مقابلات
الأوكرانية تيتيانا كروشينينا لأرابيسك لندن: الفن لا يمنع الحرب ورسالتي هي الجمال وخيال جمهوري!
نشر
منذ 5 ساعاتفي
10 مشاهدة
حاورها: محسن حسن
فنانة أوكرانية واعدة، احتلت مكانتها الإبداعية البارزة عبر رحلة عطاء فنية تمتد لأكثر من عقدين ونصف العقد، وذلك منذ حصولها على شهادة التخصص في فن السيراميك من كلية كييف للفنون الزخرفية والتصميم عام 1996، وهي من مواليد العام 1976، موهبتها الفنية والتشكيلية، وجدت طريقها إلى الظهور في مرحلة مبكرة من حياتها، ولذا تتميز لوحاتها وتصاميمها بإطلالات ساحرة، تستمد جاذبيتها من الألوان المبهجة، ومن التقنيات الفنية المتداخلة، إلى جانب القدرة على المزج بين الأصالة والمعاصرة، وتوظيف كلاسيكيات المفردات والعناصر الحياتية ضمن سياقات متجددة، تتجاوز نمط التقليد والمحلية، إلى التماهي مع أفق الحضارات والثقافات والفنون المختلفة، وخاصة تلك الثقافات والفنون المستقرة في الشرق الآسيوي والشرق الأوسط، وهو ما يظهر جلياً في العديد من رسوماتها وتصاميمها التي تحرص خلالها على استلهام روح الشرق الساحرة، وعلى تطويع قدراتها في التشكيل والتصميم من أجل تجسيد تلك الروح فيما يناسبها من مفردات وعناصر بشرية وغير بشرية، بحيث تبدو مساحتها اللونية والتشكيلية في نهاية المطاف، أشبه بالخلق الجديد الجامع بين عبق الماضي وجماليات الحاضر، وإلماحات الفن المتطور والحديث.
في تكوينات تيتيانا الفنية، تفاجئنا أناقة التصميم، وتجانس الألوان والزخارف، ووضوح الخطوط على استقامتها وانحناءاتها، كما يأخذنا عمق التناول الفني والتشكيلي في تلك التكوينات الفنية والزخرفية، إلى عوالم جديدة، استطاعت من خلالها هذه الموهبة الواعدة والطاقة المتدفقة، أن تستحضر من كل بستان زهرة، ومن كل أغنية لحناً، ومن كل ثقافة جزءاً وتاريخاً وعنصراً، ليظهر العمل الفني معبراً عن وحدة الجنس البشري، وعن تقارب الوجود الإنساني، وعن وحدة المصير المشترك بين مخلوقات الكوكب العاقلة وغير العاقلة، في مزج خلاق وجذاب وأنيق، شهدته تسعة معارض شخصية وفردية لهذه المصممة المتفردة، وأيضاً في مشاركاتها الأخرى الجماعية، وهوالمزج الذي رغم حداثته وتقنياته الجديدة وتراكيبه المعقدة، دوماً ما يخفض الجناح لبيئته الحاضنة، وعالمه الواقعي والخيالي معاً في آن واحد.
تعيش تيتيانا حالياً في الإمارات العربية المتحدة، وذلك منذ عام 2022، وفي لوحاتها وتصاميمها، لن يفتقد المتلقي أبداً، تلك النوعية من المفردات والعناصر الشرقية المتدثرة بثوب الجدة والطرافة؛ فقطع الحلي، وتركيبات الألوان الممثلة بكثرة على قطع السيراميك والسجاد والأدوات المعدنية، جميعها حاضرة حضوراً لافتاً وجاذباً ومؤثراً في المشهد التشكيلي لمساحة العمل والتصميم، ولأنها مولعة باستحضار المعايير المعمارية واستلهام المعطيات التراثية لفنون الديكور القديمة، فإن جمهور تيتيانا سيسعد حتماً بنوع من التكعيبية الفنية الأثيرة، التي تمنح التصاميم بعداً هندسياً لطيفاً في الخطوط والخلفيات، وهو ما يرفع من سقف الجمال والبهجة والتفاؤل عند النظر إلى أعمالها الفنية، خاصة مع ولعها الموازي بتجسيد المفردات الطبيعية والمخلوقات الرقيقة واللطيفة كالطيور والديكة والعصافير وغيرها، جنباً إلى جنب مع تجسيد المرأة المتفاعلة مع كل تلك العناصر والمفردات بهدف خلق المعاني المرادة من اللوحة وموضوعها.
أرابيسك لندن، تواصلت مع الفنانة (تيتيانا كروشينينا) فكان هذا الحوار
* بداية، كيف تستلهمين أحدث أعمالك الفنية؟ وما أهم الموضوعات في هذا الإطار؟
ــــــ على مدار رحلتي الفنية في التصميم، دوما كنت مهتمة بالفنون التقليدية المحلية للحضارات والثقافات المختلفة، ولكن تركيزي الأكبر كان موجهاً ناحية الثقافات والفنون الخاصة بالشرق الأدنى والأقصى؛ وذلك لأن الشرق هو مصدر الإلهام الفني الأول بالنسبة لي.
ومن ثم، فسوف تعثرون في مجمل تصاميمي وتشكيلاتي الفنية على تلك المفردات والعناصر الشرقية المميزة مثل مجموعات الحلي، والأنماط اللونية السائدة في هذه المنطقة من العالم، وبالتالي فإن تلك المفردات تتداخل لتتكون من خلالها موضوعات متنوعة وذات دلالات شرقية وإنسانية خاصة وعامة، تلقى الترحيب لدى أغلب من يراها ويشاهدها.
* كفنانة متطلعة إلى التحديث والتطوير في مجال مواهبك الفنية هل تخشين النمط التقليدي أم تقومين بتوظيفه؟
ــــــ أنا أؤمن دوماً بأهمية تواصل الأجيال، وبضرورة استحضار المعايير الفنية القديمة والكلاسيكية ضمن سياق الأعمال الجديدة والمتجددة، وانطلاقاً من هذه القناعة فأنا لا أخشى الأنماط الفنية التقليدية، بل على العكس من ذلك، أقوم بتوظيفها والانطلاق من خلالها ومن ثم البناء عليها من أجل الخروج بنمط فني وتشكيلي وزخرفي مستحدث، وبصفة عامة، أنا لا أعتمد على النسخ بقدر اعتمادي على تفعيل مخيلتي الفنية من أجل التقاط المعايير والتفاصيل المعمارية المستقرة في الفنون الزخرفية التقليدية، ثم أقوم بتوظيف ذلك في إنشاء لوحاتي، وعلى سبيل المثال، أجدني مهتمة كثيراً بالوقوف على تجربة فناني الديكور القدامى، والإفادة منها في مجمل أعمالي وتصاميمي، وهذا في الحقيقة يشعرني باتصالي وتفاعلي الدائم مع تجارب الأجيال الماضية التي سبقتني في هذا الفن، كما أشعر من خلاله بمشاركتي الخاصة مع المبدعين في جميع الأوقات.
* بما أن الفنان ابن بيئته.. كيف أثرت فيك تراثيات أوكرانيا؟ وما مدى أثرها في موضوعاتك وأساليبك الفنية؟
ــــــ لقد تلقيت تعليمي الفني في كلية كييف للفنون الزخرفية والتطبيقية والتصميم، ومن خلال الأنشطة الفنية والدراسات النظرية والممارسات الفنية التطبيقية والعملية التي تلقيتها في هذه الكلية، استطعت الاحتكاك بكل ما يرتبط ببيئتي الفنية والتراثية داخل وخارج أوكرانيا، ولأنني ارتبطت بهذه النوعية من الفنون الزخرفية على مستوى التعليم والاحتكاك العملي، فإن جميع أعمالي الفنية تتعلق بالرسم الزخرفي وتركز عليه دون سواه، وهذا التركيز ساعدني كثيراً على تعبيد طريقي وأسلوبي الفني الخاص في هذا المجال.
* ما أهم التحديات التي واجهتك كفنانة تشكيلية ومصممة في أوكرانيا، خاصة في ظل المناخ الاجتماعي والسياسي المتأزم حاليا؟
ــــــ بالنسبة لي، لم يكن لدى أية مشكلات أو تحديات في أوكرانيا؛ فقد تطورت مسيرتي المهنية كفنانة تشكيلية وكمصممة بنجاح كبير، ودون أن أشعر بأية ضغوط من المجتمع والبيئة المحيطة، كما أنني كنت داخل بلدي أتمتع بحرية مطلقة في اختيار مواضيع لوحاتي ورسوماتي الفنية، وعلى الدوام كانت لوحاتي ومجسماتي تباع بانتظام قبل اندلاع الحرب الأخيرة، والمستمرة حتى الآن، ولكن للأسف الشديد، محت هذه الحرب كل الإنجازات الفنية التي حققتها والتي حققها أمثالي من الفنانين والفنانات في هذا المجال، وعندما تم تدمير الحياة المستقرة والراسخة والهادئة التي كنا ننعم بها هناك، اضطررت إلى المغادرة والبحث عن مأوى والبدء من جديد بعيداً عن هذا الدمار وعن تلك الحرب.
* ما أهم المراحل التي يمر بها العمل الفني والإبداعي بالنسبة لك؟ وكيف تقتربين عادة من الحصول على إلهامك وأعمالك الفنية الجديدة؟
ــــــ كقاعدة عامة، دائماً أقوم بعمل سلسلة أو مجموعة من الأعمال واللوحات الفنية بشكل متدرج ومتأن دون تعجل أو تسرع، وهذا يعني أنني أمنح الأولوية للكيف قبل الكم، وبحيث أستطيع التعبير عن نفسي بشكل أكثرعمقاً وإثارة للاهتمام، ولذا لا يتسم عملي مطلقاً بالسرعة في الإنجاز، بقدر ما يتسم بالعمق والاستغراق في التفاصيل، وفي البداية ينطلق أي عمل جديد من مرحلة ولادة الفكرة الأولية للوحة، ثم تأتي مرحلة التكوين ونظام الألوان وتحديد الأنماط والحلي والاكسسوارات، ومن ثم القيام بلفها على الرسم، ثم البدء في البحث عن الحركة وعن المنطوق اللوني، وعادة يستغرق إنشاء الرسم التخطيطي لأية لوحة مستقبلية عدة أيام؛ ففي الغالب أعمل على لوح خشبي أطلبه من النجار ثم أقوم بنقل الرسم إلى اللوحة ثم أباشر إتمامه من خلال العلامات والألوان المائية وأقلام الرصاص الملونة، وعندما تكون الصورة الملونة جاهزة، أقوم بتوظيف الأوراق المذهبة والفضية إلى جانب الورنيش، وقد بلغ حجم أعمالي الأخيرة متر×متر، وعادة يستغرق هذا الأمر من شهر إلى شهر ونصف لإنشاء لوحة واحدة، وهذا ليس وقتاً طويلاً بالنظر إلى ما تحويه اللوحات غالباً من الصور والتفاصيل.
* ما المدرسة الفنية التي تأثرت بها خلال مراحل التكوين والانطلاق في هذا الفن؟
ــــــ خلال فترة البحث عن الأسلوب الفني الخاص، كنت متحمسة جداً للفن الياباني التقليدي ولا سيما لوحات القرنين السادس عشر والثامن عشر، وهي الأعمال الفنية التي استغرقت وقتاً طويلاً في تأملها ومشاهدتها والوقوف على أهم التفاصيل فيها بداية بالتراكيب والألوان والزخارف، وفي الحقيقة لقد تعلمت منها الكثير والكثير من التقنيات الفنية التي ساعدتني لاحقاً في مجمل أعمالي ورسوماتي.
اقرأ أيضاً: نصير شمّه لأرابيسك لندن: الحُجاز والبَيّات يمنحان الأطفال شعوراً بالأمان والجمال!!
* بما أن الحرب في أوكرانيا لاتزال مستمرة.. كيف تنظرين إلى دور الفنون في أوقات الصراع والأزمات؟
ــــــ بالطبع، لا يمكن للفن أن يمنع الحروب والأزمات أو يضع حداً لها، ولكن للفنون قوة كبيرة للتأثير عاطفياً في الجمهور، ولديها أيضاً القدرة على إشراك الناس في تفاصيل أي حدث، وعلى معالجة هذا الحدث وهؤلاء الناس بطريقة يعجز عنها الآخرون، والفن يستطيع تشكيل أو تغيير مواقف الجماهير تجاه أحداث بعينها؛ لذلك أعتقد أن الفنان في فترة الأزمات والاضطرابات يجب أن يكون شجاعاً وصادقاً، أولاً وقبل كل شيء تجاه نفسه، و ثانياً أن يكون على دراية بمسؤوليته عن الرسائل التي يجلبها إلى المجتمع من خلال فنه.
* على ذكر دور الفنان: ما الرسالة التي تأملين نقلها وإيصالها إلى الجمهور من خلال فنك؟
ــــــ رسالتي بسيطة جداً، رسالتي هي الجمال، فمن خلال هذا الفن، أدعو جمهوري إلى دخول عوالم أخرى من خلال النظر إلى لوحاتي، أريدهم أن يكونوا مفتونين، وأريد أن أوقظ خيال جمهوري، وأن أدعوهم إلى ابتكار قصصهم الخاصة عن السيدات الجميلات مع الصقور، وعن الحدائق الشرقية العطرة بالورود، وإلى الشعور بالرياح الدافئة وغناء الطيور.. إنها دعوة للتأمل.. دعوة إلى عالم رائع آخر قريب، على جدار غرفتك مباشرة.
* ما الذي تطور في تقنياتك الفنية خلال السنوات الماضية؟ وماذا تتوقعين من توجهات مستقبلية نحو المزيد من هذا التطور؟
ــــــ حسناً، عندما أنظر إلى أعمالي الخجولة والمتواضعة الأولى والتي كانت مساحاتها اللونية لا تتجاوز حجم أطباق خزفية صغيرة في مجملها، ومن ثم أقوم بمقارنتها بالأعمال الحالية الأكثر حرفية وإتقاناً والأكبر حجماً، أدرك إلى حد تطورت تقنياتي الفنية وقدراتي على المعالجة والتشكيل والرسم، لكنني على أية حال، دائماً ما أنتقد نفسي وأرى أنه كان بالإمكان أحسن مما كان، كما أنني على المستوى الشخصي والنفسي والوجداني، أضجر سريعاً من النمطية والتكرار، ولذا فأنا مهتمة دوماً بالتطوير وبالمضي قدماً في اكتساب المزيد من الخبرات والتقنيات، والله وحده يعلم إلى أين سيقودني فضولي في هذا الفن.
* ماذا عن أهم المشاريع الفنية التي تعملين عليها في الوقت الحاضر؟
ــــــ في الواقع، أنا فخورة بمشروعين فنيين على وجه التحديد؛ قبل الحرب قمت بعمل رسوم توضيحية لكتاب(أرابيسكيات وأحلام) للكاتبة الأوكرانية(ألكسندرا فيلونينكو) وقد ساعدني هذا الكتاب في الكشف عن موهبتي في الرسم على أكمل وجه على الرغم من أنني قمت فعلياً بتجارب مماثلة من قبل، خاصة وأننا قمنا على هامش هذا العمل بتدشين معرض للرسوم التوضيحية ولعرض الكتاب، ما أثار الاهتمام والنشاط الجماهيري والإعلامي بشكل ملحوظ وغير مسبوق.
هذا بالإضافة لمشروعي الإماراتي الآخر الخاص(الريح الشرقية) والمكرس منذ سنوات عديدة للصقارة ، ما ساعدني على استلهام فكرة لسلسلة من الأعمال الفنية حول الصيد بالصقور، كنت قد أجلتها أكثر من مرة، ولكني وأنا في الإمارات أدركت أن الوقت قد حان لإخراج هذه الفكرة إلى النور ما أعرب معه مئات الأشخاص عن إعجابهم ومفاجأتهم بهذه اللوحات لأنهم لم يروا شيئاً كهذا من قبل، وهو ما جعل التجربة ممتعة للغاية بالنسبة لي.
* في الختام، ما النصيحة التي لديك للفنانين الناشئين الذين يتطلعون إلى اجتياز تجربتهم في هذا الفن؟
ــــــ نصيحتي لهم أن يتعلموا دائماً، وأن يستلهموا أفضل الممارسات الفنية من الحضارة والتاريخ مع الحرص على تناول موضوعات جديدة بشجاعة ودون تردد، جنباً إلى جنب، مع الالتزام بالبحث عن الأسلوب واللغة الفريدة في الفن بحسب شخصية الفنان وبحسب ميوله وطاقاته الإبداعية الخلاقة، فعلى كل فنان أن يفتش عن الأساليب التي تميزه عن غيره وعن لغته الفنية الخاصة وعن حسه الخاص أيضاً، والأهم بالإضافة إلى ما سبق، على كل فنان أن يتبع قلبه وقناعاته الفنية في أي عمل يقدم على إنشائه ورسمه وتصميمه، وأن يستمر على تلك القناعات، لأن الناس مع الوقت والاستمرار سيدركون ويشعرون فيما في تلك القناعات من الجمال والطاقة الفنية الخاصة، فهذا هو قانون الفن الذي يعمل ويتفاعل وينجح دائماً .
اقرأ أيضاً: نسرين ظواهره لأرابيسك لندن: الإعلامي العربي النزيه مقصوص الجناح!