“خشب العود” يتشكل عندما تُصاب أشجار العود بعطبٍ يسمح للعفن بأن يضرب أخشابها. وعندما تُحصد هذه الأشجار يتم فصل الأخشاب المعطوبة المصابة بالعفن والتي باتت داكنة اللون بشكل أكثر وتحتوي على المادة الصمغية العطرة، عن تلك السليمة التي تكون ذات لون شبيهٍ بلون الزبد، ولا تفوح منها أي روائح عطرية.
وهكذا تتكون تلك المادة الصمغية الثمينة التي طالما كانت مرغوبةً بشدة. وقد عُرِف “خشب العود” بلقب “ملك العطور”، وتم تداوله تجارياً على نطاق واسع في آسيا والشرق الأوسط. وتفيد سجلاتٌ من حقبتي حكم سلالتي سونغ وتانغ الحاكمتين قديماً في الصين، بأنه كان يشكل آنذاك سلعةً عالية القيمة بشكل كبير. بجانب ذلك، فقد كانت لرائحته العطرة التي تدير الرؤوس، صلاتٌ تاريخية بمعتقداتٍ وديانات مثل الإسلام والمسيحية والبوذية والطاوية.
وفي عام 2014 وصل سعر الكيلوغرام الواحد من القطع الصغيرة من المادة الصمغية الموجودة في “خشب العود”، والتي يتم تحويلها إلى أعواد ورقائق للبخور والعطور، إلى نحو 58 ألفاً من دولارات هونغ كونغ. أما القطع الخشبية الأكبر من هذا النوع من الخشب، والتي يصل حجمها إلى عدة أمتار، فتُباع باعتبارها منحوتاتٍ يدوية. وقد سبق أن حدد متجر “وينغ لي” سعراً بلغ مليوناً و200 ألف دولار من دولارات هونغ كونغ لإحداها، وكان يتخذ شكل قاعدة شجرة وجذعها. ويعتبر “واه” هذه القطع كبيرة الحجم بمثابة “أعمالٍ فنية”.
وتشكل مادة الراتنغ الصمغية التي توجد في “خشب العود” مادةً مرغوباً فيها بشكل خاص، نظراً لاستخدامها في إعداد العطور والبخور. ويتم تقطير راتنغ “خشب العود” لتحضير “زيت العود” الذي يمثل مكوناً رئيسياً من مكونات عطور راقية وباهظة الثمن مثل “عود رويال” الذي تنتجه شركة “آرماني بريفي” و”إم 7 أبسوليو” من شركة “آيف سان لوران”. ويُقدر سعر الكيلوغرام الواحد من العود بنحو 300 ألفاً من دولارات هونغ كونغ، وهو ثمنٌ باهظٌ يجعله يُوصف بـ”الذهب السائل”.
ولكن الطلب الهائل على “خشب العود” خلال العقود القليلة الماضية، أدى إلى أن تتأرجح “أشجار العود” في هونغ كونغ على حافة الانقراض.
ومن جهتها، تحاول مؤسسة “آسيا بلانتايشن كابيتال” (آيه بي سي)، وهي إحدى أكبر الجهات الآسيوية العاملة في مجال زراعة أشجار العود لأغراض تجارية، إنقاذ هذا النوع النباتي من الانقراض، عبر تشجيع إقامة مزارع “خشب العود” التي تتبع أساليب مستدامة، في هونغ كونغ ومختلف أنحاء آسيا. ويعتقد مسؤولو هذه المؤسسة بأنه لم يعد متبقياً سوى بضع مئات من أشجار العود في البرية في هونغ كونغ، رغم أن الحكومة المحلية لهذه المنطقة تزعم أنها تزرع منذ عام 2009 قرابة 10 آلاف شتلة من هذه الأشجار سنوياً.
لكن الاكتفاء بزرع مثل هذه الشتلات لا يضمن بقاء هذا النوع النباتي، نظراً لأن تلك الأشجار تستغرق عدة أعوامٍ لكي تصل إلى طور النضوج. أما الأشجار التي وصلت إلى هذا الطور بالفعل، فتواجه تهديداً أكبر يتمثل في من يمارسون عمليات الصيد الجائر.
وخلال العامين الماضيين، نفذ رجال الشرطة وعناصر إدارة الزراعة ومصايد الأسماك والحفاظ على الطبيعة في هونغ كونغ 35 مهمة ضد ممارسي أنشطة الصيد الجائر في المناطق التي تشكل بؤراً لهذه الأنشطة مثل مدينة ساي كونغ وجزيرة لانتاو والأجزاء الشمالية من منطقة “الأقاليم الجديدة”، وهي إحدى المناطق الرئيسية الثلاث في هونغ كونغ.
وفي الوقت الراهن، تخطط إدارة الزراعة ومصايد الأسماك والحفاظ على الطبيعة لتجربة إجراء رقابة إليكترونية عن بعد للأشجار ووضع كاميرات متصلة بدائرة تليفزيونية مغلقة في محمية “تاي بو كاو” الطبيعية الواقعة على الساحل الغربي لهونغ كونغ، بجانب زراعة عددٍ أكبر من الشتلات في مشتل “تاي تونغ” القريب من منطقة “يوين لونغ”.
وبينما يبدو من غير المرجح أن تؤدي زراعة المزيد من الشتلات في المتنزهات الموجودة في ريف هونغ كونغ إلى الحد من عمليات الصيد الجائر ذات الطابع الانتهازي، فإن زيادة اهتمام المستثمرين بمزارع “خشب العود” التي تتبع أساليب مستدامة ومتوافقة مع البيئة، قد يفضي إلى الحيلولة دون انقراض ما تبقى من الأشجار التي تُستخلص منها العطور في تلك المستعمرة البريطانية السابقة.
المصدر: بي بي سي