باقتصاد منهار تماماً، وبلد يعج بمختلف الأزمات المعيشية، يستعد رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي اللبناني للتنحي عن منصبه بعد 30 عاماً، فيما يودعه اللبنانيون بتظاهرات وتنديدات تحمل عبارة “رياض الحرامي”.
إلى جانب الطبقة السياسية في لبنان، وُجِّه اللوم إلى سلامة لسوء الإدارة المالية الذي تسبب في العديد من هذه المشكلات.
خلال الفترة التي قضاها في رئاسة مصرف لبنان، اتُهم سلامة بإدارة عملية احتيال ضخمة، باقتراض أموال جديدة للدفع للدائنين الحاليين، إلى أن بدأ الاقتصاد في الانهيار.
لطالما كان سلامة مصرا على التنصل من المسؤولية عن مشكلات لبنان المالية، ويقول في مقابلاته الصحفية: “محافظ البنك المركزي ليس شخصا مستقلا؛ فهناك مجلس مركزي يتخذ القرار، والمحافظ ما هو إلا منفذ لتلك القرارات. لذا من التضليل أن يُلقى كل شيء على عاتق المحافظ”.
وأضاف في لقاء سابق له مع BBC: “في جميع البنوك المركزية في هذا العالم، لا يوجد فرد مسؤول عن كل شيء”.
إن الحقيقة أصعب من أن تتخيلها؛ فلبنان في حالة مالية مزرية، بعد أن فقدت عملة البلاد 98 في المئة من قيمتها، وصارت نسبة التضخم مكونة من ثلاثة أرقام.
ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي قد تقلص بنسبة 40 في المئة، مع استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية بنحو الثلثين.
“لا نعلم أين ذهب المال”
بينما يستعد رياض سلامة للتنحي عن منصب محافظ البنك المركزي بعد 30 عاما، يُجرى التحقيق معه من قبل سبع دول على الأقل، منها لبنان، بتهمة الاختلاس والإثراء غير المشروع. فهو متهم بغسيل أموال تقدر بأكثر من 300 مليون دولار (229 مليون جنيه إسترليني)، لكنه ينفي فعل ذلك.
وأوضح قائلا: “لقد قدمت بيانات دقيقة لحساباتي الشخصية، توضح أن ثروتي كلها من عملي الشخصي لمدة 20 عاما في القطاع الخاص”.
وأضاف: “أظهرت الحسابات المدققة للبنك المركزي أنه ما مِن أموال نُقِلت في أي وقت من البنك المركزي إلى حسابي الشخصي”.
لكن الاتهامات الموجهة إليه كبيرة ومتنوعة. ففي ألمانيا وفرنسا، صودرت ممتلكات سلامة وصدرت مذكرات توقيف بحقه. كما تحقق السلطات في سويسرا بشأن حقيقة استيلائه هو وشقيقه رجاء على مئات الملايين من الدولارات من البنك المركزي بشكل غير قانوني على مدار عقد من الزمان. ونفا كلا الأخوين ارتكاب أية مخالفة.
وفي المملكة المتحدة، حيث يمتلك سلامة أصولا ضخمة، لم يعلق أي من مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة أو الوكالة الوطنية المعنية بمكافحة الجريمة، على الرغم من أن المصادر تقول إن ممتلكاته قيد النظر.
وتُجري المنظمة السويسرية غير الحكومية للمساءلة “أكاونتابيليتي ناو”، تحقيقا حول رياض سلامة لسنوات عدة، وقدمت شكاوى جنائية في بلدان عدة.
تقول زينة وكيم، رئيسة مجلس إدارة المنظمة، إن الادعاء العام في أوروبا يشتبه في انتماء سلامة إلى منظمة إجرامية.
وتضيف: “من المهم للغاية أن يتهم الادعاء العام في أوروبا محافظ البنك المركزي بالانتماء إلى منظمة إجرامية. إنها سابقة”.
وتساءلت وكيم أين انتهى الأمر بالمساعدات الدولية التي كانت مخصصة للمحتاجين في لبنان؟ وتقول منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، إن نحو تسعة من كل 10 أسر لا تستطيع الآن شراء الضروريات الأساسية. وهناك مشكلات مستمرة مع نقص الكهرباء والأدوية والوقود والغذاء.
وتقول: “على مدى السنوات الخمس الماضية، تدفقت 5 مليارات دولار من المساعدات الدولية إلى لبنان، وأكثر من ذلك بعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت. لا نعلم أين ذهبت تلك الأموال. لقد كانت مخصصة للسكان. والفساد هو السبب الأساسي لكل ما حدث في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية”.
وخارج مبنى البنك المركزي، لا تترك الكتابة على الجدران لدى المارة أدنى شك بشأن الغضب العام المتأجج تجاه البنوك ومن يديرونها.
كانت هناك محاولات للتغطية على الكلام المكتوب على تلك الجدران، لكن لا يزال من الممكن قراءة بعض البذاءات.
هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن خروج رياض سلامة من المنصب الأعلى في البنك المركزي لن يكون نهاية للأزمة الاقتصادية في لبنان. فمع عدم تسمية من سيتولى المنصب بعده، وعدم وجود حلول حقيقية تلوح في الأفق، فإن الغضب الشعبي تجاه البنوك في لبنان سيستمر في الازدياد.