كم هي حميلة ليالي الشتاء للاسترخاء مع الأصدقاء والعائلة! لكن للأسف، هذه الأجواء الدافئة تخفي وراءها تحديات صحية قد تؤثر على المزاج والطاقة، ومع الأيام الأقصر في السنة ونقص ضوء الشمس، قد يشعر الكثيرون بتأثيرات الاضطراب العاطفي الموسمي، الأمر الذي يستدعي البحث عن طرق للتغلب على هذه الحالة واستعادة الحيوية.
ولكن المهم هو أن أطول يوم في عام 2024 قد مر بالفعل، ومع مرور الأيام، ستزداد الإضاءة في الأفق، لإعلان قدوم الربيع خلال أقل من ثلاثة أشهر، لكن إذا كان الشعور بالشتاء يثقل كاهلك في الروتين اليومي، ويؤثر على العادات الغذائية، فقد حان الوقت للبحث عن طرق جديدة لاستعادة النشاط والحيوية.
ما هو الاضطراب العاطفي الموسمي؟
تعرِّف هيئة الخدمات الصحية الوطنية الاضطراب العاطفي الموسمي بأنه نوع من الاكتئاب يتنقل وفق نمط موسمي، وغالباً ما يُشار إليه باسم “اكتئاب الشتاء” أو “كآبة الشتاء”، حيث تتضمن أعراضه انخفاضاً مستمراً في الحالة المزاجية، ونقص الطاقة، ورغبة متزايدة في تناول الكربوهيدرات، وصعوبة في التركيز، فإذا ظهرت أي من هذه الأعراض، يُنصح بالتواصل مع طبيب للحصول على المشورة الطبية المناسبة، ومع ذلك، هناك خطوات بسيطة يمكن اتخاذها في المنزل لتخفيف حدة الاضطراب العاطفي الموسمي.
فعلى الرغم من عدم وجود سبب محدد لهذا الاضطراب، إلا أن نقص فيتامين د شائع بين المصابين بهذه الحالة، إذ يتم امتصاص فيتامين د عادةً من ضوء الشمس، ولكن خلال الأشهر الرمادية المظلمة، يمكن الاعتماد على مصادر بديلة، فيُنصح بزيادة استهلاك الأطعمة الغنية بهذا الفيتامين مثل السلمون، والتونة، والسردين، والكفير، والفطر.
من العناصر الغذائية الأخرى التي تدعم أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي هي أوميجا 3، المعروفة بخصائصها المعززة للدماغ، وفيتامين ب12 الذي يساهم في دعم وتنظيم النظام العصبي، تساعد الأفوكادو، والشوكولاتة الداكنة، والخضروات الورقية في تنظيم الجهاز العصبي وتوفير شعور بالهدوء، بينما تعد المكسرات، والموز، والبرتقال، والحبوب الكاملة من المصادر التي تعزز الطاقة وتساعد في محاربة التعب.
يُنصح أيضاً بإدخال الأطعمة الغنية بالتريبتوفان، وهو حمض أميني ضروري لإنتاج السيروتونين (هرمون السعادة) في الأمعاء، وفي موسم الأعياد، يعد الديك الرومي من الأطعمة الغنية بالتريبتوفان، واللوز كذلك غني بالتريبتوفان، ويمكن تحضير مشروب مريح غني به قبل النوم، مثل لاتيه حليب اللوز الذهبي، يتم ذلك بمزج كوب من حليب اللوز مع ملعقة صغيرة من الكركم، وملعقة صغيرة من القرفة، وملعقة صغيرة من الفلفل الأسود، وملعقة صغيرة من العسل، ثم يُسخن المزيج في مقلاة على نار متوسطة، بعد لك يُسكب في كوب مفضل لتستمتع بمذاقه الرائع الذي يطرد عنك شبح الاكتئاب.
أما عن الرياضة، فإنها ممتعة مع شروق الشمس، ولكن قد يكون من السهل الهروب من صالة الألعاب الرياضية أو خطة الجري خلال أشهر الشتاء، لكن النشاط البدني يمكن أن يخفف من أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي، لذا، في حالة الطقس السيئ، توفر المراكز الرياضية مجموعة متنوعة من الأنشطة المناسبة لجميع الأعمار والقدرات، بينما تشجع منظمات مثل مؤسسة القلب البريطانية على تحويل الأعمال المنزلية إلى تمارين رياضية والاستفادة من مقاطع الفيديو المجانية للتمارين عبر الإنترنت.
إلى جانب ذلك، فإن استخدام مكملات فيتامين د يمكن أن يعزز الصحة خلال أشهر الشتاء، وتوصي حكومة المملكة المتحدة جميع البالغين بالحصول على 600 وحدة دولية من فيتامين د يومياً خلال أشهر الشتاء للحفاظ على مستويات مرتفعة وتعزيز صحة المناعة.
ومع قدوم الطقس البارد، تزداد احتمالية الإصابة بأمراض موسمية، لذا ينصح متخصصو الصحة بتناول مكملات مثل الزنك وفيتامين سي لتعزيز جهاز المناعة، وإذا كانت هناك حالة مرضية مزمنة، فمن المهم استشارة طبيب أو صيدلي حول ملاءمة المكملات الغذائية المتاحة.
وأخيراً، بات معروفاً أن قلة التعرض للضوء الطبيعي أحد الأسباب الرئيسية للاضطراب العاطفي الموسمي، وتأثير هذا الأمر على الصحة العقلية كبير، وأن مستويات الضوء المنخفضة تؤثر على إنتاج مادة كيميائية في الدماغ تُعرف باسم الميلاتونين، ما يعطل الإيقاع اليومي للجسم، إذ تنتج الغدة الصنوبرية كميات أكبر من الميلاتونين خلال ساعات الظلام، وهذا الذي يؤدي إلى الشعور بالنعاس، ولكن بعض الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي قد ينتجون مستويات أعلى من الميلاتونين، لذا فهم يشعرون بالتعب طوال اليوم.
الحل هنا يكمن في التعرض لبضع دقائق من ضوء النهار، ليخبر الضوء الدماغ بأن الوقت قد حان للاستيقاظ، إذ يعد ضوء الشمس المؤشر الرئيسي لتوقيت الجسم، حيث تكتشف العينان دورة الضوء والظلام في البيئة وتضبطان الساعة البيولوجية وفقاً لذلك، وبمجرد فتح الستائر صباحاً، يبدأ الجسم في استشعار الوقت المناسب للاستيقاظ، ما يؤثر إيجابياً على المزاج خلال اليوم، يزيد ضوء الشمس في الصباح من إنتاج السيروتونين، وهو هرمون يحسن شعور الرفاهية ويساعد في تخفيف الاكتئاب والقلق.
وإذا كان من الصعب الحصول على الضوء الطبيعي في الصباح، يمكن استخدام مصابيح العلاج بالضوء أو صناديق الضوء للاستخدام في المنزل، يمكن أن يساعد استخدام هذه الأدوات في الصباح على تعزيز إنتاج السيروتونين وتحسين الساعة الداخلية للجسم، ومن خلال تعزيز إشارات الدماغ بأن الوقت قد حان للاستيقاظ، يمكن جعل الروتين الصباحي صحياً، وإبعاد مشكلة الاضطراب العاطفي الموسمي قدر الإمكان.