عندما تتخيل مزرعة، ربما تتخيل صفوفًا من الحقول تزخر بالمحاصيل لأميال حولها.
هذه أخبار قديمة. يعمل العلماء الآن على تطوير مزارع عمودية – حيث تُزرع النباتات على صواني فوق بعضها البعض في الداخل – مما يقلل من مقدار المساحة المطلوبة بشكل كبير.
قد يبدو مثل نوع المخطط الطموح الذي تجده في ضواحي المدن في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، ولكن هناك مثال رائد لهذا النوع من المزارع على وشك أن يتم بناؤه في المملكة المتحدة.
وتهدف الخطة إلى إلغاء استيراد الفاكهة اللينة والأعشاب والسلطات إلى البلاد في غضون عقد من الزمن. الأمر الذي يبدو جذريًا جدًا.
تتجه المملكة المتحدة لإنشاء أكبر مزرعة عامودية في ظل سعيها لتعزيز أنماط الزراعة العمودية التي ستضمن مستقبلًا واعدًا للزراعة، ولا سيما في وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة المشكلات المناخية.
وأبرمت شركة (One Farm) الهولندية المتخصصة في الزراعة المستدامة صفقة مع المملكة المتحدة لبناء مزرعة عامودية في المستودع المهجور بمقاطعة سومفولك، والذي سيُحوَّل إلى مزرعة للخضار الورقية.
في حين تستعد شركة جونز لافتتاح مزرعة عامودية ثانية في جلوستيرشير بعد أن انتهت من تدشين الأولى في لينكولنشاير عام 2019 بدعم من مجموعة أكادو.
وقالت الشركة: إن مزرعتها العمودية في منطقة (Lydney) ستكون الأكبر على مستوى العالم، وستُفتتَح الخريف القادم.
شركة جونز الغذائية تستعد لافتتاح أكبر مزرعة عامودية في العالم
وتعتمد الزراعة العمودية على زراعة المحاصيل ضمن منشآت مكونة من عدة أدوار، في حين توفر مصابيح (LED) مصدرًا حيويًّا للضوء بالنسبة إلى المحاصيل التي تنمو وفق شروط الزراعة المائية (حيث تُغذَّى النباتات عبر مغذيات سائلة في وسط خالٍ من التربة).
وتمتلك شركة (one Farm) تبلغ مساحة مزرعة عامودية في نيو ماركت نحو 6400 متر مربع، وتسعى المزرعة إلى إنتاج 3145 طنًّا من الخضار الورقية والأعشاب والخضراوات التي تُستخدَم في السلطة، وستعمل المزرعة على زيادة قدرتها الإنتاجية بمقدار 1000 طن آخر.
أما بالنسبة إلى المزرعة التي تنشئها شركة جونز فستكون ضعف حجم مزرعة (One Farm) في نيو ماركت.
وفي هذا السياق قالت ميرا ميريمي مديرة شركة (One Farm): “إن الاستثمار في تكنولوجيا إنتاج الغذاء أمر أساسي لتحسين الأمن الغذائي في المملكة المتحدة والتقليل من الاعتماد الكبير على الاستيراد”.
وأضافت: “إن المملكة المتحدة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على استيراد المنتجات الغذائية”؛ فهي تستورد نحو 80 في المئة من السبانخ بسبب الطقس، وقد انخفض إنتاج الغذاء في فرنسا وإسبانيا بنسبة 40 في المئة بسبب الطقس هذا العام”.
“ليس هناك شك في أن النقص المرتقب في الغذاء قد أصبح وشيكًا، وما تتحدث عنه الصحف مجرد لمحة مما سيحدث. إن الحاجة إلى الطعام أصبحت هائلة حقًّا”. ويمكن للزراعة العمودية أيضًا إطالة عمر المحاصيل.
قال جيمس لويد جونر مدير شركة جونز للأغذية: “بموجب الزراعة العمودية نستطيع زراعة المحاصيل في منشأة تتكون من 17 دَورًا، ومن ثَمّ فإن مساحة كل فدان واحد ستنتج 17 ضعفًا، وكذلك لا نحتاج إلى استخدام المبيدات الحشرية ويقل استخدامنا للمياه بنسبة 95 في المئة، لذا فإن النباتات لا تستهلك مساحات شاسعة، إضافة إلى استهلاكها كميات أقل من الهواء”.
وتقول ميرمي: “إن شركة (One Farm) ستزرع المحاصيل في أوعية قابلة لإعادة التدوير، وستُغذَّى النباتات بالمياه المعاد تدويرها أيضًا، وبهذه الطريقة فلا حاجة إلى المبيدات الحشرية، ولا داعي للاعتماد على البذور المعدلة وراثيًّا، وستُضبَط درجات الحرارة والإضاءة قدر الإمكان باستخدام الطاقة المتجددة”.
الزراعة العمودية توفر المساحات وتقلل انبعاثات الكربون
“نحن نعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، أعلم أننا لم نصل إلى ذلك بعد لكنه أصبح قريبًا، فنحن لا نستخدم الجرارات، ونوزع منتجاتنا في أماكن قريبة، فلسنا بحاجة إلى استخدام الوقود”.
وعلى الرغم من النظرة العالمية تجاه شركة (One Farm)، فإن التركيز بشكل أساسي ينطوي على القطاع المحلي، وتخطط الشركة لإنشاء 25 مزرعة عمودية في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وستساهم هذه المنشآت في إطعام جميع السكان القريبين من المزارع وتوظيفهم.
إن زراعة المحاصيل ضمن منشآت مغلقة تعني تجنيب النباتات الطقس المتقلب، حيث تعمل مصابيح (LED) على تعديل طيف الضوء لتعزيز القيمة الغذائية للنباتات.
وعلى الرغم من جودة الزراعة العمودية وإنتاجيتها، فإن ميرمي تؤكد أنها لا تستهدف القضاء على الطرق التقليدية للزراعة.
وقالت ميرمي بهذا الصدد: “نحن نقدم نوعًا آخر من الزراعة التي تعتمد على التكنولوجيا، لكن هدفنا في الواقع هو إنتاج أغذية عالية الجودة وبأسعار معقولة مع عدم إلحاق أي ضرر بالبيئة”.
وأضافت: “نظرًا إلى أن الزراعة تؤثر تأثيرًا غير مفهوم في تغير المناخ، فنحن بحاجة ماسة إلى تغيير الطريقة التقليدية للإنتاج الزراعي، والابتعاد عن الأنماط الزراعية التي تؤدي إلى إنتاج الكربون”.