في شتاء بريطانيا القارس، حيث تتداخل أصوات الرياح مع صمت المنازل الباردة، تعيش آلاف العائلات المسنّة معاناة صامتة، وليس البرد فقط هو العدو، بل أيضاً قرارات سياسية ألقت بظلالها الثقيلة على حياة هؤلاء الذين أفنوا عمرهم في بناء الوطن، فبين الحاجة للتدفئة والرغبة في تناول وجبة دافئة، يقف المسنّون أمام خيارات قاسية لا تعرف الرحمة.
في هذا المشهد، تنكشف مأساة تتجاوز الأرقام والإحصائيات لتُظهر وجهاً إنسانياً يئن تحت وطأة الفقر واللامبالاة، فكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وهل تستطيع بريطانيا أن تنقذ شتاءها القاتم قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة صحية واجتماعية؟
يشهد ملف تخفيض دفعات الوقود الشتوية لكبار السن في بريطانيا تصعيداً جديداً بعد ظهور أبحاث تكشف عن تأثيرات كارثية على الفئات الهشة، ووفقاً لتقرير جديد صادر عن منظمة Age UK الخيرية، يواجه أكثر من مليون مسنّ، يبلغون من العمر 66 عاماً أو أكثر، ضغوطاً مالية أجبرتهم على تخطي وجبات الطعام، في حين يعاني الملايين من تقليص استخدام التدفئة.
وأظهرت الدراسة أن 7 ملايين مسنّ يخفضون ساعات تشغيل التدفئة أو يلغونها تماماً لمواجهة الأعباء المالية، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على صحتهم، كما بيّنت البيانات أن نحو 620 ألف شخص من المسنين الذين يعانون من حالات صحية مزمنة يتخطون وجبات الطعام، ما يزيد من احتمال تعرضهم لمضاعفات صحية قد تثقل كاهل منظومة الصحة الوطنية (NHS).
وأوضحت كارولين أبراهامز، مديرة منظمة Age UK، أوضحت: «إن الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية طويلة الأمد هم الأكثر عرضة للتأثر، هذا أمر مقلق للغاية بالنسبة لـ NHS»، وأضافت: «النظام الحالي منهك تماماً، ما يعني أن بعض المؤهلين للحصول على دفعات الوقود قد لا يتلقونها إلا بعد انتهاء الشتاء».
ومنذ إعلان وزيرة الخزانة ريتشل ريفز (Rachel Reeves) في يوليو عن تخفيض كبير في دفعات الوقود الشتوية بهدف توفير 1.4 مليار جنيه إسترليني، شهدت الحكومة زيادة بنسبة 145% في طلبات الحصول على ائتمان التقاعد (Pension Credit)، وهذا التدفق الكبير أدى إلى تأخر يصل إلى 12 أسبوعاً في معالجة الطلبات.
وصرحت متحدثة حكومية بأن الحكومة نشرت موظفين إضافيين للتعامل مع هذه الزيادة، مما أسفر عن ارتفاع بنسبة 51% في الطلبات المعالجة منذ الإعلان.
وقوبلت هذه التخفيضات بانتقادات حادة من أحزاب المعارضة، إذ قال ستيف دارلينغ (Steve Darling)، المتحدث باسم العمل والتقاعد في حزب الأحرار الديمقراطيين: «يجب على الحكومة التراجع عن هذه التخفيضات المتهورة التي تجبر الملايين على الاختيار بين التدفئة والطعام».
اقرأ أيضاً: ستارمر: لا تتوقعوا خدمات أفضل في عيد الميلاد!
في المقابل، أكد متحدث حكومي أن الحكومة ملتزمة بدعم المسنين من خلال زيادة المعاشات التقاعدية بمقدار يصل إلى 1,900 جنيه إسترليني خلال هذا البرلمان، إضافة إلى تقديم خصومات تصل إلى 150 جنيهاً إسترلينياً للأسر المستحقة عبر برنامج الخصم الدافئ (Warm Home Discount) ومدفوعات الطقس البارد.
ووثّقت منظمة Age UK شهادات من 30,000 شخص حول معاناتهم مع أزمة الوقود، إحدى الشهادات قالت: «لا يمكننا تحمل تكلفة تدفئة المنزل، الذي يعاني من عزل سيئ وزجاج مزدوج متضرر»، بينما أوضح شخص آخر: «أعاني من مرض القلب الإقفاري وأحتاج إلى البقاء دافئاً، لكنني قلق جداً بشأن التكاليف، لذا أبقى دافئاً بالبطانيات أو بالنوم المبكر».
وفي وقت سابق، كان قد أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن تحسين الخدمات العامة في المملكة المتحدة يحتاج إلى وقت طويل لتحقيقه، موضحاً أن التحديات التي تواجه قطاعات مثل الصحة، والتعليم، والإسكان تتطلب سنوات من العمل لإحداث تغييرات جذرية. جاءت هذه التصريحات خلال مقابلات إعلامية استعرض فيها ستارمر رؤيته لتحقيق أهداف بعيدة المدى تشمل تحسين الإسكان، رفع مستوى المعيشة، تعزيز قطاع الطاقة، دعم الشرطة، وتطوير النظام التعليمي والخدمات الصحية.
اقرأ أيضاً: هل سينجح ستارمر بإقناع الخليج باتفاق تجاري؟
وخلال ظهوره في برنامج «صباح الخير بريطانيا» على قناة «آي تي في»، أوضح ستارمر قائلاً: «لم أعد بإحداث تغيير فوري مع حلول عيد الميلاد، وكان هذا قراراً مدروساً. الناس اعتادوا سماع وعود براقة من السياسيين، لكنهم أصبحوا يدركون أن الواقع غالباً ما يكون مغايراً لتلك الوعود».
وفي تصريح آخر أدلى به لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أكد ستارمر: «سأكون محاسباً أمام الشعب بحلول نهاية هذه الدورة البرلمانية بشأن الوفاء بتعهداتي، التي تشمل تحسين النظام الصحي، توفير مساكن أفضل، وتقليل تكاليف الطاقة».