في ظل الانحدار غير المسبوق الذي يشهده الاقتصاد اللبناني، وتدهور الظروف المعيشية، يقف اللبنانيون اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: الطعام أم المأوى!
حيث أضحى الاقتصاد اللبناني على حافة الانهيار بسبب أزمة المديونية التي فاقمت من حدتها الأزمة السياسية وجائحة كورونا، ويصل حجم الدين العام أكثر من 150 بالمائة من الناتج الإجمالي، ليكون بذلك من أعلى معدلات المديونية في العالم، فيما يواجه اللبنانيون اليوم أزمات متلاحقة تبدأ من التوتر السياسي، إلى التدهور الاقتصادي، ولا تنتهي بكيفية حصولهم على لقمة العيش، لدرجة وصلت بالبعض بالتخلي عن عقاراتهم مقابل تأمين لقمة العيش.
نبيع عقاراتنا لنأكل!
يقول زياد (47 عاماً) في حديثه لـ “أرابيسك لندن”: “أمتلك شقة سكنية في منطقة شتورة، عرضتها للبيع حالياً بسبب ظروفي المعيشية السيئة، فعملي في القطاع التعليمي لا يؤمن لي مردوداً جيداً، لذلك أقدمت على بيع منزلي لتأمين احتياجاتي المعيشية اليومية”.
فيما تبين رقية (62 عاماً) أن مردود إيجار عقارها بات لا يكفي ثمن أدويتها وعلاجها، لذلك اضطرت إلى بيع العقار بأقل من ثمنه بنسبة 35%.
ويشير خبراء إلى أن معظم الراغبين بالشراء يبحثون عن عقارات لا تتعدى قيمتها 30% أو 40% عما كانت عليه سابقاً، مثلاً، شقة مساحتها 100م يتراوح سعرها اليوم بين 70 و100 ألف دولار، وذلك بحسب المناطق والميزات التي تتمتع بها، أما سعر المتر الواحد، فيتراوح بين 500 و700$ مقابل 1000 و1500$ في السنوات الماضية.
فرصة للمغتربين
من جهة أخرى، يقبل المغتربون اللبنانيون على شراء العقارات “اللقطة” كما يسمونها، فهي فرصة ذهبية للراغبين بشراء عقارات انخفض سعر بعضها إلى نحو 50%، حيث يتمكن الشاري اليوم من اقتناء عقارين بسعر عقار واحد، حتى في أرقى أحياء العاصمة بيروت.
لكن رغم الانخفاض الكبير، تبقى حركة البيع والشراء منخفضة نسبياً بسبب فقدان المغتربين ثقتهم ببلدهم وبفرصة خروجهم من الأزمة الاقتصادية.
ويرى محللون أن القطاع العقاري قطاع صحي يجذب الاستثمارات، والناس عادة تؤمن فيه كملاذ آمن، إنما في لبنان لا إيمان فلا ثقة بالدولة حالياً، لأن تنشيط هذا القطاع رهن تغيير المنظومة السياسية.
ورغم هذا الهبوط الذي تحقق، صار شراء الشقة أصعب على المواطن نظرا لارتفاع سعر صرف الدولار، وعدم تمكنه من شراء العملة الصعبة من السوق السوداء.
حالة من الركود
بالتزامن مع الانهيار القياسي التاريخي التي تسجله الليرة اللبنانية منذ العام الجاري، شهد القطاع العقاري حالة من الركود على الرغم من انخفاض الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وازدياد العرض بسبب إقبال المالكين على بيع عقاراتهم لتأمين متطلباتهم اليومية.
وتشير مصادر محلية إلى انخفاض أسعار الشقق إلى أقل من النصف في بعض المناطق، لكن هذا الانخفاض لا يعني قدرة اللبنانيين على التملّك لا سيما من يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية.
نفاذ احتياطي المصارف
تتسارع وتيرة صدور التقارير الدولية التي ترصد وتتناول الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، نظراً للتدهور الدراماتيكي الملحوظ، الذي بلغته الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة منذ نحو 3 سنوات، وتحمل تلك التقارير في معظمها نظرة تشاؤمية للمرحلة المقبلة على البلاد.
ويرفع من مستوى التشاؤم، مصير حتمي يتجه إليه لبنان، يثير مخاوف المراقبين فيه، يتمثل بنفاد احتياطات مصرف لبنان التي بلغت حد الـ 10 مليارات دولار، وفق أحدث ميزانية نشرها، بعدما كانت تتجاوز الـ 30 ملياراً مع بدء الأزمة، واتجاه المصرف المركزي نحو مزيد من التقشف في الدعم والتدخل في سوق الصرف، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية وامنية خطيرة على البلاد، التي تشارف على الانهيار التام، ويأتي ذلك وسط غياب أي خطة حكومية أو إجراءات رسمية من شأنها كبح الانهيار.