في مشهد اقتصادي متقلب، يُطل التضخم في المملكة المتحدة برأسه من جديد، عاكساً اتجاهه المنخفض ومعلناً عن تحديات جديدة، وبارتفاع معدلاته إلى 2.3% خلال أكتوبر، يبدو أن الهدوء النسبي الذي شهدناه في الأشهر الماضية قد تلاشى، لتحل محله عاصفة من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة والتوترات العالمية.
وبينما يسعى بنك إنجلترا (Bank of England) لإبقاء التضخم ضمن هدفه المحدد، تقف الأسر البريطانية في مواجهة يومية مع ارتفاع تكاليف المعيشة، في وقت تُلقي فيه التوقعات الاقتصادية بظلال ثقيلة على أفق التعافي المنشود، فهل تستطيع السياسات النقدية مواجهة هذه الرياح العاتية؟ أم أن الاقتصاد البريطاني أمام اختبار طويل الأمد؟ إليكم التفاصيل!
أظهرت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (Office for National Statistics – ONS) أن معدل التضخم في المملكة المتحدة ارتفع إلى 2.3% خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر، مقارنة بـ1.7% في أيلول/سبتمبر، وهذا الرقم تجاوز توقعات الاقتصاديين في لندن التي كانت عند 2.2%.
ووفقاً لتصريحات المكتب، فإن ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء كان المحرك الأساسي لزيادة مؤشر أسعار المستهلكين (CPI)، ورغم انخفاض أسعار النفط الذي خفف من تكاليف النقل والمواد الخام، إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة كان له الأثر الأكبر في عكس الاتجاه التنازلي للتضخم هذا العام.
وفي حديثه حول ذلك، وصف سورين ثيرو (Suren Thiru)، المدير الاقتصادي في معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز (Institute of Chartered Accountants in England and Wales)، هذه الأرقام بأنها «عودة مخيبة للتضخم»، مشيراً إلى أن تراجع أسعار الطاقة الذي شهدته البلاد في العام الماضي بدأ يتحول إلى عائق.
اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة بنسبة 2.2% على تكاليف المعيشة؟
كذلك، ارتفع التضخم الأساسي من 3.2% إلى 3.3%، متجاوزاً التوقعات بانخفاضه إلى 3.1%، كما ارتفع تضخم الخدمات من 4.9% إلى 5%، وأرجعت روث غريغوري (Ruth Gregory)، نائب كبير الاقتصاديين البريطانيين في شركة Capital Economics، هذا الارتفاع إلى زيادة حادة في أسعار تذاكر الطيران، حيث سجلت أعلى قفزة شهرية منذ بدء جمع البيانات في عام 2001.
ومن جهة أخرى، وصف جيمس سميث (James Smith)، مدير الأبحاث في مؤسسة Resolution Foundation، الارتفاعات الأخيرة في التضخم بأنها «ثلاثية من الأخبار السيئة»، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية ما زالت تؤثر على البلاد.
وتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن يستمر معدل التضخم في تجاوز 3% العام المقبل، ما سيؤدي إلى تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة خلال 2025، فيما أكدت المؤسسة في بيانها أن معدلات الفائدة قد تبقى مرتفعة لفترة أطول من المتوقع.
في خطاب ألقاه في مدرسة الأعمال بجامعة ليدز، أكد ديف رامسدن (Dave Ramsden)، وهو أحد صناع السياسة في بنك إنجلترا، أن التضخم قد يظل قريباً من هدف البنك البالغ 2%، ومع ذلك، أشار إلى أن ضعف التعافي الاقتصادي قد يساعد في استقرار الأسعار على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: راشيل ريفز: مراجعات لزيادات في أجور العاملين في القطاع العام لكسر التضخم
وشددت دارين جونز (Darren Jones)، السكرتيرة الأولى للخزانة، على أن الحكومة تعمل على مواجهة آثار التضخم من خلال سياسات مثل زيادة الحد الأدنى للأجور وتجميد ضريبة الوقود، لكنها أشارت أيضاً إلى التحديات المستمرة التي تواجه العائلات البريطانية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومن جانبه، دعا ميل سترايد (Mel Stride)، وزير الخزانة في حكومة الظل، إلى ضرورة إبقاء التضخم تحت السيطرة، محذراً من أن ميزانية حزب العمال قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة على الرهون العقارية.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تآكلت القوة الشرائية للمستهلكين في المملكة المتحدة بنسبة أكبر مقارنة بالدول الكبرى الأخرى، فبين كانون الثاني/يناير 2021 وأيار/مايو 2024، ارتفعت أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة بنسبة 22.8% مقارنة بـ20.9% في ألمانيا، و18.8% في الولايات المتحدة، و16.6% في فرنسا.