مع تصاعد القلق حول الاقتصاد البريطاني، تصاعد معه هجرة مليارديرات بريطانية الأجانب المقيمين لأجل مصالحهم وأعمالهم، وقد ازدادت هذه الهجرة وصول حزب العمال إلى السلطة وقيادته للمأزق الاقتصادي، إذ وجدت بريطانيا أنه يمكن إلغاء العمل بنظام ضرائب غير المقيمين، هذا يعني جمع المبلغ الذي طرحته سابقاً وزيرة الخزانة رايشل ريفز المقدر ب 150 مليار دولارالذي يساعد الحكومة في النهوض خلال خمس سنوات.
والجدير بالذكر أنه تشير التقارير إلى هجرة مليونيرات بريطانيا خلال عام 2024 إلى وجهات مختلفة منها سويسرا، أيطاليا، والأمارات، كما قدرط عدد المهاجرين الأغنياء نحو 11 ألف مليونير يملكون أصول حقيقية تقدر بأكثر من مليون دولار.
وفي تفاصيل هذه التقارير، قسمت المليونيرات إلى فئات أو مجموعات، واستنتجت أن 78 شخص يملكون فوق 100 مليون دولار قد هاجروا، و12 ملياردير اي يملكون إكثر من مليار دولار أيضاً هاجروا، وقد ساهمت الاضطرابات في سوق الأوراق النقدية، والتخوف من تطبيق القانون الذي لوحت به الحكومة سابقاً في تضاعف الهجرة.
قانون ضرائب غير المقيمين من المقرر إلغاء تطبيقه في (نيسان) ابريل القادم، وكان هذا النظام يسمح لغير المقيمين بالاحتفاظ بالدخل غير البريطاني في بلد أجنبي مقابل رسوم، ووفقاً للإحصاءات، فإنه هناك أكثر من 70 ألف أجنبي مقيم ينطبق عليه قانون الضرائب، كما تشير استطلاعات الرأي أن ثلثا هؤلاء المقيمين يفكرزن بالهجرة قبل تطبيق إلغاء هذا النظام، وما بين 12% و25% من غير المقيمين سيتركون المملكة المتحدة بعد إلغاء النظام المشار إليه.
انتقادات كبيرة طالت إلغاء العمل بقانون ضرائب غير المقيمين، لأنه سيضر بالكثير من الجوانب مثل الأعمال التجارية والوظائف والاستثمار والإنفاق في الاقتصاد وتحصيل الضرائب والأعمال الخيرية، لأن هكذا اجراءات تضر بأصحاب الشركات وأرباب العمل الذين يشغلون الآف العمال، وبالتالي قد يضروا إلى تسريح الكثير منهم.
انتقدت مجموعة المستثمرين الأجانب في بريطانيا” إلغاء ضرائب غير المقيمين، ووصفته بـ”فعل ذاتي ضخم للإيذاء الوطني”، وقال ممثل المجموعة ديفيد هوكينز إن “قرارات حكومة العمال لم تتخذ على أساس الأدلة بل على ضوء الأيديولوجية، وهو أمر مقلق حقاً، لأن مزيداً ومزيداً من الناس يغادرون البلاد”.
الحكومة البريطانية ردت على هذه الانتقادات عبر متحدث باسم وزارة الخزانة المالية، وأشار إلى أنه على من يستطيع تحمل التكاليف عليه المساهمة في عملية الإصلاح، وتحمل مسؤولياتهم اتجاه البلد المقيمين فيه، للمساهمة في إرساء الاستقرار المالي، كما أكد أن هذه الخطوة ستعمل على تحقيق العدالة عبر الإصلاحات الضريبية.
اقرأ أيضاً: ما الذي دفع أثرياء بريطانيا للهجرة عام 2024؟
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة حزب المحافظين السابقة كانت قد أعدت خطة مماثلة في مارس الماضي تهدف إلى إلغاء المزايا الضريبية للأجانب المقيمين تدريجيا، وهو ما حرم خزينة حكومة العمال من أموال تحتاجها لتحسين نظام الرعاية الصحية وتمويل الوجبات المدرسية.
ويسمى قانون غير المقيمين بمصطلح “النون دوم”، وهو الشخص الذي يكون منزله الدائم أو محل إقامته لأغراض ضريبية خارج المملكة المتحدة، وبموجب النظام الحالي، يدفع “النون دوم” الضرائب في المملكة المتحدة فقط على الأموال التي يكسبونها داخل البلاد، بينما تظل المداخيل التي يولدونها في الخارج غير خاضعة للضرائب ما لم يتم تحويلها إلى المملكة المتحدة.
ويشير مختصون بالاقتصاد البريطاني أنه قد لا تستطيع الحكومة البريطانية تحصيل المبلغ المنشود من إلغاء نظام غير المقيمين والبالغ مليار جنيه إسترليني (1.34) مليار دولار، وقد لا تحققه أبداً، خصوصاً مع رحيل رؤوس الأموال، والجدير بالذكر أن هذه الأموال كان من المفترض أن تخصص لتمويل المزيد من المواعيد في المستشفيات وعيادات الأسنان، بالإضافة إلى أندية الإفطار المدرسية، ومع ذلك، تعترف وزارة الخزانة الآن بأن نصف الإيرادات المتوقعة من إلغاء نظام النون دوم قد يفقد نتيجة التغييرات في سلوك دافعي الضرائب.
وأشار وزير الخزانة السابق ناظم الزهاوي إلى أنه في شهر يوليو/ تموز وحده، تم تقديم 5 آلاف طلب إقامة بريطانية في أماكن مثل موناكو مما يبرز إمكانية هروب رأس المال إذا أصبحت السياسة الضريبية أكثر صرامة.
لم يكن هذا القانون هو الوحيد الذي يدفع بأثرياء بريطانيا للخروج منها، بل هناك أسباب أخرى تكمن في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي جعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للأثرياء وأعمالهم، وخسارة الاقتصاد البريطاني للعناصر الجاذبة للاستثمار، فأغلب رؤوس الأموال والأثرياء يرغبون بالاستثمار في بلدان قوانينها الضريبية تتسم بالمرونة.
ولا يجب أن ننسى عدم الاستقرار السياسي البريطاني الذي تمثل في تغيير رؤساء الوزراء خلال فترة قصيرة و الدعوة لانتخابات مبكرة، فضلاً عن المستقبل الغامض للاقتصاد البريطاني، وتوالي القرارات والأزمات كالإعلان عن الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم جائحة كورونا وعدم القدرة على تقليص الدين العام وزيادة الايرادات، ومن ثم الاقتصاد ما يزال متذبذباً دون أية رؤية أو أهداف واضحة.
اقرأ ايضاً: الضرائب تطال الشركات العائلية البريطانية في ميزانية 2025