رياضة
إشارات عنصرية في ملاعب كرة القدم الإنجليزية.. فمتى يلفظ التمييز العنصري أنفاسه الأخيرة؟!
نشر
منذ سنتينفي
1٬342 مشاهدة
By
Fatimaتشكل العنصرية والتفرقة بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الجنس، أحد أكبر السلوكيات سوداوية على الإطلاق في التاريخ الإنساني؛ فكم من أناس دفعوا أثماناً باهظة لتلك النظرة الدونية الموجهة من قبل جنس بشري تجاه جنس بشري آخر يشاركه الوجود على أرض هذا الكوكب.
كتب: محسن حسن
ورغم الحيرة الشديدة التي يصاب بها العقل عندما يحاول الوصول إلى الجذور الأولى لبدء النزوع البشري نحو التعالى المبني على أساس الاحتقار والازدراء، إلا أن الحيرة الأكبر تتجسد عندما نصطدم بإصرار العقلية المعاصرة على الاستمرار في النهج والسلوك العنصري رغم تقدم الحضارات وتحولها من البدائية الوحشية إلى براح التعايش والعولمة في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتزداد الحيرة أكثر، عندما تصدمنا العنصرية بظهورها في مجال الرياضة، وخاصة في ملاعب كرة القدم، اللعبة الجماهيرية الأولى عالمياً، والأكثر تنوعاً من حيث مشاركة الأجناس البشرية المختلفة شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، والتي يُفترض في ممارسيها التحلي بالروح الرياضية التي هي أساس كل الألعاب.
ومنذ أكثر من عقدين، تعاني الملاعب الإنجليزية تطوراً سلبياً ملحوظاً في تكرار المواقف والعبارات العنصرية؛ ليس على مستوى الجماهير المتعصبة فحسب، وإنما أيضاً على مستوى اللاعبين والمدربين والحكام، بل وعلى مستوى إدارة اللعبة من قبل الاتحاد الإنجليزي أيضاً، فما الذي يحدث؟ وإلى أي حد أصبحت مظاهر العنصرية مقلقة داخل المجال الرياضي للمملكة المتحدة؟
عنصرية مدرجات
فيما يخص عنصرية الجماهير، لدينا أمثلة عديدة وسلوكيات متكررة تشهدها ملاعب كرة القدم، أغلبها يكون موجهاً ضد اللاعبين من ذوي البشرة السمراء، فهم أهداف اعتيادية لتلك السلوكيات؛ ومن ذلك على سبيل المثال، تعرض الألماني الأسمر (أنطونيو روديجر) لهتافات استهجان عنصرية في إحدى مباريات (توتنهام) و(تشيلسي) حيث قام جمهور الأول بإصدار همهمات تشبه أصوات القردة مصحوبة بحركات بهلوانية اضطر معها الحكم لإيقاف المباراة، وهناك صيحات وحركات مشابهة تمت ضد لاعبين ذوي بشرة سمراء ولاعبين مسلمين من ذوي البشرة البيضاء في مباريات أخرى عديدة، ومن بين هؤلاء (رحيم ستيرلنج) نجم مانشستر سيتي و(بول بوجبا) لاعب (مانشستر يونايتد)، و(محمد صلاح) لاعب (ليفربول)، وهو ما وثقته الكاميرات والميديا، وحتى على مستوى المباريات الدولية كانت العنصرية حاضرة؛ فقد استهدفت الجماهير الإنجليزية ثلاثي البشرة السمراء للمنتخب الإتجليزي(بوكايو ساكا) و(غادون سانشو) و(ماركوس راشفورد) بعبارات عنصرية قاسية وشتائم غير مسبوقة إثر قيامهم بإهدار ركلات جزاء تسببت في هزيمة (انجلترا) أمام (إيطاليا) في نهائي يورو 2020. وفي بعض الأحيان قد تضطر الهتافات العنصرية الصادرة من الجمهور بعض اللاعبين إلى ارتكاب سلوكيات عدوانية أو إلى التهديد بترك الملعب، والأمثلة بخصوص هذا كثيرة ويصعب حصرها.
عنصرية لاعبين
أما اللاعبون أنفسهم، فلم تسلم الملاعب الإنجليزية من سلوكياتهم العنصرية تجاه بعضهم البعض سواء ضد الزملاء أو ضد الخصوم، أو حتى ضد الجماهير، والأمثلة على ذلك كثيرة لعل بداياتها المثيرة كانت عام 1996، عندما تورط حارس (مانشستر يونايتد) وقتها (بيتر شمايكل) في القيام بتوجيه إشارات مصحوبة بعبارات عنصرية تجاه (أيان رايت) مهاجم (أرسنال)، واصفاً إياه بـ (الأسود اللقيط)، كما شهد عام 2011 تورط (لويس سواريز) والذي كان يلعب لنفس الفريق (م.يونايتد) في ازدراء منافسه في فريق (ليفربول) اللاعب (باتريس إيفرا) مرتين متتاليتين؛ ففي المرة الأولى تصرف سواريز بعنصرية صريحة عندما قال لمنافسه “أيها الزنجي أنا لستُ ممن يتحدثون إلى ذوي البشرة السمراء”، وفي المرة الثانية، ورغم توقيع عقوبة قاسية عليه من قبل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عبر إيقافه ثماني مباريات وتغريمه أربعين ألف جنيه استرليني، إلا أنه كرر ازدراءه (إيفرا) في أول مباراة جمعتهما سويا بعد انتهاء العقوبة؛ حيث تعمد تجاوزه وعدم مصافحته خلال البروتوكول الاعتيادي لمصافحات اللاعبين قبل كل مباراة، ليضطر بعد ذلك إلى تقديم اعتذار، ليس اعترافاً بالخطأ ولكن تجنباً لعقوبة جديدة، وقريباً من ذلك، وفي ذات العام، تعرض قائد المنتخب الإنجليزي (جون تيري) للتجريد من ارتداء شارة القيادة، نتيجة اتهامه بتوجيه إشارات وكلمات عنصرية لـ (أنطون فرديناند) أحد لاعبي فريق (كوينز بارك رينجرز) ليضطر إلى إعلان اعتزاله اللعب الدولي تحت وطأة التداعيات المتلاحقة لهذه الحادثةـ وعلى العكس من ذلك، قام بعض اللاعبين الدوليين بالإساءة للجماهير، وهذا حدث مثلاً مع (إيدينسون كافاني) اللاعب الأورجواياني عندما رد على تهنئة أحد الجماهير المهنئين له على منصة تويتر بقوله” أشكرك أيها الزنجي”، وهو ما عُد سلوكاً عنصرياً يستوجب العقاب.
عنصرية مدربين
ومن الغريب أن مظاهر التمييز العنصري في ملاعب كرة القدم الإنجليزية، لم تكتف بالانتشار فقط عبر صفوف الجماهير واللاعبين، وإنما انتشرت أيضا بين فئة المدربين؛ فعلى سبيل المثال كشفت التصرفات العصبية لـ (بيب جوارديولا) مدرب (مانشستر سيتي) الحالي، مؤخراً مع اللاعب الجزائري(رياض محرز) عن بعض ميوله للتمييز والعنصرية، خاصة وأنه قد اشتهر بهذه العصبية مع اللاعبين العرب والأفارقة، وقد سبق اتهامه من قبل (يايا توريه) و(صامويل إيتو) نجما منتخب (ساحل العاج) و (الكاميرون)، بإساءة معاملتهما بل وبمعاداتهما أثناء تواجدهما تحت قيادته بفريق (برشلونة) الإسباني، وهناك مثالٌ صارخٌ وفريدٌ آخر، يأتينا هذه المرة من دوري الدرجة الثالثة، ويتمثل في إدانة ( John Yems) المدرب السابق لنادي (كرولي تاون) خلال الموسم الكروي 2021/2022 بأكثر من ستة عشر اتهاما عنصريا من قبل الاتحاد الإنجليزي، وذلك بعد أن تقدم لاعبو الفريق بشكوى جماعية ضده يؤكدون خلالها أنه اعتاد مناداتهم ووصفهم بألقاب تنم عن التمييز والاضطهاد والسخرية، وهناك المدرب (ي. بيردسلي) والذي تعرض لعقوبة أيضاً بسبب تعليقاته العنصرية ضد بعض لاعبي فريق (نيو كاسل يونايتد) تحت سن الثالثة والعشرين، وعلى صعيد مدربي المنتخب الإنجليزي لكرة القدم النسائية، يتضح مدى انتشار السلوك العنصري بين فئة المدربين؛ فقد اضطر الاتحاد الإنجليزي لإقالة أكثر من مدرب على خلفية تصريحات عنصرية ضد لاعبات المنتخب وضد النساء عموما، كان من بينهم(مارك سامسون) و(فيليب نيفيل) وكان العام 2005 قد شهد نمو التحولات العنصرية لدى فئة المدربين في انجلترا، عندما أظهرت بعض الفيديوهات المسجلة المدرب الراحل(ل.أراجونيس) وهو يصف اللاعب(تيري هنري) بعبارة “الأسود تيري هنري”، وهو ما ترتب عليه توجيه اتهامات له بالعنصرية.
عنصرية حكام
ولأن السلوك العنصري قابل للانتقال والتسلل كالعدوى عبر المنظومة الرياضية في أي بلد ومنها (انجلترا) بالطبع، فقد وجدنا هذا السلوك يتم ارتكابه من قبل عناصر تحكيم المباريات في الدوري الإنجليزي، تارة تجاه الأجهزة الإدارية للفرق المتنافسة، وتارة أخرى تجاه بعض اللاعبين داخل الملعب، أو حتى تجاه الجماهير وبعض الشرائح في المجتمع؛ فعلى سبيل المثال شهدت إحدى مباريات العام 2012 بين (م.يونايتد) و(تشيلسي) قيام اللاعب النيجيري في صفوف تشيلسي(ج.أوبي ميكل) باتهام حكم المباراة (مارك جلاتبيرج) بمناداته بلفظ (القرد) وهو ما ترتب عليه إيقاف الأخير عن التحكيم في الدوري الإنجليزي خلال فترة التحقيق معه، كما تعرض الحكم الدولي الإنجليزي(بوبي مادلي) لعقوبة الإيقاف عام 2018 بسبب سلوك عنصري تجاه شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، قبل أن يعود بعد عامين من تلك الوقعة إلى استئناف عمله في التحكيم بدوري الدرجة الثالثة.
عنصرية مؤسسات
وإلى جانب الثلاثية العنصرية المقلقة للجماهير واللاعبين والحكام، لدينا بعض المؤشرات الصادمة والدالة على وجود نهج عنصري داخل المؤسسات الإدارية والتنظيمية للعبة كرة القدم بالمملكة المتحدة؛ فعلى ما يبدو لم يستطع العديد من المسؤولين الرياضيين هناك، التخلص بعد من عنجهية العرق الأبيض، ما أدى إلى قيامهم بوضع العراقيل والصعوبات للحيلولة دون وصول ذوي البشرة السمراء إلى المناصب القيادية، والمثال الصارخ الذي يمكن استدعاؤه هنا يخص الحكام والمدربين معاً؛ فعلى سبيل المثال، كشفت تقارير حديثة، معاناة ذوي البشرة السمراء من الحكام التهميش المتعمد والإقصاء المقنن من درجات الترقي المؤدية لمرتبة النخبة، وأنه منذ العام 2008 وحتى الآن لم يشهد الدوري الإنجليزي الممتاز سوى حكم أسود واحد هو (Uriah Rennie) رغم أن عدد حكام المنظومة يتجاوز الــــ 24400 شخصية تحكيمية، و أنه من بين أكثر من 190 حكماً يعملون في السبع دوريات الأولى، لا يوجد سوى أربعة حكام فقط من العرقين الأسود والآسيوي من بينهم الحكمان (Aji Ajibola) و(Sam Allison)، في حين أن جميع الحكام الأربعين المنخرطين في مستوى النخبة هم جميعاً من البيض، وفي ظل هذه الوضعية تتدنى رواتب الحكام السود باعتبارهم يعملون في دوريات الهواة لا المحترفين، ففي الوقت الذي يحصل فيه الحكم الأبيض على أكثر من 90000 جنيه استرليني سنوياً، فإن نظيره الأسمر القابع قسراً في دوريات الهواة، لا يحصل إلا على الفُتات، أما مدربو كرة القدم من ذوي البشرة السمراء، فهم يعانون ذات التهميش والإقصاء، رغم كونهم لاعبين محترفين سابقاً، ومتحصلين على أعلى الرخص الدولية في التدريب، وقد ظلت نسبة إسهامهم في إدارة كرة القدم الإنجليزية دون الـــــــ 5% منذ دخول اللعبة حيز الاحتراف وحتى اللحظة؛ فعلى مدار تاريخ اللعبة في المملكة المتحدة، لم يتول سوى 25 مدرباً أسمر أو أكثر بقليل مهمة التدريب في الأندية الإنجليزية.
عداد خسائر
وبنظرة فاحصة للتداعيات السلبية الظاهرة في كرة القدم الإنجليزية، سنجد أن المنظومة الرياضية الكروية في المملكة المتحدة تتهددها الكثير من الخسائر على مستويات عدة بسبب تنامي ظاهرة العنصرية في الملاعب؛ فقد أصبحت جموع اللاعبين المحترفين من ذوي البشرة السمراء، تفضل خوض المباريات بدون جمهور، وتأثرت درجة أداء بعضهم بحيث تتراجع مهاراتهم ورغباتهم في العطاء والبذل داخل الملعب عند اللعب في حضور الجماهير، الأمر الذي يهدد بفقدان جاذبية الملاعب، وبالتالي خسارة العوائد المالية للأندية، كما ازدادت شكاوى المشجعين المعتدلين وذوي البشرة السمراء داخل الملاعب من سلوكيات نظرائهم من المشجعين الممارسين للعنصرية، ولذلك يميل عدد كبير من هؤلاء المشجعين إلى مشاهدة المباريات في المنزل تجنباً للتعرض لتلك السلوكيات المسيئة التي تطالهم وتطال اللاعبين في الملعب، وهو ما يهدد أيضاً بخسائر كبيرة وشاملة على المدى البعيد.
مواقف صارمة
وفي ظل هذا الانتشار الكبير لمظاهر العنصرية في الملاعب، نلمس في الحقيقة من كافة الجهات والمؤسسات والروابط المعنية بالتنظيم والإشراف على هذه اللعبة في المملكة المتحدة، جدية كبيرة في التعاطي مع الظاهرة على كافة المستويات؛ فالاتحاد الإنجليزي من جهته لا يتهاون مطلقاً في تغليظ العقوبات وفق حجم الخطأ وتداعياته سواء بالنسبة للاعبين أو الجماهير أو الحكام، حتى العبارات العنصرية التي تأتي في سياق المزاح بين صديقين داخل الملعب أو على منصات التواصل الاجتماعي، لا يتم التهاون معها، كما أن الشرطة وإدارات الأندية يتعاونون سوياً في ضبط المتورطين في السلوك العنصري وخاصة من الجماهير، ويحرص الجميع على تفعيل المعايير الواردة من الاتحاد الدولي لكرة القدم ( FIFA ) بشأن هذه القضية، واتخاذ الإجراءات والأساليب المتنوعة والمتجددة للحد منها، مثل إيقاف المباريات أو إلغائها أو معاقبة اللاعبين وتغريم الأندية مالياً وأدبياً من خلال خصم النقاط، و كذلك من خلال لفت نظر الجماهير إلى مخاطر العنصرية عبر اللافتات والإعلانات وبروتوكولات اللاعبين قبل كل مباراة، وعدم التهاون مع مرتكبي السلوك العنصري من الجماهير من خلال منعهم من حضور المباربات، إلى غير ذلك من إجراءات باتت تتسم بالشدة والحسم حتى من قبيل الإدانة القضائية والجنائية، رغبة في القضاء على هذه الظاهرة، وقد قامت محكمة (برمنجهام) الجزئية مؤخراً بتوقيع حكم السجن ثمانية أسابيع في حق مشجع خمسيني أساء عنصرياً عبر فيس بوك لأحد لاعبي (وست بروميتش ألبيون) كما قام النادي بدوره باتخاذ قرار يقضي بمنع المشجع من دخول المباريات مدى الحياة، وفي واقعة أخرى، قام نادي (وست هام يونايتد) بحرمان أحد مشجعيه من حضور المباريات لثلاث سنوات متتالية وتغريمه أكثر من 600 استرليني على خلفية قيامه بالإساءة لنجم ليفربول المصري (مو صلاح) ونفس العقوبة تقريبا تم تطبيقها على مشجع آخر من مشجعي (توتنهام) عندما قام بإلقاء قشور الموز على اللاعب (أوباميانج إيمريك) لاعب (أرسنال)، وفي سابقة فريدة وحكم غير مسبوق قام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بمنع مشجع من دخول جميع ملاعب (انجلترا) جنباً إلى جنب مع حكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ بسبب عبارات عنصرية على الإنترنت تجاه( إيفان توني) نجم فريق (برينتفورد)، وفي سبيل تجفيف منابع العنصرية المتبادلة بين جميع عناصر ومفردات اللعبة عبر الإنترنت أو ما يمكن تسميته بـــــ(عنصرية المغردين) اتخذت رابطة كرة القدم الإنجليزية خطوات جادة بالتعاون مع رؤساء منصات التواصل الاجتماعي(تويتر/فيسبوك/إنستجرام)، وهو ما ترتب عليه حذف آلاف التغريدات والتعليقات المحملة بالتمييز والاضطهاد والكراهية تجاه اللاعبين وغيرهم، إلى جانب اتخاذ إجراءات تسهل ملاحقة المتورطين في تلك التغريدات وتمكن من إصدار قوانين حظر دخولهم إلى الملاعب في كافة الدوريات داخل أو خارج المملكة المتحدة.
رأي أخير
في علاج ظاهرة كعنصرية ملاعب كرة القدم الإنجليزية، وفي ظل تاريخ طويل من التباين في الآراء بشأن المهاجرين، لن تكون الحلول التنظيمية التقليدية هي الطريق المثلى للحد من هذه الظاهرة، وفي واقع الحال فإن أية جهود مبذولة من أجل تطويق العنصرية هي أمر مطلوب ومرحب به على كل حال، ولكن تظل الحلول التهذيبية والتأديبية الخلاقة والمرنة، هي الأولى بالتطبيق؛ فعلى سبيل المثال لماذا لا يقوم الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم برعاية حوار مجتمعي مباشر بين عناصر اللعبة من أجل تفكيك العنصرية وإفراغ محتواها المقيت من القلوب والعقول عبر لقاءات مباشرة بين المتورطين في السلوك العنصري من جهة وضحايا هذا السلوك من اللاعبين من جهة مقابلة؟ أتصور أن تدشين حوار كهذا قد يغني كثيراً عن الكثير من إجراءات التقاضي والعقاب المطبقة حالياً أو المزمع تطبيقها مستقبلاً، ومن جهة أخرى لماذا يظهر اللاعبون من ذوي البشرة السمراء بهذه الهشاشة تجاه تصرفات الجماهير المتعصبة في الملاعب أو على صفحات التواصل الاجتماعي، دون محاولة احتواء السلوك العنصري بسلوك آخر مناقض له؟ في الحقيقة ثمة رقة غير مقبولة في موقف ضحايا العنصرية من اللاعبين، ومع اعترافنا الكامل بقسوة المواقف العنصرية، إلا أن الإيجابية المبنية على الروح الرياضية لدى لاعبي البشرة السمراء، يمكنها أن تحل الكثير من المشكلات، كما يمكنها أن تقدم دروساً إنسانية بالغة التأثير في نفوس المتورطين في التمييز والكراهية؛ فلو أن مشجعاً تورط في سلوك عنصري فرد عليه اللاعب بإهدائه قميصه بعد حوار ودود في نهاية المباراة، فأغلب الظن أن هذا المشجع لن يعود إلى سلوكه مرة ثانية، ورغم أن الأمر ليس بهذه البساطة، إلا أننا نحتاج إلى حوار إيجابي مباشر وبناء بين طرفى المشكلة، لكي نحصل على حلول خلاقة واقتصادية من أقصر طريق، بدلاً من الصراخ في جزر منعزلة أو الاستسلام لعلاجات شكلية جوفاء أو عقابية قاسية تفاقم المشكلة وتزيد من اشتعالها.