عقب سقوط النظام في سوريا، عثرت الدولة الجديدة في إحدى القصور التابعة للرئيس السوري السابق بشار الأسد على عدد من المقتنيات الثمينة والهدايا الدبلوماسية، ومن ضمنها صورة لملكة بريطانيا الراحلة اليزابيث الثانية وزوجها الملك فيليب موقعة من الملكة حصرياً.
وفي تعليق أشارت مصادر إعلامية بريطانية على أن هذه الصورة تعود إلى عام 2002، عندما التقت الملكة الراحلة الأسد وزوجته أسماء في قصر باكنغهام، ووضع صاحبا الصورة توقيعاً تذكارياً عليها قبل إهدائها للرئيس السوري.
فيما أظهر مقطع الفيديو عناصر مسلحة في “غرفة الكنز”، إذ احتوت الغرفة على لوحات تذكارية، وفخاريات، وصناديق مرصعة بالذهب في قصر الشعب بدمشق.
وجاء ذلك بعد أن تمكنت إدارة العمليات العسكرية من فرض سيطرتها على عدد من المدن السورية وصولاً إلى دمشق، وخروج الأسد خارج البلاد متوجهاً إلى موسكو، مع تأكيد خبر تقديم موسكو اللجوء الإنساني للرئيس السابق وعائلته بطلب شخصي من الرئيس الروسي بوتين، ولفت ريابكوف خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “إن بي سي” الأميركية، إلى أن روسيا نقلت الأسد إلى أراضيها ” بأكثر الطرق أمانا”.
وعقب انهيار نظام بشار الأسد علقت بريطانيا طلبات اللجوء للسوريين، كما فعلت ذلك كل من ألمانيا والنمسا والسويد، وقال متحدث باسم وزارة الداخلية: “لقد أوقفت وزارة الداخلية القرارات بشأن طلبات اللجوء للسوريين بينما نقوم بتقييم الوضع الحالي، نحن نحتفظ بجميع إرشادات الدولة المتعلقة بطلبات اللجوء تحت المراجعة المستمرة حتى نتمكن من الاستجابة للقضايا الناشئة”.
وبحسب الإحصاءات أكدت وزارة الداخلية أن عدد مقدمي طلبات اللجوء من السوريين خلال العام المنتهي 2024 كان بالمرتبة الخامسة بعد باكستان وأفغانستان وإيران وبنجلاديش، فيما وافقت وزارة الداخلية على 99 في المائة من الطلبات بالمرحلة الأولية.
وفي العودة إلى العلاقات السورية البريطانية، كان وزير الخارجية البريطاني آنذاك توني بلير يرى في بشار الأسد عقب تسلمه السلطة عام 2000 “القائد المعاصر” كما وصفه، قائد يحمل رؤى إصلاحية ومنفتح على المجتمع الدولي، لذا كان هناك العديد من الزيارات المتبادلة بين بريطانيا وسوريا على عدة مستويات سياسية واجتماعية.
فيما شكلت زيارة بلير نقلة استثنائية كأول وزير خارجية بريطاني يزور دمشق عام 2001، إذ رحب بلير بنظام الأسد واعتبره فرصة للتعاون في قضايا الشرق الأوسط، وفي حدث غير مسبوق في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، زار الأسد قصر بكنغهام بدعوة من الملكة الراحلة اليزابيث، تم على إثرها توطيد العلاقات بين البلدين، وتقول التقارير أن الأسد كان مرشحاً للحصول على وسام الفروسية” من المملكة المتحدة، وهو تكريم كان يُمنح للقادة الذين يتمتعون بعلاقات قوية مع بريطانيا.
العديد من الشخصيات السياسية البريطانية وصفت الأسد بعدد من الصفات الإيجابية، واستشفوا الرؤية العصرية التي كان ينوي القيام بها، ومن ضمنهم بيتر هاين أحد وزراء حكومة بلير، ووزير الخارجية البريطاني الأسبق، روبين كوك الذي زار سوريا في عام 1998، وقرر إقامة العلاقات الدبلوماسية معه.
لكن هذه المواقف تغيرت منذ عام 2006، عندما دعم الأسد إيران وحزب الله، ووقف في صفوفهم، مما دفع بلير إلى انتقاد سوريا علناً واعتبارها جزءاً من “محور الشر”، هذه الاتهامات تزامنت مع تصاعد الحروب في الشرق الأوسط، إذ بدأت المملكة المتحدة في اتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه سوريا.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتصاعد التوترات في سوريا، طرحت حكومة بريطانيا الممثلة بكاميرون فكرة التدخل العسكري لنصرة الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، وتزامنت هذه الفكرة مع ضغط أمريكي بتوجيه بريطانية لضربات جوية على مواقع تابعة للنظام، مما دفع بكاميرون إلى طرح التصويت للتدخل العسكري بسوريا على أعضاء البرلمان، وكانت النتيجة بتصويت الأغلبية ضد التدخل العسكري، وهو ما شكل نكسة كبيرة لكاميرون وحكومة المملكة المتحدة.
ومع فترة ترأس تيريزا ماي للحكومة البريطانية، اتسمت سياستها بالحذر، مع تصعيد عسكري محدود، وبالرغم من مطالبات بعض النواب البريطانيين سحب الجنسية البريطانية من أسماء الأسد زوجة الرئيس السابق، إلا أن الحكومة البريطانية كانت تتجنب اتخاذ خطوات ملموسة ضدها.
وعلى الرغم من مطالبات وزير الخارجية بوريس جونسون التدخل في سوريا لوقف القتل، وفرض عقوبات على أفراد مقربين من الأسد، إلا أنه لم يكن هناك رد فعل رسمي من الحكومة البريطانية بسحب الجنسية.
وفي عام 2018 قامت بريطانية وأمريكا وفرنسا بضربات جوية على أهداف سوريا، وقالت ماي في مؤتمر صحفي إن الضربات كانت “عادلة وقانونية”، وأن الهدف منها كان معاقبة النظام السوري على استخدام الأسلحة الكيميائية، وليس تغيير النظام، واعتبرت ماي أن هذه الضربات كانت بمثابة “رسالة واضحة” ضد استخدام الأسلحة الكيميائية.
وبعد هذه العلاقات المتضطربة بين سوريا وبريطانيا، عكس رئيس الوزراء البريطاني الحالي كير ستارمر حذراً شديداً بشأن الفترة الحالية في سوريا بعد سقوط الأسد، وصرح أمام مجلس العموم: نحن جميعاً نرحب بسقوط الأسد، وآمل أن يكون هذا نقطة تحول طال انتظارها لسوريا ولكن هذا ليس أمراً مضموناً.
وفي نظر المحللين السياسيين، سوريا تحتاج إلى سنوات طويلة من البناء السياسي والاقتصادي، بعد حرب دامت 14 عاماً، استهلكت فيها طاقات الشعب ومقدراته.