في مشهد يعيد إلى الأذهان توترات الأسواق المالية في فترات الأزمات العالمية، تعرضت العملات الرقمية خلال الأيام الأخيرة لهزة قوية أفقدتها مئات المليارات من قيمتها السوقية، في وقت تتكثف فيه التوترات الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، لا سيما بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (Donald Trump) عن فرض ضرائب شاملة تحت ما سماه “يوم التحرير العالمي”.
وسجلت البيتكوين (Bitcoin) ، العملة الرقمية الأكبر والأكثر شهرة في العالم، انخفاضًا حادًا بنسبة تقارب 7٪ خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، لتصل إلى ما دون حاجز 77,500 دولار أمريكي، بعدما ظلت معظم العام الجاري فوق مستوى 80,000 دولار.
وهذا التراجع ليس حدثًا عابرًا، بل يمثل جزءًا من سلسلة انخفاضات متتالية منذ أن سجلت العملة ذروتها في يناير الماضي عند نحو 110,000 دولار، وهو ما يعني أن البيتكوين فقدت أكثر من 28٪ من قيمتها في غضون أقل من ثلاثة أشهر فقط.
والهبوط المفاجئ لم يكن محصورًا في البيتكوين وحدها، فقد شهدت العملات الرقمية الأخرى مثل إيثيريوم (Ethereum) وسولانا، (Solana) وريبل(XRP)، ودوجيكوين (Dogecoin) خسائر أعمق، حيث تجاوز التراجع في بعضها نسبة 12٪ في يوم واحد.
ووفق بيانات موقع (CoinMarketCap)، تقلصت القيمة السوقية لسوق العملات الرقمية بأكمله بنحو 1.3 تريليون دولار أمريكي منذ بداية العام، وهو رقم ضخم يعكس هشاشة الثقة في هذا القطاع وسط التغيرات السياسية والاقتصادية المتسارعة.
وأحد المحفزات الأساسية لهذا الانحدار كان إعلان ترامب عن قانون ضريبي جديد يستهدف ما وصفه بـ”احتياطي العملات الرقمية العالمي”، وهو ما فهمه المستثمرون كمؤشر على اتجاه الولايات المتحدة لفرض ضرائب صارمة على تداولات العملات الرقمية، ما دفعهم إلى الهروب السريع من الأسواق خشية تأثر العوائد المستقبلية.
ووفق تحليلات اقتصادية، فإن الأسواق تتفاعل بحساسية مع التصريحات المفاجئة التي تطلقها القيادات السياسية، لا سيما حين تتعلق بأنظمة الضرائب أو السياسات الحمائية.
حرب تجارية!
وفي الوقت ذاته، عمقت حالة القلق من “حرب تجارية” جديدة آثار هذا الهبوط، حيث عزز ترامب من خطابه التصعيدي ضد عدة دول صناعية كبرى، وأعلن عن نية الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية وضرائب اقتصادية جديدة كجزء من استعادة “السيادة التجارية”.
وقد انعكس هذا الإعلان فورًا على حركة أسواق المال العالمية، إذ سجلت مؤشرات وول ستريت انخفاضات حادة، تبعتها أسواق آسيا وأوروبا، مما أوجد بيئة ضبابية دفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية، وكان قطاع العملات الرقمية أول من دفع الثمن.
والبيتكوين، الذي كان ينظر إليه في السابق على أنه “الذهب الرقمي”، لم يتمكن من الحفاظ على مكانته كملاذ آمن في ظل هذه الاضطرابات.
وعلى العكس، باتت تقلباته العالية مصدر قلق كبير للمستثمرين الذين يبحثون عن استقرار نسبي في الأسواق، وبهذا، دخلت العملات الرقمية منعطفًا جديدًا يعيد طرح أسئلة جادة حول مدى نضج هذا السوق، وقدرته على الصمود أمام التحديات التنظيمية والاقتصادية المتصاعدة.
اقرأ أيضاً: العملات الرقمية: حلم بريطانيا الضائع كمركز عالمي
تشريعات أمريكية صارمة.. ما مستقبل السوق؟
في الوقت نفسه، يتجه الكونغرس الأمريكي إلى مراجعة شاملة للتشريعات الخاصة بالعملات الرقمية، في محاولة لتنظيم السوق ووضع حد للغموض القانوني الذي يكتنفه.
وتطرح الآن عدة مشاريع قوانين تستهدف فرض الشفافية على تعاملات العملات الرقمية، وتنظيم المنصات التي تتعامل بها، ما قد يفتح الباب أمام مزيد من الضغوط على المستثمرين والمتعاملين في هذا القطاع.
والتحولات المتسارعة أثرت أيضًا على سلوك المستثمرين الأفراد الذين يشكلون نسبة كبيرة من المتعاملين في سوق العملات الرقمية.
ومع ارتفاع المخاطر، بدأت تظهر توجهات للخروج الجماعي من السوق، وبيع الأصول الرقمية بكميات كبيرة، ما أدى إلى تفاقم الانخفاضات وأدخل السوق في حالة من الذعر المؤسسي.
وفي مقابل ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه المرحلة قد تمثل فرصة للشراء عند القاع بالنسبة للمستثمرين الذين يؤمنون بالعملة الرقمية على المدى الطويل.
غير أن هذا الرأي يواجهه تيار آخر يعتقد أن التقلبات الحادة، والضغوط التنظيمية المتزايدة، ستقود العملات الرقمية إلى مرحلة تصحيح شاملة، وقد تتطلب وقتًا طويلًا قبل استعادة الثقة.
ورغم أن البيتكوين وسوق العملات الرقمية أثبتا في السابق قدرة على التعافي من الأزمات، إلا أن الأزمة الحالية تحمل طابعًا مختلفًا.
فالمخاوف ليست فقط تقنية أو تتعلق بالعرض والطلب، بل تشمل اعتبارات سيادية واقتصادية عابرة للحدود، ما يجعل المستقبل القريب للبيتكوين والعملات الرقمية الأخرى غير واضح المعالم.
وفي ضوء هذه التغيرات، بات من الضروري على المستثمرين والمتابعين أن يتحلوا باليقظة، وأن يتابعوا عن كثب ما يصدر من سياسات وتوجهات في العواصم الكبرى، خصوصًا واشنطن، التي يبدو أنها قررت الدخول بجدية إلى ساحة تنظيم الاقتصاد الرقمي، بما فيه من مكاسب محتملة ومخاطر عالية.
اقرأ أيضاً: إيلون ماسك يرفع من قيمة عملة الميم إلى 3680%