عندما تتراجع شركة بحجم أسترازينيكا (AstraZeneca) عن استثمار ضخم بقيمة 450 مليون جنيه إسترليني، فالأمر لا يتعلق بقرار مالي فحسب، بل برسالة قوية عن مناخ الاستثمار في بريطانيا، وجاء هذا الانسحاب بعد أيام فقط من تعهد حكومة العمال بتسريع النمو، لكنه كشف عن توتر بين الشركات وصناع القرار.. فهل يعكس هذا القرار مأزقاً اقتصادياً حقيقياً أم مجرد مفاوضات لم تكتمل؟
أعلنت شركة أسترازينيكا عن إلغاء خططها لاستثمار 450 مليون جنيه إسترليني في توسيع منشأة تصنيع اللقاحات في ميرسيسايد (Merseyside)، مشيرة إلى تراجع الدعم الحكومي كأحد الأسباب الرئيسية وراء القرار، وجاء إعلان الشركة بعد يومين فقط من كشف وزيرة المالية راشيل ريفز (Rachel Reeves) عن خطة حزب العمال لتعزيز النمو الاقتصادي بسرعة أكبر، وأوضحت أسترازينيكا أن القرار كان نتيجة لمحادثات “مطولة” تأثرت بعدة عوامل، من بينها “توقيت العرض النهائي وانخفاض قيمته مقارنة بالمقترح الذي قدمته الحكومة السابقة”.
وفي تعليق على القرار، أوضح متحدث باسم وزارة الخزانة البريطانية (The Treasury) أن التغييرات التي طرأت على هيكلة الاستثمار المقترح أدت إلى تقليص المنحة الحكومية، وقال: «يجب أن يحقق كل تمويل حكومي قيمة مقابل أموال دافعي الضرائب، وللأسف، رغم الجهود المكثفة التي بذلها المسؤولون، لم يكن من الممكن التوصل إلى حل».
اقرأ أيضاً: ريفز تعود من الصين.. فهل ستنجح في تهدئة الأسواق؟
ورغم انسحابها من خطط التوسع، أكدت أسترازينيكا أن موقعها في سبيك (Speke) سيواصل إنتاج وتوريد لقاحات الإنفلونزا للمرضى في المملكة المتحدة (UK) ومختلف أنحاء العالم، كما شددت الشركة على أن الوظائف الحالية في المنشأة لن تتأثر بالقرار.
في خطاب لها يوم الأربعاء، وصفت راشيل ريفز شركة أسترازينيكا بأنها واحدة من «أعظم الشركات»، مؤكدة على تصميمها لجعل بريطانيا أفضل مكان للاستثمار في العالم، لكن مع انسحاب الشركة من المشروع، تعرضت الحكومة لانتقادات حادة.
علق وزير الأعمال في حكومة الظل أندرو غريفيثس (Andrew Griffiths) بسخرية قائلاً: «لا يوجد لقاح ضد سوء الإدارة»، مشيراً إلى أن حزب العمال فشل في إنجاز صفقة مع واحدة من أكبر الشركات البريطانية العاملة في قطاع العلوم الحيوية.
يعد تحفيز الاقتصاد البريطاني أولوية رئيسية لحكومة العمال في إطار سعيها لرفع مستوى المعيشة، لكن معدل النمو لا يزال بطيئاً، وتسعى الحكومة إلى جذب المزيد من الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة، غير أن قرار أسترازينيكا يمثل نكسة كبيرة لهذه الجهود.
هذا وتم وضع خطط توسيع موقع سبيك لأول مرة ضمن ميزانية مارس العام الماضي، التي قدمها وزير المالية المحافظ السابق جيريمي هنت (Jeremy Hunt) ومع ذلك، كشفت التقارير عن تأخيرات في المحادثات بين حكومة العمال الجديدة والشركة، ما أدى إلى فشل الاتفاق.
اقرأ أيضاً: هل ستنقذ زيارة ريفز للصين الاقتصاد البريطاني؟
وعلق هنت على انسحاب أسترازينيكا قائلاً: «إنها مأساة مطلقة»، مطالباً ريفز بالتواصل مباشرة مع الرئيس التنفيذي للشركة، سير باسكال سوريوت (Sir Pascal Soriot)، وأضاف على منصة إكس (X): «إذا كانت تؤمن بالنمو، فلا يمكن أن يكون التقشف قصير المدى هو الحل».
يأتي قرار أسترازينيكا في وقت تستعد فيه الشركات البريطانية لمواجهة زيادات ضريبية في أبريل، حيث سيتم رفع معدل التأمين الوطني (National Insurance) الذي يتعين على أصحاب العمل دفعه، كما سيتم خفض العتبة التي تبدأ عندها الشركات بدفع هذا التأمين، ما يزيد من الأعباء المالية على المؤسسات التجارية.
وفي ظل هذه التحديات، حذرت بعض الشركات من أن التكاليف الإضافية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتقليص إعفاءات الضرائب التجارية قد تؤثر على قدرتها على التوظيف والاستثمار في النمو.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تحذر رواندا: وضعتم مليار دولار تحت التهديد!