يبدو أن بريطانيا تتمسك باللاجئين الفارين من الحروب والنزاعات في أوطانهم، عبر تهيئة شروط تدعم ازدهارهم الاقتصادي، وتوفر لهم البيئة اللازمة للاستقرار.
ومن بين الأنشطة الكثيرة الداعمة للاجئين تلك التي تقوم بها مؤسسة “آشلي كوميونتي هاوسينج” (Ashley Community Housing)، بالتعاون مع هيئة غرب إنكلترا، من خلال مساعدة الوافدين إلى المملكة المتحدة في تأسيس أعمالهم التجارية.
وكانت مؤسسة آشلي كوميونتي تأسست في العام 2008 بمدينة بريستول، واقتصر نشاطها على توفير سكن للاجئين الحاصلين على رخصة إقامة في بريطانيا مدة خمسة أعوام، لكن الهدف الأساسي الذي قامت عليه المؤسسة، هو كسر حلقة الفقر التي تحيط بالوافدين الجدد.
أيضاً لم تقف الأمور عند توفير سكن للاجئين، بل تعداه الأمر إلى التدريب على كيفية التعاطي مع بيئة الأعمال عموماً، والشروع بعمل تجاري في بريطانيا، حتى يكون الوافدين قادرين على التكيف والاندماج.
واستطاع حوالي 1800 شخص في العام 2023 وحده أن يحققوا النجاح في أعمالهم التجارية ويعيشوا حياة كريمة، بفضل النهج المرن للمؤسسة والذي يأخذ بعين الاعتبار الاستجابة للتحديات العالمية والمحلية كافة، عند تمكين اللاجئين.
وفي التفاصيل استطاع برنامج مؤسسة آشلي عبر نشاطه التراكمي، أن يجسد حقيقة أن بريطانيا تتمسك باللاجئين من خلال مساعدة حوالي 640 لاجئاً جاؤوا من 15 دولة على إيجاد عمل والتحول إلى عناصر فاعلة في حياة عائلاتهم والمجتمع البريطاني.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء اللاجئين كانوا عاطلين عن العمل قبل تدخل المؤسسة لأكثر من عامين ونصف، وهم في الغالب من أفغانستان، لكن هناك نسب أخرى من سوريا والعراق وأوكرانيا وإيران.
وفي ذات السياق استطاع هؤلاء اللاجئون المؤهلون أن ينهضوا بواقع العمل في حوالي 50 شركة متواجدة في “ويست ميدلاندز” وجنوب غرب انكلترا، ومن بين الإختصاصات التي عمل بها اللاجئون؛ شركة لصناعة الكروشيه، ومنصة للتجارة الالكترونية تبيع الملابس والاكسسوارات.
ومن الأعمال التي جعلت بريطانيا تتمسك باللاجئين وبرعوا فيها، العلاجات الفيزيائية الطبيعية والرياضية والوخز بالإبر الصينية، إلى جانب مشاريع بيع الأطعمة الشعبية المعروفة في العالم العربي.
من جانب آخر استطاعت النساء الوافدات إلى بريطانيا أن تسجلن حضوراً لافتاً في بيئة الأعمال، وتمكنت نماذج كثيرة منهن أن تفتتح مشروعها الفردي أو بالشراكة مع مجموعة من النساء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت مجموعة نساء من جنسيات مختلفة مشروعاً لبيع الملابس التراثية، وكانت المنتجات من سوريا والصومال والسودان وأفغانستان.
ومن الأمثلة اللامعة للاجئات تألقن في عالم الأعمال بالمملكة المتحدة، وجعل بريطانيا تتمسك باللاجئين وترفض عودتهم، مشروع خاص بالنساء اللواتي ينتجن المشروبات الطبيعية التي تعود أصولها لعدد من البلدان ويدخل في تركيبها مزيج من الورود والأعشاب والتوابل، وتألقت في هذا الجانب السيدة الصومالية فوزية اسماعيل، التي افتتحت ناديها الخاص للعشاء الصومالي ومشروع مجتمع الشاي المثلج في بريستول.
ومن القصص الملهمة للاجئين في بريطانيا، قصة علي الهليل من سوريا، الذي وصل الى بريطانيا بعد اندلاع الحرب في بلاده، وهو متقن لحرفة زراعة القمح والشعير والخضار، وكان أول شيء فعله علي عند وصوله الى بريطانيا التطوع في مزرعة “ويندمل هيل” (Windmill Hill City Farm) لتنمية معارفه بالتربة والمناخ في البلد الجديد، ومن ثم افتتح مشروعه الخاص الذي لاقى استحسان سكان بريستول، ليأخذ خطوته اللاحقة بجمع تبرعات لتطوير أدواته، وهو ما تحقق له بسهولة من خلال جمع مبلغ 6 آلاف باوند اشترى فيها معدات زراعية ووسع إنتاجه الذي ازداد الطلب عليه.
وفي سياق منفصل أعلن عدد من الدول الأوربية تعليق لجوء السوريين مؤقتاً، على خلفية سقوط نظام بشار الأسد، ومن بين هذه الدول إيطاليا وسويسرا وألمانيا وفرنسا والنمسا والسويد وحتى بريطانيا.
لكن وجهة النظر الأممية حول الموضوع كانت مختلفة، إذ دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، إلى الصبر واليقظة وإعطاء اللاجئين فرصة حتى يدرسوا خيارهم بالعودة، لا سيما أنهم كانوا قد غادروا البلاد قبل ثلاثة عشر عاماً، فليس بالأمر السهل اتخاذ قرار العودة في وضع ضبابي تشهده البلاد، فلا أحد يعلم حتى الآن إذا ما كانت البلاد ستدخل حالة من الفوضى أم لا.