في الوقت الذي تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية ويشتد النقاش حول العدالة في الأجور، تقف الحكومة البريطانية أمام اختبار حقيقي قد يعيد تشكيل العلاقة بينها وبين ملايين العاملين في القطاع العام، فمن المعلمين الذين يحملون عبء إعداد أجيال المستقبل، إلى موظفي الصحة الذين يحمون حياة الملايين، تبرز تساؤلات ملحة حول ما إذا كانت زيادة الرواتب المقترحة بنسبة 2.8% كافية لتحقيق التوازن بين تطلعات العاملين وضغوط الميزانية الحكومية.
لكن خلف الأرقام تكمن قصص غضب النقابات، وتوتر العلاقة بين الجانبين، وتحديات استقطاب الكفاءات، ما يثير سؤالاً أساسياً: هل ستنجح هذه التوصيات في إنهاء الأزمات، أم أنها مجرد حل مؤقت يفتح الباب لمزيد من الصراعات؟
وفي التفاصيل، أوصت الدوائر الحكومية في بريطانيا بزيادة الرواتب بنسبة 2.8% لملايين العاملين في القطاع العام، بما يشمل المعلمين، موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، وكبار الموظفين المدنيين، بدءاً من العام المقبل.
وتأتي هذه التوصية مع توقعات بأن يبلغ معدل التضخم، الذي يعكس تغير الأسعار بمرور الوقت، متوسط 2.6% خلال العام القادم وفقاً لتقديرات الجهة الرسمية للتوقعات الاقتصادية في الحكومة.
ورغم هذه التوصية، وصفت نقابة «يونيزون» (Unison) الزيادة بأنها «بالكاد تغطي تكلفة المعيشة»، فيما قالت النقابات التعليمية إن هذه النسبة ستعمق الأزمة في استقطاب المعلمين والاحتفاظ بهم.
ومن المنتظر أن تُعرض التوصيات على الهيئات المستقلة لمراجعة الرواتب، لكن الحكومة أوضحت أن الوزارات ستتحمل تكاليف الزيادات المستقبلية بدءاً من عام 2025-2026 من ميزانياتها الخاصة، ولن يتم تخصيص أموال إضافية إذا تجاوزت الزيادات الموصى بها إمكانيات هذه الميزانيات.
وأكدت الحكومة أن على المسؤولين دراسة تغطية التكاليف الإضافية من خلال تحقيق وفورات أخرى أو تحسين الإنتاجية.
اقرأ أيضاً: ستارمر: لا تتوقعوا خدمات أفضل في عيد الميلاد!
وبعد وصولها إلى الحكم، وافقت حكومة حزب العمال على زيادات في الرواتب تفوق معدل التضخم للعاملين في القطاع العام لعام 2024-2025، مما أنهى إضرابات طويلة الأمد، ومع ذلك، وصفت الحكومة الوضع المالي الذي ورثته بأنه «صعب»، وأشارت إلى أن هذه القرارات تطلبت «مقايضات صعبة».
وصرحت «الجمعية الطبية البريطانية» (British Medical Association) بأن التوصيات لزيادة الرواتب لعام 2025-2026 «تعكس فهماً ضعيفاً للقضايا غير المحلولة» التي أدت إلى إضرابات استمرت لعامين، وحذرت من «خطر حقيقي» لتجدد الإضرابات إذا لم يتم معالجة ما وصفته بـ«تآكل الأجور».
أما البروفيسورة نيكولا رينجر، الأمينة العامة والمديرة التنفيذية لـ«الكلية الملكية للتمريض» (Royal College of Nursing)، فقد وصفت التوصيات بأنها «مسيئة للغاية»، مضيفة: «أخبرت الحكومة العاملين في التمريض اليوم أنهم لا يستحقون سوى جنيهين إضافيين في اليوم، وهو أقل من ثمن كوب قهوة».
وطالبت رينجر بربط الأجور العادلة بإصلاح هيكلي، داعيةً إلى بدء محادثات مباشرة لتجنب تصعيد النزاعات أو التصويت على الإضرابات.
وذكرت وزارة التعليم أن زيادة الرواتب بنسبة 2.8% ستساهم في الحفاظ على تنافسية رواتب المعلمين، على الرغم من الظروف المالية الصعبة، لكن «الاتحاد الوطني للتعليم» (National Education Union) اعتبر هذه الزيادة غير كافية على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: هل سينجح ستارمر بإقناع الخليج باتفاق تجاري؟
وأشار الأمين العام للاتحاد، دانييل كيبيد (Daniel Kebede)، إلى أن «رواتب المعلمين انخفضت بأكثر من خمس قيمتها الحقيقية منذ عام 2010، ما أثر سلباً على مستوى معيشة المعلمين وأضعف تنافسية التدريس مقارنةً بالمهن الأخرى».
هذا ويتعرض أكثر من مليون شخص مسنّ، ممن تجاوزوا عمر 66 عاماً، لضغوط مالية دفعتهم إلى الامتناع عن تناول بعض الوجبات، بينما يضطر الملايين إلى تقليص استخدام وسائل التدفئة وفقاً لدراسة أجريت مؤخراً.
وكشفت الدراسة أن حوالي 7 ملايين من كبار السن يختصرون ساعات تشغيل التدفئة أو يتوقفون عن استخدامها كلياً للتكيف مع المصاعب الاقتصادية، ما يشكل تهديداً خطيراً على صحتهم، وأشارت البيانات إلى أن ما يقارب 620 ألفاً من المسنين الذين يعانون من أمراض مزمنة يتجنبون تناول وجباتهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم أوضاعهم الصحية وزيادة الضغط على منظومة الخدمات الصحية الوطنية (NHS).