واجه بنك باركليز (Barclays)، أحد أبرز المؤسسات المالية في المملكة المتحدة، انقطاعًا تقنيًا مدمراً استمر ثلاثة أيام (31 يناير – 2 فبراير 2025)، مما عطل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وتطبيق الهاتف المحمول، وأدى إلى فشل 56% من المدفوعات الإلكترونية.
الحادث، الذي تزامن مع يوم الدفع الشهري وموعد تقديم الإقرارات الضريبية، كشف عن ثغرات خطيرة في بنية البنك التحتية، وأثار تساؤلات حول جاهزية القطاع المصرفي لتحمل الضغوط التشغيلية.
فوضى في يوم الدفع
بدأ العطل فجر الجمعة 31 يناير، وتسبب في حرمان الملايين من العملاء من الوصول إلى حساباتهم، مما أدى إلى تعطيل معاملات أساسية مثل دفع الفواتير وشراء السلع أو إتمام صفقات عقارية.
وتزامن الانقطاع مع الموعد النهائي لتقديم الإقرارات الضريبية الذاتية لهيئة الإيرادات والجمارك الملكية (HMRC)، مما زاد من حدة الأزمة.
وأكد البنك في بيان رسمي أن 56% من المدفوعات الإلكترونية فشلت خلال هذه الفترة، مما دفعه لإعلان تعويضات تتراوح بين 5 إلى 7.5 مليون جنيه إسترليني للعملاء المتضررين.
اقرأ أيضاً: لماذا تفكر البنوك الأجنبية بالرحيل عن بريطانيا؟
أنظمة قديمة وصيانة غير كافية
أشارت التحقيقات الأولية إلى أن العطل نتج عن فشل في أنظمة الحاسب المركزي، والتي لم تعد مُحدَّثة أو مُصمَّمة لتحمل الضغوط التشغيلية في أوقات الذروة.
كما كشفت عن إهمال البنك في إجراء صيانة دورية واختبارات كافية لاكتشاف نقاط الضعف، مما جعل البنية التحتية عرضة للانهيار المفاجئ.
هذه ليست الحادثة الأولى؛ ففي عام 2018، واجه البنك انقطاعًا مشابهًا، وتكررت الأزمة في فبراير 2025 لمدة 24 ساعة، مع تعويضات بلغت 5 ملايين جنيه إسترليني.
اعتذار وتعهدات بالتحديث
أعرب بنك باركليز عن “أسفه العميق” للعملاء، متعهدًا بتحديث أنظمته التكنولوجية وتكثيف اختبارات الضغط لمنع تكرار الأعطال، مؤكداً أن “أولوياته هي حماية أموال العملاء واستقرار الخدمات”.
كما أشار البنك إلى أنه سيعيد تحديث أرصدة العملاء المتأثرين، مع ضمان عدم تعرض أي عميل لخسائر مالية.
لكن هذه الوعود تأتي في سياق تاريخ حافل بالانقطاعات؛ حيث سجل البنك 33 حادثة تقنية خلال عامين، مع تعويضات سابقة بلغت 5 ملايين جنيه، ليرتفع الإجمالي المتوقع بعد الحادث الأخير إلى 12.5 مليون جنيه.
باركليز في المرتبة الأولى بالانقطاعات
وفقًا لتقرير صادر عن لجنة الخزانة المختارة (Treasury Select Committee – TSC) في 6 مارس 2025، تواجه البنوك البريطانية أزمة انقطاعات غير مسبوقة، مع 158 حادثة فشل تكنولوجي خلال عامين (يناير 2023 – فبراير 2025)، تسببت في توقف الخدمات لمدة 803 ساعات.
وجاء بنك باركليز في المرتبة الأولى بـ33 انقطاعًا، تليه HSBC (32 انقطاعًا بتعويضات 200 ألف جنيه)، وNatWest (13 حادثة استمرت 194 ساعة).
وأشارت رئيسة اللجنة، ديم ميج هيلير (Dame Meg Hillier): إلى أن “فقدان الخدمات المصرفية في يوم الدفع يشكل كارثة للعائلات التي تعتمد على رواتبها”.
والجدير بالذكر، أن لجنة الخزانة المختارة، هي لجنة برلمانية تابعة لمجلس العموم البريطاني تراقب أداء البنوك البريطانية وتستجوب المسؤولين التنفيذيين فيها، مثلما حدث مع بنك باركليز بعد انقطاع الخدمات.
كما تصدر تقارير دورية تُقيّم فيها استقرار البنية التحتية التكنولوجية للقطاع المصرفي، وتطالب بإصلاحات لتفادي الأزمات.
اقرأ أيضاً: تغييرات كبرى قادمة لحسابات بنك (Nationwide) في بريطانيا
هل تستطيع البنوك تجنب الكوارث؟
أعادت الأزمة طرح أسئلة حول كفاءة البنية التحتية التكنولوجية للبنوك البريطانية، ففي عصر الاعتماد الكلي على الخدمات الرقمية، يبدو أن الاستثمارات في تحديث الأنظمة لا تزال دون المستوى المطلوب.
وتعليقاً على ذلك، يقول خبراء: “إذا لم تسرع البنوك في تبني تقنيات حديثة وآليات رصد استباقية، فستتكرر الأزمات، مما يقوض ثقة العملاء”.
إلى أين يتجه القطاع المصرفي؟
في ظل التحول الرقمي المتسارع، لم تعد الانقطاعات التقنية مجرد إزعاج عابر، بل باتت تهديداً لاستقرار النظام المالي.
ورغم تعهدات باركليز بالتحديث، يبقى السؤال: هل الإجراءات الحالية كافية؟ أم أن البنوك بحاجة إلى ثورة في استثماراتها التكنولوجية لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث؟