فور إعلان رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، عن دعوتها لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في حزيران/يونيو المقبل، بدأت الصراعات الانتخابية بين مختلف الأحزاب السياسية في بريطانيا.
وازدحمت وسائل الإعلام بتصريحات زعماء الأحزاب والسياسيين بمختلف أيدلوجياتهم، والتي بدت تحمل اتهامات وتراشقات للخصوم.
كما بدا واضحًا بروز تيارين أساسيين في هذه الانتخابات، الأول تيار المحافظين برئاسة رئيسة الحكومة، تيريزا ماي، والمدعومة من القصر الملكي وصقور “بريكيست”، والتيار الثاني المناهض للانفصال عن الاتحاد الاوروبي، بقيادة حزب العمال البريطاني والمدعوم من الاتحاد الاوروبي بمختلف هيئاته ومؤسساته.
وتوقعت العديد من وسائل الإعلام من خلال قراءة المقدمات – تصريحات زعماء التيارين- أن موسم الانتخابات البرلمانية، الذي بدأ مبكرا، سوف يشهد الكثير من الفضائح ولن يتوانى زعماء التيارين عن استخدام الأوراق كافة لربح المعركة، بما فيها سياسة الضرب تحت الحزام.
كما تشير المعطيات، التى تلوح في الأفق، إلى أن المعركة الانتخابية المقبلة سوف تكون هي الأشرس في تاريخ بريطانيا الحديثة، لكونها معركة تحديد مصير المملكة المتحدة بين اتجاهين “البقاء في الاتحاد الأوروبي، أو بريكست”.
هجوم صقور “بريكست”
ويقول الكاتب والمحلل السياسي البريطاني بصحيفة “ذى صن”، توماس روني، إن المعركة الانتخابية بدأت بشكل فوري عقب إعلان رئيسة الحكومة عن الانتخابات البرلمانية المبكرة، الثلاثاء الماضي، حيث أطلق زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربين، ضربة البداية، وأعلن يوم الاربعاء الماضي خلال مؤتمر صحافي أن حزب العمال سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بمنطق “البقاء أو الفناء”، لانتزاع السلطة من “الفاسدين” – في إشارة لحزب المحافظين- وإعادة السلطة والثروة ليد الشعب من جديد، موجهًا سيلًا من الاتهامات لخصومه من بينها “استغلال النفوذ لتوظيف أقاربهم في مؤسسات الدولة الحكومية، وتبديد المال العام، وتدمير بريطانيا عن طريق العمل على انفصالها عن قوة الاتحاد الاوروبي لخدمة مصالحهم الشخصية”، وغيرها من الاتهامات التى أثارت الخصوم السياسيين ودفعت بهم لرد الضربات للزعيم العمالي واتهامه في تصريحات إعلامية بـ”رعاية الفساد، والعمالة لصالح منظمات أوروبية دون أي اعتبار لمصالح بريطانيا”.
وفي هذا السياق، أكد زعيم حزب “استقلال المملكة المتحدة” المحافظ، والداعم بقوة للانفصال عن الاتحاد الاوروبي “بريكست”، بول نوتال، في تصريحات لصحيفة “ذي صن” البريطانية، الخميس، أن كوربين “عميل” للاتحاد الأوروبي ويتلقى تمويلًا من منظمات أوروبية “نافذة” لإجهاض مساعي انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي امتثالًا لرغبة الجماهير البريطانية، التى صوتت لصالح الانفصال “بريكست” في استفتاء حزيران/ يونيو الماضي، وهو ما يعد خيانة تستوجب التحقيق والمحاسبة.
وعلقت رئيسة الحكومة، تيريزا ماي، على اتهامات كوربين في تصريح لصحيفة “اندبندنت”، الخميس، بأنه كلام غير مسؤول من شخصية يفترض أنها “سياسية” وعليه أن يهتم أكثر بشؤون حزبه الذي “يعج بالفساد”، مضيفة: “نحن نعلم ذلك ولدينا الأدلة”.
وأعلن وزير الأشغال والمعاشات البريطاني والقيادي بحزب المحافظين، داميان غرين، في تصريحات لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن “كوربين وأعضاء جبهته يعيشون في وهم كبير وعليهم أن يراجعوا حساباتهم من جديد وتغليب مصلحة البلاد على مصالحهم الشخصية، بدلا من إلقاء الاتهامات على الغير، فنحن نعلم جيدا (بطحات رؤوس) زعماء حزب العمال والموالين لهم من الأحزاب الأخرى، ونملك ما يؤهلنا للعب بطريقته والضرب تحت الحزام، لكننا – زعماء حزب المحافظين- ملتزمون بأخلاقنا وتقاليدنا السياسية ومضطرين للصبر”.
حملة مناهضي “بريكست”
يشير الكاتب الصحافي ومسؤول الشؤون الأوروبية بصحيفة “اندبيندت”، بول ثورنهيل إلى أن حزب العمال البريطاني، الذي بدأ مبكرًا في قيادة تيار المعارضة المناهض لتيار المحافظين والمناهض بقوة لصقور “بريكست”، بدا مدعومًا إعلاميًا من الاتحاد الاوروبي – على الأقل حتى الآن- حيث خصصت مساحات لا بأس بها في برامجها المختلفة وصفحاتها لنقل تصريحات زعيم الحزب، جيريمي كوربين، بالإضافة إلى تصريحات مسؤولين بالاتحاد الأوروبي، انطلقوا منذ اللحظة الأولى لمساندة الزعيم العمالي وشنوا هجومًا ضاريًا ضد خصومه، حيث نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، الخميس، تصريحات عن رئيس البرلمان الأوروبي، انطونيو جاني، ألمح خلالها إلى فساد رموز التيار المحافظ، معتبرًا أن إصرارهم على الخروج من الاتحاد الاوروبي “بريكست” هدفه خدمة مصالحهم الشخصية وليس مصالح بريطانيا.
وقال أيضا إن “الاتحاد الاوروبي المستفيد الأكبر من (بريكست)، حيث ستكون بريطانيا مضطرة لدفع فاتورة الانفصال المقدرة بأكثر من 600 مليار يورو، وهو الرقم الكفيل بزعزعة الاستقرار الاقتصادي البريطاني، بالإضافة إلى حرمان لندن من مئات الاتفاقيات التجارية، ما سيجر عليها المزيد من الخسائر وهذا دليل على أن صقور (بريكست) لا يعملون لصالح بريطانيا وشعبها”.
والأمر نفسه تقريبًا أكده العضو بمركز الإصلاح الأوروبي، سيمون تيلفورد، الخميس، في تصريح لصحيفة “الباييس” الإسبانية، حيث ركز في حديثه على تأكيد إخلاص حزب العمال البريطاني وزعيمه في العمل على بقاء بريطانيا كقوة كبرى في الاتحاد الأوروبي والحفاظ على الاقتصاد البريطاني كسادس أكبر اقتصاد في العالم، وعدم تعريض البلاد للمخاطر، نتيجة الاستمرار في تنفيذ “بريكست” دون إدراك كامل من جانب المحافظين لمخاطر ذلك.
كما نوه الباحث بمعهد ايلكانو الملكي للأبحاث بأسبانيا، اغناسيو مولينا، في مقال حول مخاطر انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي “بريكست”، إلى الجهود التى يبذلها كوربين للحفاظ على تماسك بريطانيا في مواجهة شبح التقسيم، خاصة بعد أن أعلن سياسيون بإقليمي “اسكتلندا، وايرلندا الشمالية” سعيهم للانفصال عن بريطانيا.
وأشار إلى الأمر نفسه، العضو بمركز أصدقاء أوروبا، جيل ميريت، في مقال نشره مجلة “دير شبيغل” الألمانية، السبت، ساردًا تاريخ المساعي الاسكتلندية والإيرلندية للانفصال عن بريطانيا، بالإضافة إلى ضرورة أن تعمل إسبانيا على استعادة منطقة “جبل طارق” المحتلة من طرف بريطانيا.
أما الكاتب الصحافي المستقل، مايكل سيغالوف، فقد توقع في مقال مطول بصحيفة “اندبندنت” البريطانية، السبت، بعنوان “بإمكان كوربين الفوز بالانتخابات التشريعية إذا ما لم يشوه حزب العمال صورته”، من خلال المعطيات الأولية لأدوات المعركة الانتخابية، التى انطلقت مبكرا، أن يحمل موسم الانتخابات للجمهور البريطاني المزيد من “الفضائح” المثيرة لشهية القراء، وسيلقي كل طرف بما لديه من فضائح على صفحات الصحف البريطانية والأوروبية، خلال الشهرين القادمين، لحين إدلاء المواطنين بدلوهم في صناديق الاقتراع يوم الثامن من حزيران/يونيو المقبل، ليقرروا مصير بريطانيا في المستقبل، وفي أي طريق سوف نسير، إما الانفصال عن الاتحاد الاوروبي أو البقاء فيه، وسوف يقود الناجي من معركة تكسير العظام هذه، البلاد مدعوما بشرعية قوية تؤهله لقيادة بريطانيا خلال السنوات العصيبة القادمة.