في وقت تتزايد فيه التوترات العالمية ويتغير فيه وجه الحروب بفعل التكنولوجيا، أعلنت بريطانيا عن قرار جريء يهدف إلى إعادة تشكيل قوتها العسكرية.. سفن قديمة تُحال إلى التقاعد، ومروحيات خدمت لعقود تُودّع السماء، بينما تنتظر البلاد وصول معدات حديثة تُواكب تطورات العصر، قرارٌ يوازن بين الحاجة إلى اقتصاد أكثر كفاءة وضرورات الأمن القومي، لكنه يُثير جدلاً حول تأثيراته على قدرات الدفاع البريطاني.
وفي التفاصيل، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن خطة لتوفير 500 مليون جنيه إسترليني من خلال تسريع التخلص من معدات عسكرية قديمة، وتشمل هذه الخطوة إلغاء عدد من السفن والطائرات بدون طيار والمروحيات، بالرغم من التحذيرات التي تشير إلى تزايد التهديدات العالمية.
وكشف وزير الدفاع البريطاني جون هيلي (John Healey) أمام مجلس العموم أن بعض المعدات، التي تتجاوز أعمارها 50 عاماً، سيتم إخراجها من الخدمة قبل موعدها المحدد، ورغم ذلك، أشار منتقدون إلى أن هذه الخطوة قد تضعف القدرات الدفاعية لبريطانيا في ظل التوترات الدولية المتصاعدة وضغوط التمويل المستمرة منذ أكثر من عقد.
وأوضحت البيانات أن المعدات التي سيتم التخلص منها تشمل سفينتان هجوميتان برمائيتان HMS Albion وHMS Bulwark، وفرقاطة من طراز Type 23: HMS Northumberland، وناقلتا وقود RFA Wave Knight وRFA Wave Ruler، وطائرات بدون طيار من طراز Watchkeeper WK450 Mk1، و14 مروحية CH-47 Chinook، و17 مروحية Puma.
كما صرحت وزارة الدفاع بأن السفينتين HMS Albion وHMS Bulwark كانتا في حالة استعداد منخفضة ولم يكن من المخطط أن تُستخدما قبل موعد تقاعدهما، ورغم ذلك، كانت تكاليف صيانتهما تبلغ ملايين الجنيهات سنوياً، أما الفرقاطة HMS Northumberland، فقد اكتُشف ضرر هيكلي فيها أثناء عمليات الإصلاح، ما جعل إصلاحها غير مجدٍ اقتصادياً.
وسيتم استبدال السفن المُلغاة بفرقاطة جديدة من طراز Type 26 وسفن دعم متعددة المهام، ومع ذلك، لن تدخل هذه السفن الخدمة قبل سنوات عدة، أما المروحيات من طراز Puma، فسيتم استبدالها بمروحيات Airbus H-145 في عام 2026، في حين سيتم استبدال مروحيات CH-47 Chinook بطراز H-47(ER) في العام التالي، ولم يتم حتى الآن الإعلان عن بديل لطائرات Watchkeeper.
وأكد هيلي أن هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه العالم حرباً في أوروبا، وتزايد الضغط العسكري الروسي، وصراعات في الشرق الأوسط، وتغيرات في طبيعة الحروب نتيجة التكنولوجيا، وأضاف أن التغييرات تأتي بدعم من قادة القوات المسلحة.
من جهته، قال جيمس كارتليدج (James Cartlidge)، وزير الدفاع في حكومة الظل، إنّ حزب العمال يعتبر أن إلغاء هذه القدرات يأتي في وقت يتزايد فيه خطر التهديدات على بريطانيا، كما أشار منتقدون إلى أن الفجوة الزمنية بين التخلص من المعدات القديمة ودخول البدائل الجديدة قد تُضعف القدرة العسكرية للمملكة.
وصرح الجنرال السير رولي ووكر (Gen Sir Roly Walker)، رئيس هيئة الأركان العامة: «لقد شاركت في العديد من المهام باستخدام طائرات CH47 وPuma، وسأفتقدها لكن كل معدات الحرب يجب أن تُحال للتقاعد في نهاية المطاف».
أما الأدميرال السير توني راديكين (Adm Sir Tony Radakin)، رئيس هيئة الأركان الدفاعية، فقال: «تسريع التخلص من المعدات القديمة هو النهج المنطقي للتركيز على الانتقال إلى قدرات جديدة تعكس التكنولوجيا والأساليب الحديثة، كما أنه يساعد في اتخاذ قرارات صعبة لتخفيف الضغوط المالية الحالية».
وقال ماثيو سافيل (Matthew Savill)، مدير العلوم العسكرية في معهد الخدمات الملكية المتحدة: «معظم هذه المعدات كانت قريبة من نهاية عمرها الافتراضي أو في حالة استعداد منخفضة، لكن حقيقة أن وزارة الدفاع لا تستطيع تشغيلها أو تضطر إلى إلغائها لتحقيق وفورات محدودة على مدى خمس سنوات تعكس حجم الضغوط المالية التي تواجهها الوزارة حالياً».
هذا وأكدت وزارة الدفاع أن هذه التغييرات ستساعد في تحقيق أهداف المراجعة الاستراتيجية للدفاع، والتي تدرس حالة القوات المسلحة الحالية، والتهديدات التي تواجهها بريطانيا، والقدرات المطلوبة لمواجهتها. وأضاف هيلي أن التوفير سيُعاد استثماره في مجال الدفاع، وسيتم إعادة تدريب أو نشر جميع الأفراد المتأثرين.