السعودية
تحالف بريكس الاقتصادي وتطلعات المملكة العربية السعودية.. الرهانات الصعبة والحلول البديلة!!
نشر
منذ 7 أشهرفي
349 مشاهدة
By
Baidaفي ظل التطورات والأحداث المتلاحقة والمتأزمة على الساحتين الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى اعتبارات الأوضاع الداخلية المرتبطة بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية داخل دول العالم، دائمًا ما تظهر الحاجة الماسة إلى عقد التحالفات وتشكيل الكتل الاقتصادية والتجارية.
وهو ما يترتب عليه تفكير جدي من قبل قادة العالم في استغلال وتوظيف ذلك من أجل تحقيق المصالح العليا والاستراتيجية لبلادهم، خاصة مع ما تتيحه تلك التحالفات من فرص واعدة على مستوى الشراكات المتبادلة التي لا تقتصر فقط على النواحي الاقتصادية، وإنما تتعداها إلى مجمل الجوانب الأخرى الرامية إلى تعزيز وحدة الاتجاهات والسياسات والآليات الخاصة بإدارة الوضع الدولي والإقليمي، ومواجهة تحديات الهيمنة والنفوذ التي تفرضها القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من الناحية العسكرية والأمنية، أو من ناحية القرارات الأممية والفيتو.
وهو تماماً ما تكوَّن على أساسه تحالف بريكس المتطور، وهو تحالف متعدد الأقطاب والدول، تقوده روسيا والصين، وتعده المملكة العربية السعودية من بين الفرص الواعدة لتحقيق بعض أهدافها الإصلاحية والاستراتيجية على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية ضمن سياقات السياسة والاقتصاد والأمن، إلى جانب أهداف أخرى، ستوضحها السطور القادمة.
كتب: محسن حسن
فكرة تحالف بريكس
ظهرت الفكرة الأساسية لتحالف بريكس لأول مرة عام 2001 على يد البريطاني جيم أونيل (Jim O’Neill) وهو كبير الاقتصاديين والرئيس السابق لشركة جولدمان ساكس الأمريكية لإدارة الأصول المالية والمصرفية، وهو أيضاً وزير خزانة سابق في بريطانيا، وذلك عندما طرح مصطلح (BRICs) خلال إحدى دراساته الاقتصادية المعنونة (بريكس وبناء أفضل للاقتصادية العالمية)، ومع انتشار هذه الدراسة وارتباط المصطلح بالتحليلات الاقتصادية المعمقة لدى دوائر صنع القرار الاقتصادية والمالية والأكاديمية والإعلامية، وجدت فكرة المصطلح طريقها للتنفيذ عام 2006 في صورة تحالف رباعي يسمى (بريك) مكون من البرازيل وروسيا والهند والصين.
وبناءً على ذلك، اعتمدت هذه الدول المفهوم الاقتصادي والتجاري للمصطلح ضمن سياساتها الخارجية، وبعد دورتين من اجتماع القمة لهذا التحالف، شهد عام 2011، انضمام جنوب أفريقيا ليصبح التحالف خماسياً ويضاف إلى (بريك) حرف خامس فيصير المصطلح هو (بريكس)، وحتى النصف الأول من العام 2006، لم يكن (بريك) يعبر وقتها سوى عن استعداد أربع دول للتحالف، حيث لم تكن توجد أية آليات تنفيذية، وهو ما تغير ابتداءً باجتماع وزراء خارجية هذه الدول على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث والعشرين من سبتمبر 2006، عندما بدأ العمل بشكل جماعي كتكتل وليد متماسك ومتداخل في أحداث المشهد الدولي.
اقرأ أيضًا: محددات السياسة النفطية الراهنة للسعودية في ميزان الاقتصاد والأمن والتحالفات الدولية.. المغزى وسؤال المرحلة!!
تطور بريكس
بتأمل تطور بريكس منذ القمة الأولى المنعقدة في مدينة يكاترينبورج الروسية في السادس عشر من يونيو عام 2009، والقمة الخامسة عشر المنعقدة مؤخراً في مدينة جوهانسبرج الجنوب أفريقية في الثاني والعشرين من أغسطس 2023، نستطيع القول بأن هذا التحالف يعتمد بالدرجة الأولى على إضفاء نوع من المؤسسية الجماعية المستمدة من سيادة القرار السياسي الموحد بين دوله وأعضائه، فمن المعروف أن هذا التكتل لا يمتلك حتى اللحظة ميثاقاً رسمياً، كما أنه لا يمتلك أمانة تنظيمية ثابتة تدير شؤونه، إضافة إلى فقدانه التمويلات المالية المخصصة لأنشطته، ومن ثم، يعد القرار السياسي هو الركيزة الأساسية حتى الآن في جماعية القرارات والتوجهات الصادرة عن (بريكس)، ولكن للحق يجب التأكيد هنا على وجود نتائج إيجابية حققها التحالف لأعضائه حتى الآن.
فعلى سبيل المثال، لم تمض القمة الثالثة للتحالف، حتى نجح أعضاؤه في التأسيس لحوار توافقي مؤثر عالمياً، و خاصة فيما يتعلق بقضايا جدول الأعمال الدولي، وفي المقدمة منها قضايا الاقتصاد والتمويل والمشاريع المشتركة في مجمل القطاعات الحيوية والاستراتيجية كالقطاع الزراعي والطاقي والتكنولوجي، وقد تصاعد الناتج المحلي لدول البريكس، من 9% من إجمالي الناتج المحلي العالمي عام 2003، إلى 14% عام 2009، ثم إلى 18% عام 2010 وبواقع 11 تريليون دولار أمريكي، ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي للتحالف، يتجاوز الناتج الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية وكذلك للاتحاد الأوروبي، وحالياً وبعد اتساع رقعة بريكس الجغرافية والجيوسياسية والاقتصادية بانضمام إثيوبيا وإيران ومصر والإمارات والسعودية بداية العام الحالي 2024، أصبح التحالف يهيمن على أكثر من 28.5% من إجمالي الناتج العالمي، بالإضافة لاستحواذه على 20% من حجم التجارة الدولية، وقرابة الــ 25% من مساحة اليابسة، أي ما يشكل أكثر من 44% من سكان الكوكب، وهو ما يمنحه حراكاً مالياً قوامه أكثر من 20 تريليون دولار أمريكي.
اقرأ أيضًا: بين حصاد 2023 وانطلاقة 2024 تحولات سعودية واعدة في الاقتصاد والسياسية والاستراتيجية
ترحيب سعودي
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإنها رحبت بدعوة بريكس للانضمام، وأصبحت بالفعل ضمن التحالف بداية من يناير الماضي 2024 إلى جانب كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات.
وبالطبع، يأتي هذا الترحيب السعودي في إطار الإدراك العميق الذي تملكه القيادة السياسية في المملكة لطبيعة المتغيرات الاستراتيجية المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية، بالتزامن مع اشتداد الصراع الدولي على النفوذ والهيمنة الشاملة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، الأمر الذي رأت معه الرياض في تحالف بريكس بداية لإصلاح النظام التجاري الدولي متعدد الأطراف، وضرورة المساعدة على خلق بيئة مواتية للتجارة العادلة.
ومن جهة أخرى، فإن تكتل بريكس، يلعب دوراً كبيراً في تعزيز الأنظمة المالية لأعضائه و دعم عملاتهم المحلية مقابل هيمنة الدولار في الأسواق التجارية المختلفة، من خلال (بنك التنمية الجديد) الذي هو (بنك بريكس للتنمية) سابقاً، والذي يساهم عبر رأس ماله المكتتب به، والبالغ أكثر من 45.5 مليار دولار، في تعزيز الجنوب العالمي وزيادة الجودة في أسواق رأس المال المحلية للدول الأعضاء، وتمويل محفظته و رفع معدلات قروضه للتنمية والمناخ بعيداً عن الدولار، كما حدث مع جنوب أفريقياً، والتي ستمول مشاريع بنيتها التحتية باليوان الصيني.
وتجدر الإشارة هنا، إلى قيام مجموعة بريكس بتخصيص احتياطي مالي للطواريء قوامه 100 مليار دولار سائلة بالعملة الأجنبية لخدمة الأعضاء وتعزيز أوضاعهم الاقتصادية حال حدوث أية اضطرابات مالية عالمية.
وقد كان للصين دور كبير في توسيع نطاق بريكس بالشكل الحالي؛ فبعد أن عارضت موسكو هذا التوسع على مدار أكثر من عشر سنوات، نجحت بكين في إقناعها بأهميته في التعاون مع الدول النامية وفي دعم التنمية والسلام العالمي، كما ساهمت العلاقات الدافئة بين الرياض وبكين في إقناع الأولى بالانضمام والترحيب به بعد فترة من التقييم والدراسة.
جدوى المجازفة
ومن جهة أخرى، يجسد الانضمام السعودي لتكتل بريكس، حيزاً كبيراً من الواقع الجديد الذي تشهده العلاقات الدولية من إحلالات وإزاحات متغيرة بين القوى الدولية والإقليمية، وخاصة ما يتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية، والتي تشهد حالة من الجفاء والجمود منذ مجيء الإدارة الراهنة بقيادة (جو بايدن) والتي تعد الإدارة الأمريكية الأقل التزاماً بأمن الخليج قياساً بإدارات سابقة؛ بحيث وجدت القيادة السعودية في الانضمام للتكتل الجديد المنافس لأمريكا والغرب، تحرراً واجباً من القيود الأمريكية والغربية التي يتم التعاطي من خلالها بسلبية واضحة مع كافة المطالب السعودية الملحة على المستوى الاقتصادي والعسكري والأمني، ومن ثمن فقد أيقنت الرياض بجدوى المجازفة بتجاوز الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عبر الانضمام لبريكس الذي تقوده روسيا (العدو اللدود لواشنطن) إلى جانب الصين (المنافس الاقتصادي الأقوى لأمريكا)، خاصة مع تعاظم الطموحات السعودية، والتي تتطلب تكثيف الجهود وإيجاد البدائل الاقتصادية المناسبة لمواصلة الإصلاح الشامل.
وليس أدل على جدوى وإيجابية المجازفة السعودية هنا، من أن الانضمام لبريكس هو انضمام لكتلة اقتصادية تتفوق على مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى من حيث الإسهام في الاقتصاد العالمي وفق تعادل القوة الشرائية لعام 2023؛ ففي حين بلغت نسبة إسهام مجموعة الــ7 30%، كانت نسبة إسهام بريكس هي 32%، مع توقعات بأن تشكل الكتلة الجنوبية نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبقيمة إجمالية تقريبية تقدر بــ 30 تريليون دولار أمريكي.
اقرأ أيضًا: الأنشطة الاقتصادية غير النفطية تحقق أعلى مستوى لها بتاريخ المملكة العربية السعودية
مسار النفط
وعلى صعيد آخر، كان المسار النفطي من بين أهم المحاور التي وضعها المخطط السعودي في مخيلته عند اتخاذ قرار الانضمام لبريكس، خاصة وأن التحالف وفق توسعه الأحدث، أصبح يسيطر على أكثر من 79.9% من احتياطيات النفط العالمية، كما أنه أصبح يمتلك كبار منتجي النفط الخام على المستوى الدولي، وهم روسيا والسعودية وإيران والإمارات، جنباً إلى جنب مع استحواذه على الطرفين الدوليين الأكثر والأثقل استيراداً للنفط وهما الهند والصين، مع العلم أن الصين حالياً هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي وحدها تمتلك أكبر مخزون نفطي في العالم يصل إلى مليار برميل من النفط الخام، في حين تبرز الهند كخامس أكبر الاقتصادات الصاعدة والأسرع نمواً في العالم، والصين والهند يمثلان أكبر الشركاء التجاريين للمملكة العربية السعودية.
وهذه التركيبة النفطية والاقتصادية والتجارية المتجانسة والمتكاملة ضمن بريكس، ستعزز الخطط الاقتصادية السعودية، وتمنح الاقتصاد السعودي آليات أكثر ديناميكية في تكييف مصالحه وموارده وميزانياته، هذا بالإضافة لتحقيق مصالح أخرى، تتمثل في إيجاد الحلول للمشكلات الطاقية ضمن سياق الاجتماع السنوي المخصص لأمن الطاقة في دول البريكس، ومواصلة رفع معدلات وقيم الاقتصاد غير النفطي؛ حيث تدرك المملكة أهمية توظيف عضويتها في هذا التحالف كأداة فعالة من أدوات تعزيز التعاون الاقتصادي مع باقي الأعضاء، خاصة مع امتلاكها صناديق كبيرة للثروة السيادية تتيح فرصاً كثيرة للاستثمار في الاقتصادات المزدهرة لأعضاء البريكس، ومن ثم تنويع المحفظة الاستثمارية السعودية النفطية وغير النفطية.
اقرأ أيضًا: السعودية : تحولات اقتصادية متسارعة.. فلماذا على المستثمرين الانتباه؟
رهانات صعبة
وعلى الرغم من أن القيادة السعودية درجت خلال العقد الأخير على إكساب نفسها مهارات اجتياز أية تحديات تقف في طريق الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة في كافة القطاعات الحيوية، مهما كان حجم هذه التحديات، إلا أن عضوية بريكس على مستوى التطلعات الخاصة بالمملكة العربية السعودية خلال السنوات القادمة، ستتطلب نوعاً من القرارات الوازنة التي يمكن اعتبارها من قبيل الرهانات الصعبة الموجبة للتدقيق في جميع الخطوات والإجراءات المتخذة ضمن سياق بريكس، وخاصة تلك المتعلقة بطبيعة التوجهات السياسية لزعماء التحالف، وفي المقدمة منهم روسيا.
أي أنه سيكون على الرياض أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية وفق براغماتية خلاقة، بالتزامن مع بذل المزيد من الحذر تجاه توجهات بريكس السياسية المناوئة لأمريكا والغرب، وبحيث تكون الأولوية السعودية منصبة على الإفادة من البراغماتية الاقتصادية دون التورط في سجالات وآليات المواجهات السياسية الماسة بالعلاقات المتأزمة بين القوى الدولية والقطبين الأقرب للتنافس والصراع، ونعني هنا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم، يتوقع أن تعتمد السعودية نهجاً اقتصادياً بحتاً ضمن تحالف الجنوب العالمي، مع التمحور حول أولوياتها التاريخية في دعم الاستقرار الدولي وفق المباديء الأممية، وعدم التدخل في الشؤون السياسية لكافة الأطراف، أو الانخراط في أية أعمال من شأنها إثارة النزاعات والصراعات مع الأطراف داخل أو خارج بريكس، وهو النهج المثالي الذي يمكنه منع تعريض علاقات المملكة مع الدول الغربية للخطر، مع تحقيق الأهداف واقتناص الفرص التي توفرها عضوية هذا التحالف في نفسه.
اقرأ أيضًا: مساعٍ لتعزيز العلاقات بين المملكة المتحدة والكويت
حلول ومكاسب
وبشكل إجمالي، يعد البحث عن الحلول البديلة والمكاسب الخادمة للأهداف الوطنية السعودية، هو الحافز الأكبر الذي يقف وراء الترحيب السعودي بالانضمام لتحالف بريكس، بداية من الحصول على قيم ومعدلات اقتصادية أعلى من حيث التبادل التجاري مع الدول الأعضاء، و تعزيز النمو الاقتصادي وتنويع الاقتصاد، إلى جانب جذب الاستثمارات و رؤوس الأموال والتكنولوجيا والخبرات والمهارات والمعارف إلى السعودية، ما يدعم خطط التنمية وآليات التحول الصناعي.
غير أنه لا يمكن اعتبار الانضمام السعودي لبريكس من قبيل المكاسب الحصرية للسعودية وحدها دون التكتل ذاته؛ إذ أن المكاسب متبادلة؛ فإذا كانت الأولى ستصل من خلال العضوية إلى تعزيز الأمن الغذائي، وتكامل الأسواق، وتطوير التجارة الإلكترونية، وتقليل التكلفة، فإن الثاني اجتذب إليه أكبر الاقتصادات العربية ممثلاً في عضوية المملكة التي زاد ناتجها المحلي السنوي عام 2022 على تريليون دولار، وامتلكت من الاحتياطيات الضخمة من الذهب والعملات الأجنبية ما يزيد على 690 مليار دولار أمريكي، إلى جانب احتياطيات نفطية مؤثرة في استقرار سوق الطاقة العالمية، تزيد على 265 مليار برميل، إضافة لما تمتلكه السعودية من قدرات إنتاجية في صناعة البتروكيماويات تقدر بأكثر من 69 مليون طن سنويا، وكل هذا وغيره، يمنح بريكس ثقلاً ودعماً مالياً قوياً، وبالتالي فإن المصالح متبادلة والمكاسب مشتركة بين الجانبين على كافة المستويات والصعد.
ورغم أن النهج السعودي كما سبقت الإشارة، سينصب داخل بريكس في الغالب على النواحي الاقتصادية، إلا أن العضوية الجديدة ستتيح بعض المصالح السياسية أيضاً؛ حيث ستتعزز العلاقات السياسية والدبلوماسية السعودية من خلال هذه العضوية، وهو ما سينعكس إيجابياً على طبيعة التعاطي مع كافة القضايا الإقليمية والدولية، وخاصة قضايا المناخ والأمن ومكافحة الإرهاب، ونزع السلاح ومنع الانتشار النووي، كما أنه في ظل الخبرات الدولية الراهنة، ستستطيع القيادة السعودية تحويل بريكس إلى نافذة مشرعة في اتجاه زيادة نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي.
اقرأ أيضًا: السعودية تستقبل 100 مليون سائح خلال 2023: كم استفادت اقتصادياً من إنفاقهم؟
خلاصة
وفي الختام، لم يقل أحد أبداً بأن مهمة بريكس كتكتل اقتصادي واستراتيجي شامل ــــ يقف على النقيض من أهداف الهيمنة الأمريكية والأوروبية ـــــ ستكون سهلة أو بسيطة، فهذا ليس وارداً على الإطلاق، ربما لعقود قادمة، خاصة في ظل حاجة التحالف إلى آليات ملزمة واتفاقيات شراكة صارمة في تحقيق الأهداف المنشودة من ورائه، ولعل اتفاقيات التجارة الحرة الخاضعة حالياً للتدقيق والتفاوض بين مجلس التعاون الخليجي وكل من الصين والهند، تشكل ــ حال إتمامها وتوقيعها ـــ النقلة النوعية التي ستضع تحالف بريكس على أول الطريق نحو إرساء مكوناته وأركانه وفق آليات تطبيقية وميدانية وواقعية، ربما يترتب عليها لاحقاً اكتشاف حاجة ماسة إلى المزيد من الانفتاح المتبادل بين أعضائه، وهو الانفتاح الذي سيتطلب آليات مرنة بين الأعضاء تساعد في إزالة الخلافيات الأيديولوجية والمصالحية التي تعكر صفو العلاقات البينية بينهم من حين لآخر، كما هو الحال مثلاً بين مصر وأثيوبيا، والصين والهند، والسعودية وإيران، وهكذا، ولكن في كل الأحوال، ستشكل المملكة العربية السعودية حجر الزاوية في أي تغيير مستقبلي إيجابي قد يطرأ على هذا التحالف.