التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات في ميزان المصالح المشتركة والأمن الخليجي.. الرأي والرأي الآخر!!
تابعونا على:

مقالات

التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات في ميزان المصالح المشتركة والأمن الخليجي.. الرأي والرأي الآخر!!

نشر

في

437 مشاهدة

التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات في ميزان المصالح المشتركة والأمن الخليجي.. الرأي والرأي الآخر!!

برزت إلى سطح السجالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الأحدث، تحليلاتٌ متعددة الأطراف والأوجه والاستنتاجات، بشأن طبيعة التوجهات والمنطلقات العامة والخاصة التي تحكم العلاقة الثنائية القائمة بين الجارتين الخليجيتين؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي التحليلات التي ربما أحضرتها إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي الراهن، رؤى متباينة لدى الدولتين بشأن ما يجب اتخاذه من إجراءات وقرارات أممية ودولية تجاه الوضع الأمني الطارئ في السودان، وأيضاً في الخليج على خلفية هجمات الحوثيين في اليمن على بعض السفن الإسرائيلية أو المؤيدة لإسرائيل وللحرب المأساوية على قطاع غزة الفلسطيني، وبالطبع إلى جانب مخرجات التنافس الاقتصادي الهادف إلى التوسع والهيمنة.

وفي هذا العرض، نحاول استجلاء هذه التحليلات من خلال استحضار الصورة الكاملة للمشهد الخليجي، وكذلك لمقتضيات حرص الدولتين على تحقيق الطموحات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الخاصة، مع عدم إغفال حرصهما الموازي على المصالح المشتركة وتماسك الوحدة الإقليمية وأمن الخليج. 

 

كتب: محسن حسن 

 

شراكة فاعلة

بداية، يتفق خبراء الاقتصاد الإقليمي والدولي، على عمق الشراكة الاقتصادية القائمة بين الرياض وأبو ظبي؛ فعلى مستوى العلاقات التجارية، تعد المملكة العربية السعودية شريكاً تجارياً أول للإمارات على المستوى العربي، وثالثاً على المستوى العالمي؛ حيث استحوذت على أكثر من 6.5% من حجم التبادل التجاري الدولي للإمارات، وبقيمة تزيد على 30 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وعلى مستوى الاستيراد، تحتل الرياض المرتبة الأولى كشريك مستورد عالمي من أبو ظبي وكشريك أول عربي في مجالات عديدة كالمنتجات الورقية والمعادن والمعدات الثقيلة، وبقيمة تقارب الــ 30 مليار دولار، وتشكل أكثر من 11% من إجمالي صادرات الإمارات، كما تحل السعودية كتاسع الشركاء التجاريين المصدرين للداخل الإماراتي، وبحجم صادرات يصل إلى 7.5 مليار دولار، في حين يصل حجم إعادة التصدير الإماراتي للرياض لأكثر من 16 مليار دولار، وبنسبة تتجاوز 12.5% من جملة المعاد تصديره إماراتياً لدول العالم، و تجمع البلدين علاقات استثمارية متنامية، حيث تعد أبو ظبي في مقدمة المستثمرين الدوليين في السعودية، وبقيمة تقارب الــ10 مليارات دولار، من خلال مجموعات وشركات استثمارية تزيد على الــ60 شركة ومجموعة، علماً أن حجم الاستثمارات البنكية الإماراتية في المملكة العربية السعودية يتجاوز 13.5 مليار دولار، في حين تمارس أكثر من أربعة آلاف علامة تجارية سعودية ضمن ما يقارب المائة شركة ووكالة، استثمارات متنوعة داخل الإمارات تفوق قيمتها أربعة مليارات دولار، ويعد تعاون الرياض وأبو ظبي في إطلاق مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر، والذي تولته شركة (إعمار) الإماراتية بالتعاون مع شركات سعودية، وبتكلفة مالية تزيد على 95 مليار ريال سعودي، دليلاً قاطعاً على تقدم وفاعلية الشراكة الاقتصادية بين البلدين. 

تجارة مطردة 

وبحسب مؤشرات التطور الحادث في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فإن الخمس سنوات الأخيرة من عمر هذه العلاقة، شهدت نمو حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى أكثر من 150 مليار دولار؛ فخلال 2022، سجل هذا النمو نسبة تزيد على 27.5% بواقع 36 مليار دولار تقريبا، مقابل 28.5 مليار دولار عام 2018؛ حيث تشكلت بنية التجارة الخارجية بين الجانبين بحسب تقديرات وزارة الاقتصاد الإماراتية، من خلال حجم واردات قيمته تزيد على 30 مليار درهم، وحجم صادرات غير نفطية يزيد على 35 مليار درهم، وأكثر من 65 مليار درهم بالنسبة لإعادة التصدير.

وتُظهر مستويات الحركة التجارية المتبادلة بين الدولتين خلال الفترة من 2018 وحتى 2022، وصول قيمة التبادل التجاري إلى أكثر من 110 مليار درهم عام 2019، ثم إلى أكثر من 120 مليار درهم خلال 2021، ليقفز هذا الحجم التجاري إلى أكثر من 135 مليار درهم خلال 2022، ولكن المؤشرات التجارية للعام 2023، أظهرت انخفاضاً ملحوظاً في حجم التبادل التجاري للمملكة العربية السعودية مع دول الخليج عموماً وكانت نسبته 8% على أساس سنوي، و ذلك خلال النصف الأول من العام المذكور، وهو ما انخفضت معه تجارة المملكة مع الإمارات بنسبة تزيد على 7.5% وتحديداً بواقع 14.32 مليار دولار، كما تجب الإشارة هنا إلى أن الميزان التجاري للمملكة، حقق فائضاً قيمته 1.98 مليار دولار مع الإمارات خلال الفترة المشار إليه، إلا أنه سجل تراجعاً بنسبة تزيد على 53.5% على أساس سنوي.

منظور غربي 

ومن الملاحظ جداً، تشابه النظرة الدولية والغربية للمكانة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والإقليمية التي يتمتع بها كل من السعودية والإمارات؛ إذ يتعامل المجتمع الدولي مع الدولتين، باعتبارهما مملكتان نفطيتان تجمعهما إرادة واحدة نحو إقرار الأمن الإقليمي، وأنهما قادرتان على تجنب الخلافات الجذرية حول قضايا المنطقة، وهو ما يتضح من مواقفهما المتوافقة بشأن اليمن مثلاً منذ العام 2014، وبشأن معارضة الاتفاق النووي الإيراني، و أيضاً بخصوص أزمة الخليج والحصار القطري عام 2017، على خلفية أحداث وتداعيات الربيع العربي.

وحتى على مستوى اختيار الشركاء والحلفاء الدوليين، نجد أن الدولتين متفقتان على الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنهما يدركان جيداً حجمهما وثقلهما الإقليمي من حيث كونهما الدولتين الأكبر اقتصاداً والأكثر من حيث عدد السكان من بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهما بالتزامن مع هذا الإدراك يسيران في مسارين متوازيين نحو إثبات جدارة كل منهما في رفع سقف الطموحات الوطنية والمحلية المرتبطة بتعزيز الأدوار السياسية والاستراتيجية والأمنية في المنطقة والعالم، وهي الطموحات التي قد يراها البعض مثاراً لترجيح التحليلات القائلة بوجود التعارض أو التصادم أو الخلاف المفضي بين الجانبين إلى زعزعة استقرار الخليج وضرب المصالح الأمريكية والدولية، ولكن في الحقيقة يظل هذا الترجيح محل شك في واقعه العملي والميداني، وكذلك في مآلاته القابلة للحدوث أمنياً وخليجياً. 

طموح و زعامة

ويأتي طموح الجارتين الخليجيتين ونزوعهما نحو تحقيق الزعامة الاقتصادية والإقليمية المرتبطة بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، على رأس الطموحات التي يراهن عليها البعض في التسبب في فجوة أو تصدع أوشرخ في العلاقة الثنائية بينهما؛ حيث تتردد مجموعة من الاعتبارات والأسباب والمواقف، التي يتم البناء عليها لتعزيز هذا الرهان والاستنتاج، وهي على النحو التالي: 

ــ اشتداد الضغوط النفطية بين الرياض وأبو ظبي، على خلفية بحث الأولى الحثيث عن أسباب التنوع الاقتصادي وسعيها للخروج من سيطرة الريع النفطي على الاقتصاد، وذلك على عكس الثانية التي حققت خطوات كبيرة في التنوع الاقتصادي والخدمي، ومن ثم، يرى كثيرون أن توجهات السياسة النفطية لدى البلدين في ظل تباين وتيرة الرغبة في الإصلاح الاقتصادي بينهما، أصبحت سبباً مباشراً من أسباب توتر علاقتهما الثنائية؛ فعلى سبيل المثال، تفضل السياسة النفطية السعودية تعزيز الانتقال الوطني الموسع نحو امتلاك مصادر الطاقة المتجددة والاعتماد عليها، ويساعدها على ذلك امتلاك البلاد احتياطيات نفطية كبيرة واستراتيجية، في حين لا تمتلك الإمارات احتياطيات مماثلة، فهي في المرتبة السادسة عالمياً  بقيمة إنتاجية قوامها 100 مليار برميل، وبالتالي تحتل المملكة العربية السعودية دوراً قيادياً ونفوذاً نفطياً إلى جوار روسياً ضمن  تحالف OAPEC+ منذ العام 2016، وهو ما يراه البعض مثيراً لحفيظة الإمارات بسبب تأثيره بالسلب على التوظيف الأمثل للطاقة النفطية الإماراتية؛ حيث تخسر أبو ظبي سنوياً ما يزيد على 49.5 مليار دولار في صورة طاقة نفطية غير مستخدمة. 

ــ وامتداداً للضغوط النفطية بين البلدين، كان العام 2021، قد شهد تحفظاً إماراتيا على قيام السعودية بتأييد خطة تمديد خفض إنتاج النفط من يوليو2021 وحتى أبريل 2022 لتعويض خسائر كوفيد19، وهو التمديد الذي كان سيضر بمعدلات إنتاج النفط الإماراتي، ورغم حل المشكلة، إلا أن (أبو ظبي) كانت غاضبة من سطوة النفوذ السعودي في أوبك بلس بحسب ما ذهبت إليه تحليلات وآراء كثيرة.

ومن جهة أخرى، تشير التحليلات الاقتصادية المتخصصة، إلى أن توجهات السياسة الاقتصادية للإمارات، تشكل علامات استفهام كبيرة في منطقة الخليج وخاصة لدى السعودية؛ ففي الوقت الذي تبدي فيه أبو ظبي مرونة اقتصادية كبيرة في الشراكة مع تركيا وإسرائيل وإندونيسيا والهند، نراها تفعل عكس ذلك فيما يخص مفاوضات التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي مع الشركاء الرئيسيين كالصين والاتحاد الأوروبي. 

ــ وجود خلافات اقتصادية قديمة بين البلدين، تعود لفترة تأسيس الإمارات عام 1971، وهي الفترة التي شهدت نزاعات إقليمية متبادلة، وتنافساً محموماً بينهما، كان من آثاره مثلاً مطالبة أبو ظبي بحصة نسبتها أكثر من 19.5% من حقل الشيبة النفطي، وهو ما لم يتحقق رغم معاهدة جدة 1974، هذا بالإضافة إلى تعارض بعض المشاريع مع مصالح طرف من الطرفين، فعلى سبيل المثال، عارضت المملكة العربية السعودية عام 1999 (مشروع دولفين للغاز) والذي يضخ حالياً ما يقرب من مليارى قدم قياسية من الغاز بشكل يومي من قطر إلى الإمارات وسلطنة عمان، وكان الاعتراض السعودي وقتها داخلاً ضمن خلاف حدودي مع أبو ظبي، كما قاومت الرياض مشروع الجسر البحري الذي تم اقتراحه عام 2005 للربط بين الإمارات وقطر، نظراً لكونه سيحد من الوصول السعودي الحر  إلى الممر البحري غير المقيد.

وبالمقابل عارضت الإمارات عام 2009، مقترح اختيار الرياض لتصبح المقر الرسمي للمجلس النقدي المعني بإنشاء البنك المركزي الخليجي كخطوة رئيسية في توحيد السياسات النقدية والمالية الخليجية وتذليل الصعوبات المصرفية أمام المواطن الخليجي، وذلك على الرغم من موافقة باقي دول مجلس التعاون الخليجي على المقترح مثل قطر والكويت وعمان والبحرين، وكانت حيثيات معارضة الإمارات للمقترح وقتها تتمثل في قناعتها بأنها الأنسب في استضافة هذا المقر، وهو ما ترتب عليه لاحقاً تجميد الفكرة و تخلي البنك عن خططه ومساعيه الإنشائية، وبالتالي ضياع تيسيرات مالية ومصرفية واستثمارية كبيرة على المجتمع الخليجي.

 ــ اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية ضمن التطورات الاقتصادية المتسارعة في المملكة العربية السعودية منذ العام 2016 وفق خطة واستراتيجية 2030، والتي ألقت بظلالها السلبية على الاقتصاد الإماراتي، ومن ذلك مثلاً ما طبقته الرياض من سياسات استثمارية جديدة أدت إلى تغييرات في قواعد الاستيراد، وبالتالي استبعاد السلع المصنوعة في المناطق الحرة من التعريفات المفضلة، وكذلك السلع التي تعتمد مدخلات إسرائيلية، هذا بالإضافة إلى تغييرات أخرى تخص الإعفاءات الضريبية والمقرات التجارية والاستثمارية الإقليمية.

ويرى خبراء، أن إطلاق المشاريع السعودية الجديدة ذات الميزانيات الاستثمارية الضخمة، بدأ في سحب البساط التجاري والاستثماري والاقتصادي عموماً من تحت يد جيران خليجيين في مقدمتهم الإمارات، فمشروع شركة طيران الرياض مثلاً، والمملوك لصندوق الاستثمارات العامة، سيغطي مائة وجهة سياحية خلال رحلاته عند التشغيل، من خلال أسطول طيران أولي قوامه 72 طائرة بوينج 787 دريملاينر، وهو ما سيزيد من الضغوط و المخاطر لدى شركات الطيران الإماراتية والقطرية، كما أن المشاريع السعودية العملاقة الأخرى مثل الفورمولا1، والجولف، ومشروع نيوم سيزيد من حجم التنافس مع الإمارات خاصة وأن الغالبية العظمى من هذه المشاريع هي في مقابل دبي، كما أن الأمير (محمد بن سلمان)، يبدو عازماً على تحويل المملكة لتكون المركز اللوجيستي الجوي والبحري الرئيسي لمنطقة الخليج، من خلال خطة إنفاق تزيد على 145 مليار دولار، وهو ما يزيد من حدة التنافس مع الإمارات باعتبارها دولة مركزية في مجال الأعمال والنقل بمنطقة الخليج. ويضاف إلى هذه التنافسية البحرية والجوية، جوانب أخرى تخص الاستثمارات الأجنبية؛ حيث طالبت الحكومة السعودية جميع الشركات الأجنبية العاملة داخل المملكة بإنشاء مقرات لها هناك ابتداء من 2021 وحتى 2024، وبحيث تنتهي أكثر من 450 شركة أجنبية من إنشاء هذه المقرات بحلول 2030، وفي ظل استحواذ الإمارات على أكثر من 75% من مقار الشركات الأجنبية الكبرى في الخليج، فإن الإجراءات السعودية الجديدة ستكون محل امتعاض إماراتي من منظور مالي واستثماري وفق تقديرات خبيرة. 

معطيات سياسية

وإلى جانب الشواهد الاقتصادية التي يتوقع المحللون أنها يمكن أن تسبب تباعداً في المسافات الدبلوماسية والاستراتيجية بين الرياض وأبو ظبي، يثير البعض جملة من الشواهد والاعتبارات السياسية التي يستنتجون من خلالها التوقع ذاته؛ فهم يتحدثون على سبيل المثال عن صراع الهيمنة السياسية بين الجانبين، وكيف أنهما يتنافسان في الكواليس ليس على تحقيق النفوذ السياسي داخل مجلس التعاون الخليجي فقط، وإنما داخل الأروقة والمسارات الإقليمية والدولية، كما يتحدثون كذلك عن التناقض الظاهر في الكثير من المواقف الخاصة بالسياسة الخارجية، ومن ذلك موقف الدولتين من وحدة الأراضي اليمنية، وأنه في الوقت الذي تحرص فيه الرياض على وحدة الشعب اليمني ووحدة أراضيه، فإن الإمارات انسحبت من تحالفها الأمني وغير الرسمي والمبرم مع السعودية في اليمن عام 2015، كما انسحبت عام 2019 من الحرب اليمنية، مع إبقائها على نفوذ عام مقنن في اليمن، ونفوذ خاص استراتيجي في مناطق الجنوب اليمني عبر استقطاب ما يعرف بــ (المجلس الانتقالي الجنوبي) والمدعوم بقوات عسكرية قوامها أكثر من 85 ألف جندي، إلى جانب امتلاك منشأة عسكرية في جزيرة سقطرى المهيمنة على مدخل خليج عدن، و قاعدة جوية في جزيرة(مايون) الواقعة وسط مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وذلك لحماية مصالحها البحرية والتجارية، وبينما فضلت المملكة العربية السعودية الدخول في دور (وساطة محايدة) لحل أزمة السودان الأخيرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو حميدتي، فإن أبو ظبي أخذت موقفاً متحيزاً لصالح الأخير وقوات الدعم السريع. 

ويرى المحللون أن التناقض الظاهر في العلاقة بين الرياض وأبو ظبي كان واضحاً في ملف التطبيع، ففي الوقت الذي تحفظت فيه المملكة العربية السعودية، سارعت الإمارات بإبرام أول اتفاقية تجارة حرة عربية مع إسرائيل، عملت بمقتضاها أكثر من ألف شركة إسرائيلية في المدن والمناطق الإماراتية، وبحيث وصل حجم التجارة المتبادلة بين الجانبين إلى أكثر من 2.5 مليار دولار بحسب تقديرات 2022، وهي الوضعية التي تضررت في ظلها العلاقات السعودية الأمريكية سياسياً واقتصادياً باعتبار الحرص الشديد الذي منحته إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) لملف التطبيع مع الدول العربية، ناهيك عن تأثير الوضعية ذاتها في عرقلة المطالب النووية والعسكرية والتقنية السعودية لدى واشنطن، مقابل صورة معاكسة تماماً للعلاقات الأمريكة الإماراتية؛ حيث استفادت أبو ظبي من اتفاقية أبراهام الإسرائيلية، في تعزيز تقاربها العسكري والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فأصبحت مشاركاً رئيسياً في العديد من العمليات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، ومن خلال خمسة آلاف جندي أمريكي تستضيفهم قاعدة الظفرة الجوية الإماراتية، تشارك أبو ظبي في دعم الأسطول الأمريكي الخامس الرابض في ميناء جبل علي، ومن خلال هذا وغيره، مهدت الإمارات للحصول من واشنطن على أكثر من 45 طائرة مقاتلة متطورة من طراز إف-35، وأكثر من 15 طائرة من طراز إم كيو-9 ريبر، وهي طائرات مقاتلة جديدة تدخل الخدمة للمرة الأولى في المنطقة العربية. 

بين الصدام والأمن 

والخلاصة هنا، أنه على الرغم من وجاهة الكثير من الآراء السابقة، والتي تؤكد اشتداد التنافسية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي بين الرياض وأبو ظبي، وبشكل يوحي باحتمالية راجحة للصدام أو التباين الحاد في المواقف وردود الأفعال مستقبلاً، على الرغم من وجاهة هذه الآراء والتحليلات، إلا أن أصحابها أغفلوا مجموعة من أهم العوامل الراسخة في بنية العلاقة الثنائية الجامعة بين هاتين الدولتين الكبيرتين في الخليج، وعلى رأس هذه العوامل إدارك القيادات السياسية في البلدين طبيعة الضرورات المشتركة التي تقتضي تماسكهما وتوافقهما للحفاظ على استقرار الأمن والنظام الداخلي المحلي، و كذلك الأمن والنظام الخارجي الإقليمي المحيط بهما، ومن ثم فإن هذا العامل الطاغي على إدراك الدولتين، يضع أمامهما الأولويات المعنية بوحدة المصير الأمني والوجودي كأولويات متقدمة وواجبة التقديم في أي وقت وأي مرحلة على ما سواها من أولويات أخرى تنافسية في التجارة أو الاستثمار أو الاقتصاد عموماً.

العامل الثاني هو رسوخ القناعات السياسية والأمنية والاستراتيجية لدى الدولتين، فيما يتعلق بالمخاطر والمهددات الأيديولوجية المتربصة بهما على المستوى الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعلهما شديدى الحذر من التورط في أي من ردود الفعل العنيفة أو الصدامية تجاه بعضهما البعض مهما كانت القضية محل الخلاف أو التعارض، وذلك خوفاً من انفراط عقد المجتمع الخليجي الكبير، وخضوعه لسيطرة أعدائه والمتربصين به.أما العامل الثالث، فهو قناعة الجارتين الخليجيتين بجدوى التنافس الاقتصادي والتجاري والاستثماري بينهما، في رفع سقف التطورات الحادثة في بنية الاقتصاد الخليجي ككل، وأن هذا التنافس، من شأنه تقوية شوكة الخليج في خصر مناوئيه الظاهرين و المستورين؛ لذا، فإن ميزان النظرة الأمنية الجامعة لمنطقة الخليج عامة، وللجارتين الخليجيتين الكبيرتين خاصة، يكون راجحاً على الدوام قياساً بميزان التنافس والتصادم؛ وما قيامهما باستشعار الخطر  المحيط بالبحرين والانتفاضة المفاجئة بها عام 2011، وتنشيطهما لقوة درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي، لدرء هذا الخطر، إلا دليلاً منطقياً على رجاحة هذا الميزان.

X