستعراض أمام الجمهور وهي ليست متوفرة عند كل العازفين أو الموسيقيين.
عملت مع الكثير من الفنانين، من أبرز الفنانين الذين عملت معهم؟ وهل تفضل العزف بشكل منفرد أو مع الفرق الموسيقية؟
عرفت مع الكثير من الموسيقيين والمشاريع الموسيقية، يمكن أن اذكر منها على سبيل المثال المغنيين ومنهم الفنانين الكبار مثل الراحل وديع الصافي والراحل عازار حبيب، ثم بعد ذلك عرفت مع مغنيين في سوريا منهم ليندا بيطار وحلا نقرور ولينا شماميان، كما عزفت مع الفنان حسين عطفة، وبالنسبة للنجوم فإني عزفت مع الفنان سيف نبيل وجوزيف عطية ومعين شريف وملحم زين، إضافة إلى الفنان ناصيف زيتون وعلاء زلزلي ونادر الأتات.
أما بالنسبة للمشاريع الموسيقية فقد شاركت أكثر من مرة بحفلات دار الأوبرا بدمشق ضمن مشاريع موسيقية، وعرفت مع مشروع طارق صالحية ومشروع كنان أدناوي، كما عزفت مع مشروع غابي صهيوني، وعرفت أيضاً مع كورال حلم وحنين.
حتى لحظة الوصول إلى الموسيقي إياد الريماوي، هنا شعرت بوجود خصوصية في هذا العمل، حيث توجد موسيقا تشبهني وتعبر عني، وأنا أرى أن الاستاذ إياد الريماوي واحداً من أفضل الموسيقيين على مستوى الوطن العربي، وهو من الأشخاص الملهمين وكان لي الشرف بالمشاركة معه في عدة أعمال موسيقية وعزف شارات الكثير من المسلسلات منها مسلسل حرملك وسوق الحرير وضبو الشناتي وجوقة عزيزة ومؤخراً مسلسل مشغول عليك مشغول.
تشكّل أنت والدي جي بلال حمشو ثنائي مميز، ولديك تجارب مبهرة أيضاً مع الدي جي كابو كيشيشيان أخبرنا عن مشاركتك للدي جايز بشكل عام في حفلاتك؟ وكيف تصف الإقبال على الحفلات بدون مغني؟
عندما كنت متواجد في بيروت/لبنان شاركت ببعض البرامج التلفزيونية لا سيما برنامج رابعة الزيات، ثم قدمت إلى سوريا بحالة الشوق لكي أنشر ثقافة “الشو” في سوريا التي تعلمتها من الموسيقى روني براك في لبنان، وهنا تساءلت في نفسي هل سيتقبل الجمهور السوري هذه الطريقة الجديدة في العزف وهي الاستعراض أمام الجمهور مع الآلات الموسيقية، حتى أصبحت فيما بعد أجسد هذه العروض مع الجمهور في سوريا في كل مكان.
وتعاونت في البداية مع بلال حمشو بأكثر من موسم صيف ولا زلنا ننفذ حفلات “الشو”، كما عرفت مع الكثير من الموسيقيين وأخص بالذكر عقبة كيال وكابو كاشيشيان حتى باتت حفلات “الشو” بمثابة ترند بين الجمهور السوري.
فيما بعد صرت أبتعد عن فرق الأوركسترا الكبيرة، أي أصبحت أفضل الفرق الصغيرة التي يمكنني أن أطبق بها أكثر من نوع بما في ذلك الجاز والفانك واللاتيني جاز والهاوس والديب هاوس، شعرت بأن العزف بهذه الطريقة فيه نوع من الشغف والمتعة مع الجمهور.
عملت مدرساً في معهد البيت العربي للموسيقا وأسست أكاديمية غروف، كيف تصف تجربتك في مجال التدريب الموسيقي؟
لقد خضت تجربة التدريس والتدريب في الموسيقا في عمر صغير، حيث كنت أعطي دروساً خاصة للكثير من الطلاب، وكنت أدرب في البيت العربي للموسيقى في محافظة اللاذقية، كما درّست في معهد “تيمبو” للموسيقى في اللاذقية أيضاً عند الموسيقي غابي صهيوني الذي أعتبره من أفضل الشركاء الذين شاركتهم الموسيقا والصداقة، غابي من الأشخاص الذين يمتلكون عزيمة وإصرار دائم.
وعندما حققت نجاحاً في مجال التدريب والتدريس أسست أكاديمية تعليم خاصة بي للتدريب على الإيقاع وكانت مكان مهم لتخريج طلاب أكمل بعضهم دراسته للإيقاع في أوربا، أو في المعهد العالي الموسيقا أو كلية التربية الموسيقية في سوريا، كما أن أول دفعة تخرجت من كلية الموسيقا كان من ضمنها قسم من طلابي الذين أشرفت على تدريبهم.
بالنسبة لتجربتي في مجال التدريب الموسيقي أصفها بأنها أمانة كبيرة، كوني أشعر أن الطالب أو المتدرب هو أمانة بين يدي، كما أن مهنة التدريس أو التدريب جعلتني أكبر في وقت مبكر، حيث أصبحت مرجع للكثير من الطلاب عندما كنت بعمر الـ 19 عام، حيث كان أغلب طلابي إما من عمري أو أكبر مني سناً، وفي الوقت الحالي أنا أدرس الإيقاع أونلاين عبر دورة متاحة على الإنترنت، ولدي طلاب من كل دول العالم.
تركت بصمة خاصة في موسيقا الفيوجن وهي من أصعب الأنواع الموسيقية حيث يتوجب على العازف فيها المزج بين الأنماط الموسيقية كالمزج بين الشرقي والغربي، برأيك، هل تجد أن الموسيقا الشرقية مألوفة للأذن الغربية؟ وماذا عن العكس؟
أنا دخلت عالم موسيقا الفيوجن كونها تمزج بين مجموعة عناصر موسيقية منها موسيقا الجاز والروك أو الفانك والهيب هوب، بالتالي هي تعبر عن حالة الموسيقي المحترف الذي يكون لديه خبرة وذخيرة سمعية جيدة، تمكنه من العزف على عدة أنواع من الموسيقى بأنماط مختلفة، ومن أفضل الأفكار هي فكرة إدخال مصطلح الفيوجن إلى الموسيقا الشرقية العربية، باعتبار أن الموسيقى الشرقية لها وقع وطابع خاص حتى على مسمع الغرب، فالخلط في الموسيقى الشرقية بين الجاز والفانك وأن تكون الخلفية الموسيقية ديب هاوس يعطي الموسيقى العربية طابع خاص وبالتالي يجعل إقبال الجمهور عليها جيد، لكن مع ضرورة ألا تؤثر الفيوجن على التراث الموسيقي العربي، أي أن يتم تقديم شيء مبتكر بتوزيع محترف يحترم خصوصية التراث الشرقي في الموسيقا.
ما هي التحديات التي تواجه الموسيقا العربية اليوم بشكل عام؟ وما التحديات التي واجهتها أنت شخصياً بصفتك عازف سوري؟
من التحديات التي تواجه الموسيقا العربية اليوم هي الخروج عن المألوف بصورة خاطئة التي أدت إلى تشويه صورة الموسيقا العربية إلى حد ما، لا سيما مع إدخال مفردات غير لائقة وهابطة في أغاني البوب حتى تصل فكرة بأن تلك الأغاني الهابطة هي التي تعبر عن الموسيقى الشرقية التراثية.
لكن الموسيقا العربية ليست كذلك، فالموسيقا هي أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وبليغ حمدي وغيرهم من المغنيين الكبار.
أنا لا زلت لا أتخيل أنه في يوم من الايام يتم إدخال مفردات وألفاظ نابية ضمن الأغاني والتي لا تعبر عن ثقافتنا وتراثنا الموسيقي، كما أصبح العديد من الموسيقيين يتجهون نحو الصخب بالعزف على الآلات، حيث انحدرت الموسيقا مع وجود أغاني البوب التي تسيطر على الفن الموسيقى منذ 15 عاماً، لكن لا يزال يوجد جزء من الجمهور يسمع من التراث الشرقي القديم وهو ما يجعلنا نشعر بالأمل نحن كموسيقيين.
بالنسبة للتحديات التي تواجه الموسيقي السوري، اليوم لا يوجد موسيقي في العالم لديه تحديات وعراقيل أكثر من العازف السوري، وإحدى المشاكل الجوهرية التي أواجهها هي عدم القدرة على السفر إلى بلدان معينة بسبب عدم توفر فيز أو تأشيرات دخول وهذه مشكلة أعاني منها منذ 6 سنوات، على الرغم من أنني كنت أحيي حفلة كل شهر في بلد مختلف.
ومن الصعوبات التي تقف في طريقي هي الوضع المعيشي والظروف التي تعيشها سوريا، فأنا في الوقت الحالي أنتج أول ألبوم موسيقي خاص بي، لكني أواجه صعوبات مالية ولا أقدر اليوم على إنتاج ألبوم يضم خمس تريكات موسيقية، بالتالي نحن بحاجة إلى داعمين وممولين لمشاريعنا الموسيقية كموسيقيين.
كيف تنظر إلى تجربتك الفنية اليوم؟ وعلى ماذا تعمل حالياً؟
لست راضي تماماً عن نفسي اليوم، أنا حالياً أحضر ألبوم موسيقي خاص بمحمد شحادة من تأليفه الخاص بالموسيقا، أتخيل أن الموسيقا بحاجة إلى تدريب وتعليم مستمر، فهي بحر من المعلومات والتفاصيل، بالتالي عليّ أن أتدرب بشكل يومي لكي أتعلم شيء جديد ومن ثم أصل إلى المكان الذي أطمح إليه.
ما هي الرسالة التي ستتركها للأشخاص الذين يرغبون في المغامرة وعزف الموسيقا ولكنهم غير متأكدين بعد؟
الرسالة التي أريد إيصالها لأي شخص مقبل أو يفكر في التعلم على أي آلة موسيقية، ألا يعتقد أن العزف مسألة صعبة وغير ممكنة، بالتالي عندما يشاهد موسيقى محترف أو عالمي ألا يقول في نفسه من المستحيل أن أصل إلى مكانه، لذلك لا بد لأي شخص يرغب في دخول عالم الموسيقا أن يرسم هدفاً واضحاً أمامه ويسعى إلى تحقيقه عبر العمل والجد، والتدريب يحتاج إلى صبر وإرادة وعزيمة ووقت كافي حتى يصل الفرد إلى الهدف الذي يريده.