تناقلت مصادر إعلامية أنباء تفيد بأنّ بريطانيا تساعد نشطاء سودانيين بمبلغ 1.8 مليون جنيه إسترليني، وهو ما يقدّر بـ 2.3 مليون دولار، يتلقونها عبر منحة من المجلس الثقافي البريطاني (The British Council) لمنع نهب المتاحف الوطنية في السودان، نتيجة تأزم الأوضاع الأمنية في البلاد، واستمرار الحرب الأهلية.
اللافت في المنحة المقدمة أنها ممولة من دافعي الضرائب البريطانيين، وكانت مخصصة قبل بدء النزاع المسلح للحفاظ على عدد محدود من المواقع التراثية في السودان، ولكن الأولوية تبدلت مع اندلاع الحرب الأهلية، إذ اضطر المجلس إلى تخصيص المنحة لجهود منع نهب المتاحف الوطنية والمواقع الأثرية والتاريخية في السودان.
والتي تعرضت لعمليات نهب ممنهجة في جميع المناطق السودانية، وجرى بيع القطع المسروقة منذ بداية الحرب الأهلية في العام 2023 بطرق غير مشروعة في أسواق الآثار والمقتنيات الفنية غير القانونية.
وفي التفاصيل ذكرت ذات المصادر الإعلامية أن الآثار الموجودة في مناطق الأهرامات السودانية والمدن التاريخية، تعرّضت للنقل إلى أماكن مجهولة، وجرى إخفاء قسم منها لحين إتمام صفقات بيعها في ظل حالة فلتان أمني شبه كامل، أدت إليه الحرب المشتعلة منذ عامين تقريباً وأودت بحياة ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
بريطانيا تساعد حالياً في حماية التراث الإنساني في السودان، لاسيما بعد عمليات نهب وتخريب كانت تعرضت لها متاحف البلاد على نطاق واسع، لدرجة أنها تحولت لأحد مصادر الدخل غير المشروع الرائجة في البلد المتحارب، وشمل هذا العمل غير القانوني أغلب المواقع الأثرية في البلاد، بما فيها المواقع المرتبطة بالبعثات البريطانية التي جرى تحديدها في أيام الاحتلال البريطاني للسودان واستمرت بعده، وكانت حصلت على التمويل من المملكة المتحدة للاهتمام بها قبل الصراع الدائر في البلاد.
وفي تصريح للصحفيين، قالت “ستيفاني جرانت” (Stephanie Grant) والتي تشغل منصب مدير المجلس الثقافي البريطاني في السودان، إنّ أولوية المجلس الحفاظ على سلامة العاملين في فرق المشروع إلى جانب المشاركين، ونوهت إلى متابعة دقيقة للوضع الحالي، مع اعتماد المرونة كمبدأ أساسي للعمل، من خلال ضمان استمرار أنشطة حماية التراث بالتوزاي مع عاملي الإمكانية والأمان.
وأضافت جرانت بأن بريطانيا تساعد في حماية التراث الثقافي السوداني الذي يتعرض لتهديد حقيقي وخطير منذ اندلاع الصراع في البلاد، ودعت إلى ضرورة توحيد الجهود الدولية للدفاع عن التراث الإنساني والجوانب الثقافية في أوقات الحروب والأزمات.
ومن الجدير بالذكر أنّ التراث الثقافي في السودان يحظى بدعم بريطاني سابق للحرب الدائرة حالياً، إذ خصص المجلس الثقافي البريطاني في وقت سابق، لاندلاع الحرب الأهلية الحالية في إبريل 2023 مبلغ 997 ألف جنيه إسترليني لإنفاقها في العناية بمتحف خليفة بالعاصمة السودانية الخرطوم، ويضم هذا المتحف مقتنيات ترتبط بالتاريخ الإمبراطوري لبريطانيا.
ويدل تاريخ المتحف على هزيمة لحقت ببريطانيا على أرض السودان، ويعود تاريخ المبنى إلى كونه منزل القائد الإسلامي الذي حمل لقب الخليفة، لأنه تولى القيادة بعد الزعيم المسلم محمد أحمد، المعروف بالمهدي، الذي قاد الثورة السودانية المهدية على الاحتلال التركي المصري في السودان عام 1885، واستطاع تحرير الخرطوم بعد حصار طويل في معركة شيكان، وقتل الحاكم البريطاني للسودان في ذلك الوقت، وهو “تشارلز غوردون”، كما أنّ القائد السوداني توفي في العام ذاته ودفن في مدينة أم درمان التي جعلها العاصمة الجديدة للبلاد.
كما أنّ بريطانيا تساعد في إطار حماية التراث الحي في السودان، من عادات وتقاليد والعمل على توثيقها، في المتحف الإثنوغرافي في الخرطوم، ولكن الأوضاع الحالية حولت اهتمام القائمين على المشروع، لاسيما بعد نهب، منزل الخليفة والمتحف الوطني السوداني وإحراق متحف التاريخ الطبيعي، وتدمير متحف دارفور، وسرقة عشرات الآلاف من القطع الأثرية.
وبحسب الهيئة القومية للآثار والمتاحف في السودان، فإنّ من بين المسروقات قطع أثرية مرتبطة بمملكة كوش القديمة، ومقتنيات مرتبطة بالجنرال البريطاني غوردون، وبالنسبة لموظفي المجلس الثقافي البريطاني فقد غادروا الأراضي السودانية، دون أن ينقطع تمويل المجلس عن الخبراء السودانيين والمجتمعات المحلية، التي تتولى نقل القطع الأثرية والحفاظ عليها.
وأسهمت الجهود المبذولة في حماية المواقع الأثرية في كرمة وجبل البركل، ومتحف بورتسودان على الساحل، وموقع التراث العالمي في مدينة مروي الأثرية الموضوعة على قائمة اليونسكو، بسبب أهراماتها التي تعود إلى 2300 عام خلت.
ومن المشاريع المستمرة حالياً، متحف الأبيض، وأحد المواقع التاريخية الخاصة بالحرب المهدية التي جلبت بريطانيا إلى السودان في القرن التاسع عشر، ونوهت السيدة أماني بشير، التي تتولى إدارة متحف شيكان في الأبيض، إلى أهمية التراث السوداني المادي وغير المادي، بالنسبة للأجيال الحالية والمستقبلية، كونه يشكل مصدر فخر وهوية للمجتمع السوداني وينبغي الحفاظ عليه.