منذ أن فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وهو يخرج ويدلي بخططه التجارية والسياسية التي سيعمل على تطبيقها خلال فترة حكمه، وعلى الرغم من حالة الصداقة التي تجمع المملكة المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن سياسة ترامب التجارية ستؤثر على هذه العلاقات بعد وضع بريطانيا في حالة التهديد التجاري.
مجموعة من المخاوف تؤرق حكومة حزب العمال التي يقودها ستارمر بعد وصول ترامب للرئاسة، لم تكن على رأس هذه المخاوف أوكرانيا التي يعدها الرئيس الأمريكي حرب خاسرة أقحمت فيها أمريكا ومن معها نفسها، فعقلية رجل الأعمال لا تقبل الدخول بحرب استنزاف ولا تدعم بلد دون معرفتها المسبقة بالغنائم أو الفائدة.
وقد تصدرت قائمة هذه المخاوف الرسوم الجمركية التي تحدث عنها دونالد في حملته الانتخابية، وتوعد فيها بفرض هذه الرسوم بمقدار 60% على الواردات من الصين، و10% إلى 20% للواردات من الدول الأخرى، هذا القرار سيضع الاقتصاد البريطاني على المحك في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها المملكة المتحدة، من انكماش في الاقتصاد وبطء في النمو.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة، لذا سيكون لقرار الرئيس الأمريكي وقع كبير على هذا الاقتصاد، وللحرب الاقتصادية الكبرى بين أمريكا والصين سيكون ضحيتها بريطانيا، إذ ستؤثر هذه الحرب على سلاسل الإمداد.
العديد من الجهات الحكومية الاقتصادية تحاول أن تطمئن بأن الأكور مع ترامب ستكون على ما يرام، لكن كيف؟
أكدت وزارة المالية أن الأمور ستكون على ما يرام حتى بعد تسلم ترامب وخططه الاقتصادية التي ينوي تنفيذها، هذا ما يفسر محاولة إقناع دونالد بعدم ضرر شريكه الاقتصادي على مدى قرون، وأن هذه الحرب الاقتصادية ستكون نتائجها كارثية على الجميع، في المقابل قد تكون هذه القرارت ورقة ضغط على الصين لخفض إعاناتها الحكومية.
أما وزارة الأعمال والتجارة تطرح حلاً مماثلاً لما سيقوم به ترامب، أي فرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية، وخاصة وأن الاتحاد الأوروبي يمثل ثالث قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة والصين، أي اتخاذ اجراءات انتقامية لتحث الرئيس الأمريكي على السبيل السياسي في حل الأمور الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: حظر السجائر الالكترونية وقوانين صارمة في 2025
لكن ما هي الحلول المتوفرة أمام حكومة ستارمر؟
يقول محللون اقتصاديون أنه على الحكومة البريطانية اللجوء لفك الترابط الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وخصوصاً بعد البريكست، نظراً إلى موقف ترامب من الاتحاد الأوروبي الذي يعبر عن عدم محبته لهذا الاتحاد، أي عدم اتخاذ مواقف اقتصادية معادية للولايات المتحدة بسبب الاتحاد الأوروبي، بالرغم من التخوف من أن المراهنة على هذه الصداقة بين بريطانيا وأمريكية لن تكون ذات قيمة لدى ترامب.
وبالنظر إلى الموازنة التي طرحتها راشيل ريفز تشير إل انخفاض النمو في المملكة المتحدة، إذ يعد هذا الانخفاض الأقل منذ سنتين، ولم تسجل المستوى المقدر من نسبة الـ2.5 في المئة التي يريدها ستارمر، لذا ستكون الرسوم الجمركية التي سيطبقها الرئيس الأمريكي كارثية على موازنة بريطانية، مع هامش تحرك صغير، إذ أن الإخلال بالموازنة التي تضعها وزيرة المالية سيشكل انتكاسة للاقتصاد البريطاني وبالتالي اللجوء لفرض مزيد من الضرائب، وقد تصل لمرحلة التقشف التي وعدت راشيل ريفز بعدم العودة إليها.
هل ستشكل العلاقات الطيبة بين ترامب والعائلة المالكة ورقة مساومة لحكومة ستارمر؟
الجميع يعرف بالعلاقات الطيبة التي تجمع بين ترامب والعائلة المالكة البريطانية، لذا قد يلجأ ستارمر لاستغلال هذه العلاقات لصالح بريطانية، ويبدو أن ستارمر كان يتوقع عودة ترامب للبيت الأبيض، وأن له جولة حكم أخرى في أمريكا، لذا حاول ستارمر مد جسور الثقة معه ومع الجمهوريين، وكان قد تواصل ديفيد لامي وزير الخارجية مع جي دي فانس النائب المقبل للرئيس، لذا تعد هذه خطوة جيدة، لكن ماذا إذا تذكر ترامب لانتقادات لامي له؟
كان قد انتقد لامي بتصريحات سابقة له دونالد، ووصفه ذات مرة بأنه “عنصري” على غرار الأعضاء في كو كلوكس كلان” و”متعاطف مع النازية” و”كاره للنساء”، وعلى الرغم من ذلك، كان لامي حاضراً في عشاء ضم ستارمر إلى دونالد في برج ترمب في سبتمبر (أيلول)، عندما قيل إن الرئيس المقبل قال لرئيس الوزراء: “أنت ليبرالي، لذلك لن نتفق على الدوام لكن يمكننا العمل معاً”.
وفي النظر إلى طريقة الحكم نحن أمام شخصيتين متناقضتين، بين ستارمر وترمب، فالأول ملتزم بالقانون الدولي والمؤسسات المتعددة الأقطاب، والثاني من المرجح أن يكون منفلت في ولاية ثانية وأخيرة، وخاصة وأن ترامب راعى في تشكيلة حكومته الثانية أن يضع أشخاص يشاركوه نفس النظرة السياسية والاقتصادية، على عكس حكومته الأولى التي ضمت نظرات سياسية واقتصادية متنوعة، وهذا ما يفضي بنا للتساؤل حول دور إيلون ماسك في مجريات الاقتصاد الأمريكي حتى لو لم يكن ضمت تشكيلة حكومة الرئيس الأمريكي، ماسك المعروف عدم وفاقه مع ستارمر.
كما سيتوجب على ستارمر في محاولة توطيد علاقاته بالرئيس الأمريكي مراعاة الحياد عند انتقاد حزب العمال لتصرفات ترمب المثيرة للجدل أو تصريحاته الشائنة، أي تقديم مصلحة البلاد على الحزب.
تعامل الحكومة البريطانية مع الرئيس الأمريكي المنتخب ستشوبها العديد من العراقيل والتحديات التي ستقع محمل حلها على بريطانيا، لذا ستشكل فترة حكم ترامب ضغطاً غير قليل، والأيام القادمة ستكشف كيف ستتعامل حكومة حزب العمال مع هذه التحديات.
اقرأ أيضاً: هل يتواسط نايجل فاراج للحكومة البريطانية أمام دونالد ترامب؟