وسط تحديات اقتصادية كبيرة تدخل بريطانيا عام 2025، فبعد زيادة فوائد البنوك، وتهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المستمر بفرض قيمة ضريبية على الصادرات التجارية، والعديد من الخطوات لدعم الاقتصاد البريطاني، جاءت توقعات رجال الأعمال ومديرون الشركات حول واقع الاقتصاد القادم.
وبشرط أساسي أكد مدراء أبرز الشركات البريطانية أن الاستقرار وحده قد يساهم في مواجهة تحديات الاقتصاد البريطاني، فمعه يمكن أن يزدهر ويتقدم، مؤكدين أن الاجراءات الأخيرة التي لجأت لها حكومة حزب العمال قد زادت من الأعباء عليهم، كزيادة الضرائب التي ساهمت في زيادة التضخم، لذا على الحكومة البريطانية تقديم ضمانات بخلق بيئة تحفيزية على الاستثمار، وتعزيز الثقة مع الشركات البريطانية.
وفي مقارنة لأحدث التوقعات حول الاقتصاد البريطاني، قال اتحاد الصناعة البريطانية “CBI”, سيبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا 0.9 في المئة في عام 2024، وهو انخفاض طفيف مقارنة بتوقعاته السابق في يونيو (حزيران) الماضي البالغة 1.0 في المئة.
أما بالنسبة إلى العام الجديد 2025، فمن المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة نحو 1.6 في المئة على مدار العام، وهو منخفض مقارنة بتوقعات الاتحاد في يونيو 2024، البالغة 1.9 في المئة، فيما سينمو 1.5 في المئة في عام 2026.
لم تفوت كبيرة الاقتصاديين في اتحاد الصناعات البريطانية لويز هيلم الفرصة للتعليق على هذه الإحصائيات المتوقعة، وأكدت على وجوب تقديم الاستقرار للشركات البريطانية العاملة حتى تبدأ بالنمو، كما يجب تخفيف الأعباء الملقاة عليهم، لأن بحسب موازنة 2025 ستزيد المسؤوليات عليهم، وهذا ما سيؤثر على فرص الاستثمار والتوظيف لديهم، أي أنها سلسلة مترابطة بين الاستقرار والنمو والاستثمار.
كما أشارت هيلم إلى أنه من واجب حكومة حزب العمال العمل على التخفيف من حدة هذه الأعباء التي تطال أيضاً المستهلكين وليس فقط الشركات، ومع هامش الربح البسيط الذي تحصله الشركات، فإن ذلك يمنع من نموها وازدهارها، وبالتالي نمو رواتب الموظفين والعاملين لديهم، لذا لا بد من محاولة تطبيق الاستقرار كخطوة لمواجهة تحديات الاقتصاد البريطاني.
وأكدت هيلم أن بناء الثقة بين الحكومة والشركات للنهوض بالاقتصاد يجب أن يبدأ بخطوات ثابتة وصادقة، كإصلاح أسرع وأكثر تحولاً لضرائب الأعمال، وتوفير مرونة فورية في ضريبة التدريب المهني، وتعزيز تبني التكنولوجيا، تقديم حوافز صحية للقوى العاملة.
هذا وقد قدمت هيلم حل لمشكلة عدم الاستقرار، وذلك بالاعتماد على استراتيجية صناعية حديثة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على الابتكار وتنظيم الأعمال وتعزيز المهارات، مما يمكن أن يطلق العنان للاستثمارات التجارية ويدعم النمو المستدام.
ومع بداية العام الجديد، اتجهت التوقعات نحو انخفاض إنفاق المستهلكين، وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي يقوم على أساس مدفوعات الأسر، إلا أنه ستجه نحو التباطؤ أو الانحسار مع العام القادم، ويعود السبب في ذلك إلى بطء نمو الدخل الحقيقي للأسر، مع بقاء التضخم أعلى من هدف بنك إنجلترا البالغ اثنين في المئة حتى عام 2026.
وفي العودة إلى تحديات الاقتصاد البريطاني في العام الجديد، فإن أبرز ما يمكن الحديث عنه هو قرارات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي توعد بفرض تعرفة تجارية، مما يؤثر على صادرات وواردات بريطانية من أمريكا، إضافة إلى زيادة كلف التوظيف، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت غرفة التجارة البريطانية أكثر تفاؤلاً من غرفة الصناعة، فقد توقعت نمو الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.3 في المئة من 1.0 في المئة خلال العام القادم 2025، بينما رفع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD” توقعاتها للنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة لعام 2025 إلى 1.7 في المئة من 1.2 في المئة.
وفي لمحة قصيرة للتذكير بأهم ما حصل للاقتصاد البريطاني، فقد انحسر للشهر الثاني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في الفترة التي سبقت أول موازنة للحكومة الجديدة، وهو أول انخفاض متتال للشهر الثاني منذ بداية جائحة كوفيد – 19، ووصل هذا الانحسار إلى نسبة 0.1 في المئة على أساس شهري أكتوبر الماضي، وسبتمبر (أيلول) الماضي، بحسب مكتب الإحصاء.
ويعد هذا أول انخفاض متتال في الناتج المحلي الإجمالي الشهري، ويمكن القول أنه تميز بتقلبه، وكان عرضة للمراجعة، منذ مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2020، عندما فرضت بريطانيا أول إغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا، وقد شمل هذا الانخفاض قطاعي الصناعات التحويلية والبناء في أكتوبر الماضي، فيما بقي قطاع الخدمات مستقراً.
ويدخل الاقتصاد البريطاني عام 2025 مع صافي الدين العام المقدر ب 88.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا خلال السنة المالية 2023/ 2024، ويعد هذا الارتفاع في الدين قد بلغ 97.8 في المئة عند تضمين بنك إنجلترا، وفي 2022/2023 بلغ الإنفاق الحكومي في المملكة المتحدة نحو 1.15 تريليون جنيه استرليني (1.45) تريليون دولار، أي نحو 45.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والجدير بالذكر أن هذا أكبر رقم في الدين تتكبده الحكومة البريطانية منذ أوائل الستينيات، بعد أن بلغ ذروته عند 251.7 في المئة بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب العالمية الثانية.
وإذا نظرنا إلى الاقتصاد البريطاني خلال التاريخ، فقد انخفض الدين الحكومي في بريطانيا تدرجاً، قبل زيادة حادة في أواخر العقد الأول من القرن الـ21 في وقت الأزمة المالية العالمية، لا يتوقع أن يبدأ الدين في الانخفاض حتى 2029/2030.
اقرأ أيضاً: الركود الاقتصادي في بريطانيا يهدد القطاع الخاص