مع توقف الملاحة في قناة السويس ، جراء جنوح السفينة العملاقة “إيفر غيفن”، تسبب ذلك بتكلفة كبيرة لمعظم دول العالم، وذلك إثر عودة ناقلات عملاقة إلى ما يعرف بـ”مسار العالم القديم”.
والمسار القديم هو رأس الرجاء الصالح، أي أن السفن التفت حول قارة إفريقيا كلها من أجل الوصول إلى وجهاتها، وهذا يعني بكل بساطة: مزيد من التكاليف.
وكانت حركة الملاحة في قناة السويس قد توقفت، الثلاثاء، إثر جنوح السفينة “إيفر غيفن”، البالغ طولها 400 متر، وسدت بذلك الطريق أمام سلع نفطية وغير نفطية تقدر بنحو 10 مليارات دولار يوميا، كانت تمر عبر قناة السويس يومياً.
التجارة العالمية
على ضوء هذه الأهمية، فإن تبعات توقف الملاحة في قناة السويس هي أكثر قسوة على التجارة العالمية إذا تذهب التقديرات إلى أن الإغلاق يكلف أسبوعيا من 6 إلى 10 مليارات دولار حسب شركة التأمين الألمانية “اليانس”، كما أنه يضاعف أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج والوقود عدة مرات. ويدل على ذلك ارتفاع أسعار النفط بنسبة 6 بالمائة بعد أقل من 48 ساعة على حادث جنوح الناقلة.
ويشكل المرور عبر القناة 10 إلى 15 بالمائة من مجمل السلع التي تنقلها الحاويات إلى مختلف أنحاء العالم. وتضم السلع والبضائع المارة كل ما يخطر على البال من مصادر الطاقة والمواد الأولية والوسيطة والسلع الجاهزة والحيوانات الحية وغيرها. أما وجهتها الأساسية غربا فهي أسواق أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا. وعلى صعيد الوجهة شرقا فإن معظم السلع تتوجه عبر القناة إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ودول شرق وجنوب آسيا الأخرى.
ارتفاع تكاليف الشحن
وارتفعت تكلفة شحن الحاوية البالغة مساحتها 4.7 متر، القادمة من الصين لأوروبا إلى نحو 8 آلاف دولار، أي ما يعادل 4 أضعاف الرقم في العام الماضي، مما يعني بكل بساطة ارتفاعا في أسعار السلع الموجودة في هذه الحاويات.
وارتفعت تكلفة سفن “سويز ماكس” العملاقة التي تنقل النفط، إلى أكثر من 17 ألف دولار أميركي في اليوم الواحد، وهو الرقم الأكبر منذ يونيو 2020. وتواجه شركة “كاتربيلر” الأميركية، عملاق صناعة المعدات الثقيلة في الولايات المتحدة، تأخيرات في الشحن بسبب إغلاق قناة السويس، وتفكر مليا في الشحن الجوي إن لزم الأمر.
ومع الاحتمالات التي تشير إلى أن إغلاق الممر المائي قد يستمر إلى أسابيع، تدرس شركات شحن عديدة إعادة توجيه السفن إلى “رأس الرجال الصالح”، ما سيضيف 9650 كيلومترا إلى الرحلة، وتكاليف وقود تصل إلى 300 الف دولار إضافية، لكل رحلة قادمة من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
انقطاع سلاسل التوريد بسبب توقف الملاحة في قناة السويس
وانطلاقا من أن الصين أضحت أهم شريك تجاري لأوروبا بعدما أحتلت موقع الولايات المتحدة العام الماضي على هذا الصعيد، فإن ألمانيا توجد في مقدمة الدول المتأثرة والمتضررة من إغلاق القناة. بالنسبة إلى ألمانيا على سبيل المثال يقدر معهد الاقتصاد العالمي في كيل أن 8 إلى 9 بالمائة من صادراتها ووارداتها تمر عبر القناة. ويطال الضرر بشكل خاص العلاقات الاقتصادية مع الصين الذي أضحت اهم شريك تجاري لألمانيا. ويدل على ذلك أن ثلثي البضائع المتبادلة بين الطرفين يتم نقلها عن طريق السفن التي تمر عبر قناة السويس.
وعلى ضوء الخشية من إطالة أمد الإغلاق لأسابيع يخشى اتحاد الصناعات الألمانية من انقطاع سلاسل توريد المواد الصناعية والمعدات بشكل يؤدي إلى قلة عرض الكثير من السلع والخدمات التي تعتمد عليها كصناعة الأجهزة الإلكترونية والسيارات ووسائل الإتصال ومعدات الطاقات المتجددة ومواد غذائية. وقال هولغر لوش نائب المدير التنفيذي للاتحاد أن “السلاسل المتعثرة بين آسيا وأوروبا مهددة بالتوقف التام” مضيفا أن هذا “يمثل مشكلة خاصة لفروع الصناعة ذات الإنتاج المبرمج مثل صناعة السيارات”.
العالم العربي من أبرز المتضررين من توقف الملاحة في قناة السويس
غير أن العالم العربي سيكون إلى جانب أوروبا وتركيا من أكثر المناطق تضررا أيضا لأن الصين أضحت أهم أو أحد أهم الموردين إلى أسواق بلدان شمال أفريقيا وشرق المتوسط بنسب تتراوح بين 10 بالمائة كما في حالة المغرب وما يزيد على 18 بالمائة كما في مصر. وبالنسبة إلى دول الخليج فإنها تصدر قسما هاما من النفط والغاز المسال عبر القناة. وتذهب التقديرات إلى أن ما بين مليون إلى مليون ونصف برميل نفط يوميا تُشحن يوميا عبرها إلى الأسواق الأوروبية والتركية وأسواق دول أخرى.
غير أن المشكلة الأكبر لهذه الدول في اعتماد أسواقها بنسب تتراوج بين 20 إلى 30 بالمائة على السلع الاستهلاكية التي تستوردها من أوروبا وشمال أمريكا مرورا بقناة السويس. وفي حال طالت الأزمة وتم استهلاك مخزون المستودعات، فإن النقص في هذه السلع مسألة لايمكن تجنبها، ما يعني أرتفاع اسعارها وتراجع القوة الشرائية ومستوى معيشة الفئات التي تستهلكها.