مدونات
الاعتداءات الفردية ضد اللاجئين السوريين في بريطانيا تعمق شعور الغربة وآلام البعد عن الديار.. ولكن!!
نشر
منذ سنة واحدةفي
1٬757 مشاهدة
By
Fatimaأفرزت المحنة السورية المعاصرة، جملة من التداعيات المريرة على الصعيد الاجتماعي والأسري؛ فمع بداية الحرب عام 2011 لم تجد ملايين الأسر في هذا البلد المنكوب بداً من ترك الديار والممتلكات والوطن الأم، والتماس أوطان حاضنة وبلاد بديلة آمنة يمكن من خلالها مواصلة العيش والضرب في الأرض بأمان، ومن ثم فقد نزح لاجئاً ومهاجراً أكثر من ستة ملايين سوري إلى مختلف البقاع والمدن العالمية، استحوذت تركيا منهم على أكثر من 2 مليون لاجيء، يليها ألمانيا بواقع مليون لاجيء، ثم لبنان بأكثر من 900 ألف لاجيء، ثم الأردن بما يزيد على 600 ألف لاجيء، فمصر بواقع 400 ألف لاجيء، وفي العراق ما يفوق الــــــ 300 ألف، بالإضافة لأعداد أخرى متفرقة ومتفاوتة في هولندا والسويد والنمسا وفرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية والسودان ودول المغرب العربي، بينما يقدر عدد اللاجئين السوريين في دول الاتحاد الأوروبي بأكثر من 100 ألف.
كتب: محسن حسن
وفي بريطانيا نوعان من اللاجئين: الأول لاجئون قادمون من خلال طرق الهجرة غير الشرعية، وهؤلاء لا يعرف عددهم على وجه التحديد، والثاني لاجئون قادمون من مخيمات اللجوء استدعتهم الحكومة البريطانية عبر خطط رسمية بالتعاون مع الأمم المتحدة وبرامج توطين اللاجئين، وعددهم حوالي 20 ألف لاجيء تم توزيعهم في الفترة من 2015 وحتى 2020 على البلديات المختلفة لضمان دعمهم مادياً ومعنوياً، وبخلاف هؤلاء توجد جالية سورية مستقرة في بريطانيا بالأساس، فهم بريطانيون من أصل سوري، ويشغلون مواقع ومناصب قيادية وإدارية وبرلمانية في المملكة المتحدة، وحجم هذه الجالية بحسب التعداد الرسمي البريطاني لعام 2011، يفوق الــ 8 آلاف بريطاني/سوري، موزعين بين ويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وهم يقدمون تسهيلات ومساعدات متنوعة وجديرة بالاحترام لذويهم من المهاجرين إلى بريطانيا، ورغم صعوبة تحديد الأرقام الدقيقة لحجم استضافة اللاجئين السوريين عموماً في هذا البلد، إلا أن المرصد المختص بتتبع أعداد المهاجرين بجامعة أكسفورد الإنجليزية قدر أعداد السوريين هناك بأكثر من 385 ألف سوري، وأوضح أنهم يشكلون نسبة تفوق الــ 0.5% من جملة سكان المملكة المتحدة وفق تعداد 2019، وعلى كل حال، هم جالية كبيرة من حيث العدد، لكنهم من حيث المعيشة والظروف المحيطة، يعانون مشكلات كثيرة أبرزها البيروقراطية والتشديد على طلبات اللجوء ونقص الكوادر المتخصصة في التعامل مع أوضاع وظروف وكيفيات إقامتهم، إلى جانب معاناتهم من موجات التقشف الحكومي وارتفاع تكاليف المعيشة والظروف المناخية غير المعتادة بالنسبة للكثيرين منهم، و في ظل هذه المعاناة المركبة في غالبية المدن والمناطق البريطانية، تبقى المشكلة الأكبر بالنسبة للسوريين حالياً، متجسدة في تصاعد أعمال العنف الفردية بشكل مفاجيء تجاه الأفراد والممتلكات، ابتداءً بتلاميذ وطلاب المدارس وانتهاءً بأصحاب المهن والمحال والعمال.. فما الذي يحدث؟
في الحقيقة، لا يمكن اتهام المجتمع البريطاني بإساءة التعامل مع السوريين، لا قبل الحرب ولا بعد تداعياتها المريرة منذ العام 2011، بل على العكس تماماً، اتسمت معاملة الغالبية العظمى منهم باحتضان اللاجئين ودعمهم ومساعدتهم على الاندماج في مجمل تفاصيل الحياة البريطانية الحافلة بالضجيج والنشاط الاجتماعي والثقافي والفني، كما سارعت غالبية المؤسسات الأهلية البريطانية في تقديم ما تستطيع من دعم ومساندة لكل سوري لاجيء، وهذه الطريقة الإيجابية في تعامل البريطانيين مع المهاجرين السوريين، اختلفت جملة وتفصيلاً، عن طريقة تعاملهم مثلاً مع باقي مهاجري عرب بريطانيا القادمين من دول الاتحاد الأوروبي بعد صفقة بريكست، والسر في ذلك يعود بالأساس إلى نظرة المواطن البريطاني وتقييمه للأسباب الحقيقية وراء هجرته وتركه لموطنه الأصلي؛ إذ يعرف البريطانيون جيداً أن السوري لم يترك أرضه ووطنه بحثاً عن رفاهية العيش أو تحسين الوضع الاقتصادي، وإنما أجبرته الحرب على القيام بذلك نجاة بأهله ونفسه من الهلاك، وبأنه لم يأت لينافس أبناء البلد الأصليين في وظائفهم أو أعمالهم، كما هي الحال بالنسبة للأوروبيين الشرقيين القادمين إلى بريطانيا، ولذلك فإن السوري اللاجيء هو شخص جدير بالاحترام والتقدير من قبل كل بريطاني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كان هذا هو موقف البريطانيين الحقيقي تجاه السوريين، فما سر الطفرة العدائية المفاجئة في استهداف بعض السوريين وبعض ممتلكاتهم بالإيذاء والاعتداء؟
تكشف واقعة تنمر حدثت منذ سنوات، تعرض خلالها صبي سوري وشقيقته للاعتداء من قبل زملائهم بإحدى المدارس البريطانية، وتحديداً مدرسة (Almond bury Community) التابعة لمدينة هدرسفيلد بمقاطعة يوركشاير شمال البلاد، عن أحد الأسباب الكامنة لهذه الطفرة العدائية التي تظهر من حين لآخر ضد السوريين في بريطانيا، وهو السبب المتمثل في تصاعد وتيرة التأجيج الطائفي ضد المهاجرين العرب، إلى جانب التأثير الصارخ للميديا العنصرية والمحتوى المشوه الذي تبثه المحطات البريطانية في عقول وأذهان المراهقين؛ فعندما نتأمل الحادثة سنجد أن مراهقاً بريطانيا يبلغ من العمر 16 عاماً، انتهز فرصة الهدوء النسبي لفترة الاستراحة وتناول الغداء بالمدرسة المشار إليها، ليتصدر مع مجموعة من زملائه، مشهد التنمر والتنكيل والاعتداء على مراهق سوري يصغره بعام واحد تقريباً، وفي حين كان الطفل السوري يتعرض للضرب والخنق وتكتيف الأيدي ثم صب الماء فوق رأسه، ضمن سيناريو مألوف ومنقول عن بروتوكولات تعذيب متبعة ببعض السجون، كان مراهقون آخرون من زملاء المعتدي، يقومون بتصوير الواقعة رغبة في تحقيق إذلال أكبر للطفل السوري عبر نشرها وتداولها، وقد أظهرت التفاصيل المتداولة حول الواقعة، أن شقيقة الطفل السوري هي الأخرى، تعرضت لتنمر مشابه من فتيات بذات المدرسة، إلا أن الخطير في الأمر، هو ما كشفته التحقيقات من انتماء المراهق البريطاني لإحدى الجماعات اليمينية المتطرفة والمناهضة لوجود المهاجرين العرب في بريطانيا، بالإضافة لما كشفته التحقيقات أيضاً من أن هذا السلوك العنصري من قبل المراهق، كان ملهماً لشريحة كبيرة من المراهقين والعنصريين أمثاله، وعلى رأسهم أحد المؤسسين لجماعة يمينية متطرفة أخرى في البلاد يبلغ من العمر ستة وثلاثين عاماً؛ فقد أبانت إجراءات التتبع لصفحات التواصل الاجتماعي المملوكة للمراهق، عدداً كبيراً من دعم متابعيه وتأييدهم وثنائهم على واقعة الاعتداء على الطفل السوري، وكان في مقدمتهم مؤسس تلك الجماعة، والذي لم يكتف بالتأييد والدعم، وإنما حاول تبرير الواقعة، عبر فبركة بعض الصور التي يشير من خلالها إلى اتهام الضحية السوري ــ زوراً وبهتاناً ــ بالاعتداء على مراهقة بريطانية.
وبالإضافة لهذه الحادثة، هناك مجموعة وقائع ووضعيات مختلفة تتعلق باللاجئين السوريين في بريطانيا، وجميعها يتفق في توافر النزعة العنصرية لعناصر وأفراد اليمين المتطرف في مدن و مناطق ومقاطعات المملكة المتحدة؛ من ذلك مثلاً اندلاع بعض الحرائق المفاجئة في بعض مخيمات اللاجئين السوريين جنوب لندن ووفاة وإصابة بعضهم دون الوصول لمرتكبيها، وهناك مواقف عدائية تصاعدت بقوة تجاه السوريين بعد حوادث الإرهاب المتكررة في البلاد، والتي تعرضوا خلالها لاعتداءات لفظية وأخرى جسدية، فقد شهدت مدن ديربي وبرمنغهام وكارديف وغيرها حوادث اعتداء ونهب وتخريب لبعض الممتلكات والمحال السورية خلال عام 2019، وتكرر الأمر خلال العام الذي يليه؛ حيث شهدت مدينة مانشستر قيام شابين بريطانيين بالاعتداء على أحد المحلات المملوكة لسوري، وإصابته بجروح طفيفة بعد تدمير المحل، وخلال 2021 استدعت حادثة أنفاق لندن خلال شهر مارس، موجات العنصرية مجدداً بين البريطانيين تجاه السوريين والعرب، بعد أن انفجرت قنبلة يدوية الصنع في محطة الأنفاق وأصابت قرابة الــ30 شخصاً، ومن ثم فقد تعرض السوريون مجدداً لاعتداءات متفرقة، وسادت حالة من الاستياء العام تجاه المهاجرين، ترتب عليها خسارة الشباب السوري للكثير من الأعمال والأنشطة التجارية، إلى جانب قيام العديد من الشركات وجهات العمل الخاصة، بإساءة استغلال العمالة السورية، وتعريضها لظروف مهنية شاقة مقابل أجور ضعيفة ومتدنية.
ولأن دعاة العنصرية المتطرفة في بريطانيا، لا يضيعون وقتاً في توظيف واستغلال أية تفاصيل مهما كانت صغيرة وعابرة، لتحقيق أهدافهم وآمالهم في طرد المهاجرين من كافة المناطق والمدن البريطانية، فإنهم يقومون حالياً باستخدام بعض الأخبار العامة التي تشير إلى تحسن الوضع في سوريا وإلى جاهزيتها في استقبال وعودة اللاجئين الفارين من ديارهم، في تدشين حملات مغرضة عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، هدفها الترويج لعدم جدوى لوجود السوريين كلاجئين في المملكة المتحدة في ظل تحسن الأوضاع في بلادهم الأصلية ووطنهم الأم، وما يقوم به هؤلاء في الوقت الراهن ضد كل ما هو سوري في بريطانيا، يسير أيضاً في نطاق الموجة العامة التي تشهدها المملكة المتحدة ضد عموم اللاجئين والمهاجرين وليس ضد السوريين فقط، ولكن لأن بعض مصادر الأخبار تتناقل دون وعي وتدقيق وتحليل، مجموعة الأخبار الخاصة بالتحسن النسبي للوضع السوري، فإن العنصريين يتلقفون ذلك ويركزون جهودهم في اتجاه السوريين دون غيرهم، وهنا لابد من الإشارة إلى خطورة تداول أخبار التحسن النسبي للوضع السوري، دون شرح تفاصيل ذلك الوضع في الوقت الراهن؛ فلا شك أن العودة إلى الديار والوطن الأم هي حلم كل سوري وسورية في بلاد الغربة، ولكن المنطق المعتدل يؤكد أن بدايات العودة الحقيقية والآمنة والمنظمة للمهاجرين السوريين إلى سوريا، لا تزال تحتاج إلى كبير عمل، من أجل تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية، لضمان حدوث تلك العودة دون تعريض ملايين السوريين للهلاك والموت مجدداً، ومن ثم، فعلى منصات الأخبار ومصادرها المختلفة التي تتناقل تفاصيل الوضع السوري، توضيح الأمر للرأي العام العالمي، وأن التحسن في سوريا، لا يزال نسبياً، ويحتاج لتضافر الجهود الدولية من أجل زيادة الاستقرار ومواصلة جهود الإعمار، وبالتالي فلا يجب إقحام السوريين مجدداً في تدفقات عودة مفاجئة، قد يترتب عليها وقوع أغلبهم تحت ظروف سفر وترحال وتنقل غير آمنة، وهو ما يجب أن يعرفه البريطانيون المعتدلون جيداً، من أجل إحداث التوازن المطلوب ضد دعوات العنصريين التي قد تزداد خلال الفترة القادمة من حيث المطالبة بترحيل السوريين إلى بلادهم، خاصة مع نشوة الحكومة البريطانية مؤخراً ببدء إعادة اللاجئين المتدفقين عبر القناة الإنجليزية إلى رواندا.
وحتى نكون منصفين في الطرح، لابد من التأكيد على إيجابية القرار الرسمي العام والحكومي في بريطانيا بشأن اللاجئين السوريين حتى اللحظة، فلا يزال الغالبية في الداخل البريطاني، يرون وجوب تقديم الدعم للاجئين السوريين، ويرون أيضاً أن أخبار التحسن النسبي للوضع السوري حالياً، لا تعني بالضرورة اتخاذ أي قرار مفاجيء بعودتهم لبلادهم، وقد أثبتت المواقف الرسمية والجماهيرية في بريطانيا تجاه أي حادثة يتعرض لها السوريون، أن الجميع إلى جوارهم وفي جاهزية رسمية وشعبية لمساندتهم ضد أي غبن أو ظلم يقع عليهم، وقد كان هذا واضحاً في مواقف كثيرة؛ ففي حادثة التنمر الشهيرة على الطفل (جمال) وشقيقته، تحولت دوائر صنع القرار في بريطانيا إلى تدشين حملات إعلامية ورسمية لمحاكمة المراهق البريطاني، والذي اضطر نتيجة هذه الحملات إلى مغادرة البلاد بصحبة والدته، وقد حدث أن أعلن رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني Tobias Ellwood أسفه للطفل السوري، واصفاً الحادثة بأنها (عار يدعو للأسف والمساءلة)، وقامت الجماهير البريطانية من جهتها بدعم أسرته إلكترونيا عبر أحد مواقع جمع التبرعات، بأكثر من 150 ألف جنيه استرليني لتعويضه عما لحقه من أذى، وشهدت الحادثة تعليقات نارية ناقدة على مستوى القصر الملكي ورئاسة الوزراء البريطانية ووزارة الداخلية، وخلال الحادثة التي تعرض لها (محمد حاج علي) اللاجيء السوري الذي قضى نحبه في حريق Grenfell Tower الكبير في العاصمة لندن خلال يونيو من عام 2017، استجابت السلطات لمطالب السوريين في بريطانيا بمنح تأشيرة الدخول لأسرته للمشاركة في تشييع جنازته، ومثل هذه المواقف وغيرها، تشير إلى إيجابية لا تزال متينة لدى الشعب البريطاني تجاه دعاة العنصرية وخاصة مروجي الكيد للجالية السورية داخل المملكة المتحدة.
وبعيداً عن مواقف العنصريين في بريطانيا، فإن الجالية السورية المتواجدة هناك، سواء من هم من مواطني البلاد من أصل سوري، أو من هم من اللاجئين بفعل وضعية 2011 والحرب السورية، جميعهم يثبتون حصانة كبيرة ضد الانكسار أمام الأزمات والمحن والمواقف العارضة من هنا وهناك، ورغم أن حوادث الاضطهاد ومواقف الإيذاء والكيد العابرة على يد البعض، تشعرهم أكثر وأكثر بعمق الاغتراب وآلام البعد عن الديار، إلا أنها لم تصب من عزيمتهم ومثابرتهم وقدرتهم على الاندماج في بنية المجتمع البريطاني بشكل إيجابي، وخاصة فئة الشباب السوري، التي تشير مؤسسات البحث العلمي والجامعي عبر دراساتها المختلفة هناك، إلى ديناميكيتها النشطة في سوق العمل الوظيفي والمهني ودوائر الدرس التعليمية، بل إن الأكثر من ذلك أن الشباب السوري، بمن فيهم شباب اللاجئين، أجبروا تلك المؤسسات لأول مرة على الاعتراف صراحة بجدوى اللاجئين عموماً داخل بريطانيا في مهمة دعم الاقتصاد الوطني، فرغم اختلاف رؤى الشباب السوري عن رؤى البريطانيين عموماً في العديد من التوجهات الثقافية والدينية والأخلاقية، إلا أنهم منسجمون مع التطلعات البريطانية نحو اكتساب الإمكانات والطاقات المهارية اللازمة لجعل مستوى المعيشة أرقى وأفضل حالاً، ولعل هذا الحماس المهني والوظيفي الذي يلمسه البريطانيون واقعاً مُعاشاً وحاضراً في أنشطة السوريين داخل بريطانيا، هو السبب الوجيه الذي يخفف كثيراً من وطأة العنصرية تجاههم، بل ويمهد لتراجعها وانحسارها، خاصة مع تنوع انخراط الجالية السورية في العديد من أنماط المهن والوظائف والأعمال والأنشطة الحيوية المتماسة مع القطاعات الخدمية والسياحية والصناعية في عموم المدن والمقاطعات.
وفي الختام، نؤكد على أن طبيعة البنية الخلاقة للسوريين قوة وجسارة وتحملاً، إلى جانب طبيعتهم النزاعة إلى البذل والعطاء وإثبات الذات والجدارة، تمنحهم ميزات فارقة عن غيرهم في المجتمعات الحاضنة، ومنها بريطانيا، وخاصة أوقات الأزمات والمرور بالتحديات؛ فهم دائماً قادرون على الترويض المبدع والكريم لأزماتهم بشكل تستحيل معه المحنة الخاصة إلى منحة عامة لهم ولكل المحيطين بهم، وما يقال هنا، ليس من قبيل الثناء أو الإطراء، وإن كانوا يستحقون ذلك، وإنما هو من قبيل الحقائق الميدانية التي ينطق بها واقعهم الإنساني ومكانتهم الخاصة، واختياراتهم المتميزة داخل بريطانيا، ويكفي أن نشير هنا إلى جملة الاعتبارات التالية:
– تتربع الجالية السورية في بريطانيا على رأس الجاليات الوافدة التي يتمتع أفرادها بأولويات قصوى ممنوحة للتعليم والتحصيل واكتساب المهارات وفق أحدث المعايير والمستويات.
– تحتفظ الجالية السورية بحصانة خاصة تحميها من تيارات التغريب الثقافي وتذويب الهويات رغم مرونتها المبدعة في التعاطي الإيجابي مع الثقافات والسلوكيات المحيطة؛ حيث يحرص أفراد الجالية على تعزيز ارتباطهم الدائم بتراثهم وثقافتهم الأدبية والفنية، ولا يثنيهم شيء عن التلاحم والارتباط الجمعي.
– تولي الجالية السورية اهتماماً خاصاً بتقديم وإعداد كوادر سياسية وبرلمانية وحزبية قادرة على خوض عمار التجارب السياسية في المملكة المتحدة، وتقوم بتسخير النجاح المتحصل من هذه الأولوية في دعم قضايا اللاجئين الإنسانية و الحقوقية.
– ترتبط الجالية السورية بالوطن الأم ارتباطاً أصيلاً رغم آلام الغربة ومعاناة الاغتراب، وهو ما يظهر جلياً فيما يقدمه أفرادها من دعم متواصل لذويهم في سوريا ولكافة المهجرين والمنكوبين من عموم السوريين المتواجدين في مناطق الجوار السوري عبر مساعدات مالية وعينية وتبرعات فاعلة ودائمة رغم المحن المشتركة.
لكل تلك الاعتبارات ولغيرها، يمكن الجزم بعجز تيارات العنصرية والعنصريين، عن النيل من وجود الهوية السورية فوق الأراضي البريطانية؛ لذا نقولها بكل بساطة وأريحية: هيهات أن تحيط بالسوريين محن أو تحد من عزائمهم مكائد أو تحديات.