أطلق وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي (David Lammy)، تحذيراً مباشراً إلى الرئيس الرواندي، بول كاغامي (Paul Kagame)، مؤكداً أن رواندا تعرّض مليار دولار من المساعدات الدولية للخطر بسبب مشاركتها في غزو جمهورية الكونغو الديمقراطية (Democratic Republic of the Congo – DRC)، وجاء ذلك خلال مكالمة هاتفية أجراها لامي مع كاغامي، عقب محادثة مع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو (Marco Rubio)، بشأن الأزمة المتفاقمة.
وأكد لامي أن رواندا تتلقى سنوياً أكثر من مليار دولار من المساعدات الدولية، بما في ذلك حوالي 32 مليون جنيه إسترليني من المساعدات الثنائية البريطانية، وأضاف: «كل هذه المساعدات باتت مهددة عندما تهاجم رواندا جيرانها. ولا يمكننا القبول بانتهاك سيادة الدول، سواء في أوروبا أو في أي مكان آخر في العالم. علينا أن نكون واضحين بشأن ذلك».
وتمثل تصريحات لامي تحولاً كبيراً عن السياسة البريطانية السابقة التي كانت أكثر دعماً لرواندا، حيث اتبعتها حكومات حزب العمال والمحافظين السابقة، بالإضافة إلى شخصيات مؤثرة مثل رئيس الوزراء الأسبق توني بلير (Tony Blair).
وعلى مدار سنوات، حظي كاغامي باحترام واسع في المحافل الدولية، حيث تم التغاضي عن سياساته الداخلية بسبب دوره في إنهاء الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 ومكافحته للأمراض.
واستولى متمردو حركة 23 مارس (M23) المدعومون من رواندا هذا الأسبوع على مدينة غوما (Goma)، عاصمة مقاطعة شمال كيفو (North Kivu)، في تصعيد خطير للنزاع الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد أكثر من مليون شخص منذ تجدده مؤخراً.
هذا وتتهم حكومة الكونغو الديمقراطية، إلى جانب الأمم المتحدة ودول مثل الولايات المتحدة، رواندا بتأجيج النزاع عبر نشر قواتها العسكرية واستخدام أسلحة ثقيلة داخل الأراضي الكونغولية لدعم متمردي حركة 23 مارس.
اقرأ أيضاً: وزير داخلية بريطانيا يحسم الجدل حول التطرف فماذا قال؟
ويرتبط أي تغيير في السياسة البريطانية تجاه رواندا باستجابة الأخيرة للمطالب الدولية بسحب قواتها من غوما، إلا أن من الواضح أن العلاقات الثنائية بين لندن وكيغالي لن تعود بسهولة إلى سابق عهدها.
برز كاغامي كحليف لحزب المحافظين البريطاني عندما وافق في عام 2022 على استقبال طالبي اللجوء الذين ترحلهم بريطانيا إلى رواندا، ولحماية هذا الاتفاق من الطعون القانونية، اضطرت بريطانيا إلى التغاضي عن سجل رواندا في مجال حقوق الإنسان واعتبارها «وجهة آمنة» لطالبي اللجوء، وآنذاك، وصف رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون (Boris Johnson)، رواندا بأنها «واحدة من أكثر الدول أماناً في العالم».
لكن وثائق كشفت أن وزارة الخارجية البريطانية كانت، في ذلك الوقت، تستعد لسيناريو اندلاع حرب بين رواندا والكونغو الديمقراطية، بينما كانت وزارة الداخلية البريطانية تطمئن النواب بأن رواندا بلد آمن.
لطالما نفى كاغامي تورط قواته في الشؤون الداخلية لجارته الأكبر أو دعمها لمتمردي حركة 23 مارس، متجاهلاً تقارير أممية متكررة تثبت هذا الارتباط، وفي هذا السياق، قال لامي للبرلمان البريطاني هذا الأسبوع: «نعلم أن متمردي حركة 23 مارس لم يكن بإمكانهم الاستيلاء على غوما دون دعم مادي من القوات الرواندية».
من جانبه، يزعم كاغامي أن رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي (Felix Tshisekedi)، يسلّح ميليشيا «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا» (Forces Démocratiques de Libération du Rwanda – FDLR)، وهي بقايا الميليشيا الهوتية المسؤولة عن الإبادة الجماعية عام 1994.
وحظيت هذه المزاعم بدعم من توني بلير، الذي ظل على مدى 15 عاماً يقدم استشارات لحكومة رواندا من خلال «معهد توني بلير» (Tony Blair Institute)، لكن هناك أبعاداً أخرى للصراع، إذ كشف المكتب الرواندي للمناجم أن عائدات تصدير المعادن الرواندية ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 1.1 مليار دولار عام 2022. وفي هذا الصدد، صرّح وزير المالية في الكونغو الديمقراطية، نيكولا كازادي (Nicolas Kazadi)، خلال مؤتمر لصحيفة «فاينانشال تايمز» أن هذه الثروة تأتي بوضوح من الكونغو الديمقراطية.
اقرأ أيضاً: لامي: مواجهة روسيا ضرورة والسلام في مهب الريح!
يعد النشاط المكثف لحركة 23 مارس في شمال كيفو مرتبطاً بالثروات المعدنية المدفونة في المنطقة، مثل الكولتان (Coltan)، والقصدير (Cassiterite)، والتنغستن (Tungsten).
وفي سبتمبر الماضي، صرحت بنتو كيتا (Bintou Keita)، رئيسة بعثة الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية، أمام مجلس الأمن قائلة: «إن تبييض الموارد الطبيعية للكونغو الديمقراطية وتهريبها إلى خارج البلاد يعزز الجماعات المسلحة».
وسيؤدي استيلاء متمردي حركة 23 مارس على غوما إلى تسهيل نقل هذه المعادن الثمينة عبر الحدود إلى رواندا.
وفي مجلس الأمن هذا الأسبوع، أكدت وزيرة الخارجية الكونغولية، تيريز كايكوامبا فاغنر (Thérèse Kayikwamba Wagner)، أن بلادها تواجه «عدواناً متعمداً ومنهجياً على دولة ذات سيادة، وانتهاكاً صارخاً للمبادئ التأسيسية لهذه المنظمة، وهجوماً غير مقبول على السلم والأمن الدوليين».