على هامش الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة 2024: واقع التحديات والمخاطر التي تواجهها النساء في المملكة المتحدة في ظل اتساع الفجوة مع الرجال!!
تابعونا على:

مقالات

على هامش الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة 2024: واقع التحديات والمخاطر التي تواجهها النساء في المملكة المتحدة في ظل اتساع الفجوة مع الرجال!!

نشر

في

410 مشاهدة

على هامش الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة 2024: واقع التحديات والمخاطر التي تواجهها النساء في المملكة المتحدة في ظل اتساع الفجوة مع الرجال!!

في هذا اليوم الجمعة، والموافق للثامن من مارس 2024، يحتفي المجتمع الدولي باليوم العالمي للمرأة، وهو اليوم الذي يعد بمثابة الذكرى السنوية لما يمكن أن يكون قد حققه العالم من تقدم إيجابي ملموس في حياة النساء على مستوى العالم، ولكن على ما يبدو، فإن الاحتفاء هذا العام، يأتي محملاً بصور شتى من الإخفاقات على مستويات عدة، خاصة مع انخراط العالم في تداعيات حربين ضروسين أولاهما الحرب الروسية الأوكرانية، والتي دخلت عامها الثاني، مخلفة شتاتاً نسائياً وأسرياً شاملاً بين الأوكرانيات، و الثانية حرب غزة الأكثر إيلاماً ومأساوية، والتي خلفت ما يزيد على تسعة آلاف ضحية نسائية خلال خمسة أشهر فقط، هذا بخلاف المؤشرات السلبية الأخرى على صعيد اللاجئات والمشردات والنازحات في دول عدة داخل آسيا وإفريقيا ومناطق أخرى من العالم.

وبدورها لم تكن المملكة المتحدة ببعيدة عن تلك الإخفاقات المشار إليها؛ حيث تتواصل معاناة النساء البريطانيات من عدد غير قليل من الصعوبات و التحديات التي تصل إلى حد التهديدات الخطيرة والأزمات الطارئة التي تستدعي تدخلاً حكومياً عاجلاً، وهو ما نحاول هنا رصد أهم تفاصيله الأكثر أهمية وإلحاحاً.

كتب: محسن حسن

تهديد وطني

يأتي العنف ضد المرأة في المملكة المتحدة، على رأس التحديات والظواهر الأكثر تأزماً وإزعاجاً على المستويين الرسمي والشعبي داخل البلاد وخاصة بالنسبة لشريحة النساء؛ فبحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمعنية برصد ومكافحة كافة أشكال العنف والتمييز ضد النساء والفتيات، تنعكس هذه الظاهرة داخل المجتمع البريطاني متجسدة في سلوكيات صارمة، يأتي على رأسها هيمنة الأبوية المجتمعية، وتنامي كراهية النساء ميدانياً وعبر الفضاء الإلكتروني، بحيث يؤدي ذلك إلى حرمان الآلاف منهن من الشعور بالأمن، وهو ما يضع الظاهرة في مقدمة المخاطر القصوى بين البريطانيات؛ حيث تُقتل امرأة واحدة على يد رجل كل ثلاثة أيام، وتزداد القابلية المستقبلية لإمكانية تعرض واحدة من كل أربع نساء للعنف المنزلي في حياتها.

وهذه الانعكاسات اضطرت معها الحكومة البريطانية الحالية برئاسة ريشي سوناك، إلى تقييم ظاهرة العنف ضد النساء، باعتبارها تهديداً وطنياً يقتضي المضي قدماً في تعزيز الإطار القانوني للمساواة بين الجنسين، وفي المقدمة من ذلك قانون المساواة لعام 2010 والتشريعات ذات الصلة، غير أن الإجراءات الرسمية لداونينج ستريت في هذا الاتجاه، لا تزال تفتقر إلى التطبيق الفعلي على أرض الواقع؛ إذ تعاني تلك الإجراءات من التجزئة والفصل بينها وبين سياقها الحقوقي والإنساني، وكذلك بينها وبين المشاركة الفعالة لمؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب تأثرها بحالة الجدل المحلي الدائم بشأن قضايا اللجوء والهجرة والذكورية المهيمنة في البلاد، جنباً إلى جنب، مع سلبيات أخرى ناجمة عن نقص البيانات ونقص التمويل.

إهمال طبي

ومن بين التحديات ذات التأثير السلبي الكبير في حياة المرأة البريطانية المعاصرة، تأتي الفجوة الطبية لتشكل واقعاً مأساوياً ضمن سياق وضعها الصحي العام والخاص، فإلى جانب التهديدات الأمنية التي تتعرض لها النساء بفعل العنف والجريمة، يضيف الإهمال الطبي بعداً آخر من أبعاد المعاناة النسائية المبنية على أساس التمييز المقنَّع بين الجنسين في المملكة المتحدة؛ إذ أنه بسبب التحيز الجنساني تزيد نسبة أهمال الدقة والشمولية في التشخيصات الطبية والمرضية لعموم النساء البريطانيات قياساً بما يتم اتخاذه تجاه الرجال، وإذا كان معهد ماكينزي الصحي ومعه المنتدى الاقتصادي العالمي، يقران بأن أكثر من 24.5% من حياة النساء عموماً، تكون داخلة في نطاق الإنهاك الصحي أكثر من الرجال، فإن هذه النسبة تزيد بين البريطانيات.

وهناك عوامل عدة تقف وراء التهديد الحادث لمنظومة الصحة النسائية في بريطانيا، أهمها منح الرجال أفضلية عددية على النساء في مجمل التجارب الطبية؛ وهو ما حدث مثلاً في أكثر من 30 تجربة طبية تمت على مدار عقد ونصف العقد لاختبار علاجات فشل القلب الاحتقاني، بالإضافة إلى ضعف البيانات الطبية المتعلقة بأجساد النساء، ضعفاً تاريخياً في بريطانيا، بفعل اعتقاد طبي خاطيء منذ آلاف السنين، يفيد بأن أجساد الذكور أكثر تمثلاً للبشرية من أجساد الإناث، وهو ما جعل البريطانيات يعانين منذ سنوات وحتى اليوم من إهمال رعايتهن طبياً على مستوى الوقاية من أمراض القلب والأوعية التاجية، والأمراض المناعية وغيرها، إضافة لمعاناتهن من أخطاء التشخيص والعلاج ونقص الخدمات.

فجوة أجور

وبالإضافة للمعاناة الأمنية والصحية، تعاني البريطانيات من ظاهرة أخرى اقتصادية متمثلة في الفجوة القائمة بين الذكور والإناث فيما يخص الأجور، وهي الفجوة التي تؤثر بالسلب على مؤشرات التمكين الاقتصادي لهن، رغم أن قانون المساواة في الأجور دخل إلى حيز التنفيذ في البلاد منذ عام 1975، وحالياً يترتب على هذه الفجوة استمرار مشكلات النساء الاقتصادية بداية من أولى خطوات العمل المهني، وحتى بلوغ سن التقاعد، وخاصة لكبار السن والفئات في منتصف العمر.وبتدقيق النظر، سنجد أن النساء البريطانيات بين سن الأربعين والتاسعة والأربعين يعانين من فجوة أجور نسبتها تزيد على 16.9%، بينما تبلغ نسبة الفجوة ذروتها بواقع 19.7% لدى النساء البالغات من 50 إلى 59 عاماً، في حين تبلغ الفجوة نسبة 18.1% لدى النساء في سن الستين أو أعلى من الستين.

ووفق أحدث المؤشرات، تبلغ النسبة الإجمالية للفجوة الحالية في الأجور بين الجنسين لدى عموم موظفي المملكة المتحدة 14.3%، وهذه النسبة تحيط بها تداعيات كثيرة لعل أهمها تفاوت أنماط الفجوة ضمن قطاعات صناعية ومهنية مختلفة؛ حيث أظهرت التقارير المختصة امتداد اتساع الفجوة في الأجور بين الجنسين ضمن تلك القطاعات منذ 2017 وحتى الآن، بما في ذلك القطاعات التي تهيمن عليها المرأة كقطاع التعليم وقطاع الرعاية؛ حيث بلغت الفجوة في قطاع التعليم 21.3%، وفي قطاع الرعاية الصحية والعمل الاجتماعي 12.6%.

وبناء على تقييمات إجمالية، يتضح أن استمرار الفجوة في القطاعات المشار إليها، يرجع إلى كون النساء هن أكثر عرضة للعمل بدوام جزئي، كما أنهن يملن في الغالب ــ بفعل الضغط المجتمعي عليهن ـــ إلى الاشتغال بمهن قليلة الأجر قياساً بالرجال.

ويبدو من الحسابات المتداولة لهذه الفجوة في الأجور، أن المملكة المتحدة ستحتاج إلى أكثر من عشرين عاماً، وتحديداً حتى العام 2044 للنجاح في سدها، علماً أن العاصمة لندن تعاني من الفجوة ذاتها وبنسبة تقارب الــ 12%.

حقوق غير ممولة

وتعد الحاجة الماسة لتمويل الدعم اللازم لإقرار وتعزيز الحقوق النسائية الإجمالية والشاملة في المملكة المتحدة، من بين أبرز التحديات الصارخة التي تهدد المصير المادي والمعنوي للمرأة البريطانية على أكثر من صعيد، والأمثلة على ذلك عديدة؛ فعلى مستوى العنف المنزلي الذي تتجاوز نسبة تعرض البريطانيات له في انجلترا وويلز حدود الــ 27% وفق تقديرات سابقة لمكتب الإحصاءات الوطنية، يساهم ضعف ميزانيات المؤسسات المعنية بمساعدة المعنفات والضحايا من النساء، في تقليص الخدمات المقدمة، بل وفي رفض طالبي المساعدة.

كما أنه في ظل ارتفاع عدد النساء الحوامل أو الحاصلات على إجازة رعاية، تراجعت مستويات دعم الأمومة والطفولة في المملكة المتحدة، إلى الدرجة التي تتعرض معها واحدة من كل تسع أمهات للفصل من العمل أو الاضطرار لتركه تحت ضغوط رؤساء العمل ممن يفضلون توظيف الرجال، الأمر الذي يعني أن ضعف تمويل منظومة الحقوق النسائية، يؤدي إلى ظهور تداعيات تشكل خطورة بالغة على حياة المرأة والأسرة في بريطانيا.

ولعل من أخطر التداعيات الناجمة عن ضعف تمويل الحقوق النسائية، ارتفاع معدلات المعاناة اليومية للمرأة في الشارع البريطاني، وخاصة على مستوى التحرش الجنسي مثلاً، والذي يشمل 65% من البريطانيات في الأماكن العامة، وبشكل متواتر، وفي ظل ضعف نفوذ النساء قياساً بنفوذ الرجال، يتعرض أكثر من خمسة وثمانين ألف امرأة للاغتصاب سنوياً، ولا تتمكن المرأة المغتصبة من إثبات الاعتداءات المفروضة عليها.

ولا يقتصر الأمر على تهديدات التحرش والاغتصاب فقط، وإنما تتزايد الفجوة بين الجنسين في عموم الحياة اليومية البريطانية، وخاصة من الناحية الاقتصادية؛ فعلى سبيل المثال، ترتبط النساء بالأعمال المنزلية بنسبة 85% مقابل 49% للرجال، كما أن أنهن أقل تعرضاً للعمل بدوام كامل بنسبة 45% مقابل نسبة 61% للرجال، وفي حين لا يرتبط الرجال بتقديم خدمات الرعاية سوى بنسبة 25%، فإن النسبة لدى النساء هي 41%، وهو ما يشير بشكل واضح إلى أن عدم التعزيز المالي للحقوق النسائية في المملكة المتحدة، يساهم في الإخلال الدائم بمعايير المساواة بين الجنسين.

نظرة عابرة

وبخلاف الوضع الإجرائي الخاص بمواجهة التحديات السابقة التي تقابل المرأة البريطانية في الحياة اليومية المعاصرة، تقف النظرة العابرة التي يتعامل بها المجتمع البريطاني مع قضايا المرأة عموماً وقضايا المساواة بين الجنسين على وجه الخصوص، عائقاً أمام تفعيل القوانين المعززة لتمكينها في المجتمع، وكذلك أمام تطبيق المبادرات الرسمية الهادفة إلى حل مشكلاتها المجتمعية والإنسانية والاقتصادية والجنسانية بشكل مستمر ومستدام.

وهذه النظرة يمكن تلمسها والاستدلال عليها من خلال نتائج الكثير من الدراسات الاستقصائية المعنية بمتابعة التطور الحادث في المسيرة المجتمعية والتشريعية للمرأة في المملكة المتحدة؛ حيث توصلت إحدى هذه الدراسات خلال العامين الماضيين إلى نتائج تفيد بتدني نسبة اهتمام وشعور البريطانيين عموماً باعتبارات المخاطر الناجمة عن عدم المساواة بين الجنسين في البلاد؛ فقد كانت نسبة من يعتبرون أن عدم المساواة هو أحد أخطر أنواع التمييز بين الجنسين 23% فقط، في حين وُجد أن أكثر من 30% بقليل من عموم الأوروبيين، هم من ينظرون إلى عدم المساواة باعتباره مصدر قلق خطير للمجتمع وللقارة.

ومن جهة أخرى، فإن تقييمات بريطانيا العظمى في مؤشر الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لم يتجاوز المرتبة الثالثة والعشرين، وهو ما ينطبق على الفروق الصارخة بين النساء والرجال في الأجور وفي التمثيل السياسي، على الرغم من تفوق الإناث على الذكور بشكل إجمالي سواء في الالتحاق بالتعليم العالي أو في المراحل المدرسية بصفة عامة.

وعلى ذكر التمثيل السياسي، فإن هذه النظرة المتراجعة لجدارة المرأة في المجتمع البريطاني، تساهم في تقليص نسبة حضورها السياسي والاقتصادي؛ إذ أن أعضاء البرلمان البريطاني من النساء أقل من الثلث، كما أن 35% فقط من النساء يعملن كمستشارين، ومثلهن تقريباً هن من يتمتعن بإدارة أكبر الشركات المدرجة في البورصة، وهذا التمثيل السياسي الضعيف لنساء بريطانيا المعاصرات، يحدث رغم أن المساواة بين النساء والرجال في سن استحقاق التصويت الانتخابي سارية منذ العام 1928، ما يعني تباطؤ التغييرات الإيجابية المتعلقة بشؤون المساواة بين الجنسين، وحتى على مستوى التمثيل في المجالس المحلية، سيتعين على النساء البريطانيات الانتظار حتى العام 2077 كي يحصلن على مساواة عادلة.

تمييز معيب

ومن أقسى التحديات التي تواجهها المرأة البريطانية، ما يتعلق ببعض ملامح التمييز بين النساء على أساس اللون أو العرق ضمن سياقات عدة مهنية ومجتمعية وقطاعية، فعلى سبيل المثال غالباً ما تتعرض الفتيات السمراوات لمواقف الاضطهاد والاستبعاد المتكرر في المدرسة قياساً بالفتيات البيض، وكذلك في نطاق العمل المهني، يشكو ثلث النساء تقريباً من ذوات البشرة الملونة، من تعرضهن للحرمان من الترقية في العمل على أساس من التمييز العرقي والجنسي المعيب، وهو ما يحدث أيضاً على مستوى الترشيحات الوظيفية ضمن نطاق القوى العاملة؛ حيث تحتاج نساء الأقليات إلى إرسال أكثر من 59% من طلبات الترشيح ليتمكنَّ من معادلة فرص القبول المتاحة للنساء البيض، وفي كل الأحوال تتعدد صور الحرمان المشار إليها، بل لا يتوقف الأمر عند الحرمان من الحقوق فقط، وإنما يؤدي هذا التمييز المعيب إلى ارتفاع نطاق الجرائم المرتكبة كالعنف والتحرش ضد النساء من العرقيات والأقليات وخاصة في القطاعات المهنية والوظيفية وداخل البيئات التعليمية أيضاً.

الخلاصة

وفي الختام، لا يمكن أن ينكر أحد وجود مساع بريطانية رسمية وحكومية لتحقيق المساواة بين الجنسين بشكل كامل، ولكن رغم ذلك لابد من التأكيد على وجود قصور شديد وديكورية معوقة في تفعيل وتطبيق التعزيز القانوني المتاح واللازم لتطوير منظومة الحقوق النسائية في بريطانيا، وهو ما يحرم البلاد من ميزات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة، لعل أقلها ما يتعلق بمستقبل الأجيال القادمة في ظل حرمان النساء من الحقوق، كما أن تأخير فرص المساواة بين الرجال والنساء، يضعف الاقتصاد ويهدد السلام والاستقرار المجتمعي، وهو ما لا يجب أن يحدث في دولة بحجم المملكة المتحدة.

X