في ظل ما يشهده العالم من تحديات كبيرة ومتزايدة، أطلقت حكومة حزب العمال، (Labour Party) ممثلة بوزارة الدفاع المراجعة الشاملة لسياسة الدفاع التي تتبناها المملكة المتحدة. وتهدف هذه المراجعة الشاملة، إلى استكشاف السياسة الحالية، وتقييم جميع التهديدات الاستراتيجية التي من الممكن أن تواجهها المملكة حتى عام 2050.
في هذا الإطار، كلف كير ستارمر، (Keir Starmer) الرئيس السابق لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون (George Robertson) لقيادة هذه المراجعة الشاملة، نظراً لما يتمتع به هذا الشخص من معارف وخبرات كبيرة في هذا المجال، حيث إنه قد عمل أيضاً وزير دفاع في حكومة توني بلير (Tony Blair) الأولى.
من هذا المنطلق، بدأ روبرتسون باتخاذ كل ما يلزم للقيام بمراجعة شاملة، وذلك من خلال إرسال استمارة تحتوي على مجموعة من الأسئلة التي يصل عددها إلى 24 صفحة، وتوزعت في هذه الصفحات أسئلة عديدة إلى الخبراء والمختصين في مجالات كثيرة منها القوات المسلحة والأكاديميين.
إضافة إلى إعطاء، القطاع العام والخاص أهمية كبيرة في الإجابة على المراجعة الشاملة التي تسعى إلى الحصول على إجابات عديدة من مختلف الجهات، والتوصل إلى خطط تمكن المملكة المتحدة من توجيه قدراتها وتمويلها لمواجهة أية تحديات محتملة.
ومن أبرز الأسئلة، التي تضمنتها هذه المراجعة الشاملة هو كيفية دعم أوكرانيا في الحرب التي تحدث على أراضيها حتى عام 2027 وما بعد هذا العام بالإضافة إلى السؤال عن كيفية تعزيز الصناعات الدفاعية، إلى جانب أسئلة أخرى عن طرح أفكار تساعد على التطور والابتكار وزيادة الصادرات، نظراً لدورها الكبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية الاحتياجات المتزايدة في الصناعات الدفاعية.
كما تضمنت المراجعة الشاملة، سؤال عن الطرق التي بإمكانها تحسين ظروف الإقامة للقوات المسلحة وكيفية تأمين المسكن المناسب لهم بما يتوافق مع المعايير الحديثة بالإضافة إلى ذلك دفعهم إلى مراجعة تدريباتهم وتنظيم صفوفهم والاستعداد الكامل.
إلى جانب ذلك اشتملت أيضاً على استفسارات استراتيجية، تتمثل بالمقارنة بين وضع القدرات الدفاعية الآن في المملكة المتحدة وكيف ستكون عليه خلال السنوات القادمة.
وفي ضوء المراجعة الشاملة، أرفق روبرتسون رسالة معها يطلب منهم عدم التفكير فقط بما يحدث في أوكرانيا، بل على العكس من ذلك التفكير بجميع التهديدات، ولاسيما الهجمات الإرهابية في أوروبا بالإضافة إلى ما يحصل في الشرق الأوسط.
لينطلق روبرتسون، من إدراكه أهمية هذه المراجعة الشاملة ومدى الدور الكبير الذي تلعبه الأفكار المبتكرة التي سيطرحها المستجوبين وصولاً إلى التوصل لما يجب على المملكة المتحدة فعله.
لابد من التأكيد، أن المملكة المتحدة تقوم بهذه المراجعة الشاملة في وقت حساس للغاية وخاصة مع تزايد التهديدات وتصاعد وتيرة الحرب في أوكرانيا إلى جانب القلق الكبير الذي تشعر به مختلف دول أوروبا.
ونتيجة لذلك، كلف كير ستارمر اللورد روبرتسون في إنشاء خطة تمكنهم بحساب جميع الاحتمالات واتخاذ الاحتياطات اللازمة والوقوف في وجه التهديدات الدولية وصولاً إلى تحقيق الأمن والاستقرار.
بعد ذلك، تعهد حزب العمال على استمرار الدعم المطلوب بالإضافة إلى رفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بداية عام 2030. تجدر الإشارة أنه منذ الحرب في أوكرانيا عام 2022، لم تقف المملكة المتحدة تشاهد ما يحصل، بل قدمت مساهمات عسكرية تصل إلى 7.6 مليار جنيه إسترليني.
ليؤكد كير ستارمر، متابعة هذا الدعم العسكري لأوكرانيا وتقديم 3 مليارات جنيه إسترليني كل سنة حتى عامي 2030 و2031 والبقاء على ذلك حتى انتهاء الحرب.
ولكن ظهر شيء مثير للجدل، في أسئلة المراجعة الشاملة وهو سؤال طرحه روبرتسون مع الأسئلة الأخرى حول إمكانية إقامة شراكات استراتيجية مع حلفاء المملكة المتحدة والشركاء الدوليين، دون ذكر أي كلمة عن الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر هذا الأمر مثير للجدل، بسبب التصريحات السابقة التي أدلى بها وزير الخارجية ديفيد لامي (David Lammy) حول إمكانية عقد اتفاق أمني واسع النطاق ما جعل الناس يعتقدون بأن الاتفاق سوف يحصل مع الاتحاد الأوروبي.
ولابد من الإشارة، أن المملكة المتحدة تدرك بطريقة كبيرة أهمية هذه التحالفات الدولية ودورها البارز في التأثير على السياسة الدولية والإسهام في العمل على جعل الصناعات الدفاعية أفضل مما كانت عليه في السابق والاستفادة مما حصل في أوكرانيا من الضعف البارز في الدفاعات.
في النهاية، تمثل المراجعة الشاملة، خطوة استراتيجية هامة نحو النهوض بمستقبل المملكة المتحدة واكتساب مجموعة فريدة من الأفكار المتطورة والمبتكرة التي عند تطبيقها ستقودها إلى مراحل متقدمة من التطور والازدهار. واستناداً إلى ما سبق، تأمل الحكومة البريطانية بناء دفاع متميز لا مثيل له يضمن سلامة المملكة المتحدة لعقود طويلة.