رغم فشل تجارب الإطلاق في 2016 و2024، وزيادة الضغوط المالية الناتجة عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة المتحدة، إلا أن برنامج الصواريخ النووية “ترايدنت – Trident” لا يزال الركيزة الأساسية في الردع النووي البريطاني، ويشكّل تهديداً مثيراُ للقلق بالنسبة لروسيا في معادلات الردع النووية العالمية.
ما هو “ترايدنت”؟
برنامج “ترايدنت”، يتألف من 4 غوّاصات “إتش إم إس فانغارد – HMS Vanguard”، و”فيكتوريوس – Victorious”، و”فيغيلانت – Vigilant”، و”فينغينس – Vengeance”، كل منها قادرة على حمل 16 صاروخاً باليستياً مزوّداُ بـ12 رأساً نووياً لكل صاروخ.
ويمكن لغوّاصة واحدة فقط أن تطلق 192 رأساً نووياً دفعة واحدة، وهو ما يعادل القدرة على “إبادة 40 مدينة روسية”، بحسب ما نقلت صحيفة تلغراف – telegraph البريطانية.
كما يجب على إحدى هذه الغواصات أن تكون دائماً في مهمة بحرية لضمان الجاهزية في أيّ وقت، وهو ما يُعرف بمبدأ “الردع المستمر في البحر”، الذي يُعد أحد أركان السياسة الدفاعية البريطانية.
قبل أيام، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر – Keir Starmer خلال مراسم عودة سفينة “إتش إم إس فانغارد” إلى المملكة المتحدة بعد أكثر من 200 يوم في البحر: “أعتقد أن الأعداء يُقدّرون قدراتنا. المهمّ بالطبع هو إدراكهم لما هي عليه قوتنا، وهي جديرة بالثقة”.
اقرأ أيضاً: تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن الخطط الحكومية عبر منحة رودس
مشاكل مالية وتقنية
دخلت الغواصات المستخدمة حالياً في برنامج “ترايدنت” إلى الخدمة في التسعينيات، ما يعني أنها تجاوزت عمرها الافتراضي المقدّر بنحو 25 عاماً، لكن البحرية البريطانية قررت تمديد خدمتها إلى حين دخول غوّاصات “المدرعة البحرية” (Dreadnought) الجديدة الخدمة بعد 10 سنوات.
إضافة إلى العمر الطويل، فقد سجّل برنامج “ترايدنت” حالات فشل في اختبارات إطلاق الصواريخ، أبرزها في عامي 2016 و2024، ما أثار تساؤلات حول موثوقية النظام، كما أن البرنامج يستهلك حوالي 6% من ميزانية الدفاع البريطانية المقدّرة بنحو 3 مليارات جنيه إسترليني سنوياً، ما يجعله مشروعاً مكلفاً جداً.
إلا أن المشكلة الأبرز وفقاً لصحيفة تلغراف تكمن في اعتماد بريطانيا على الولايات المتحدة الأمريكية لتصنيع وصيانة الصواريخ ما يثير مخاوف حول الاستقلالية الاستراتيجية البريطانية، خاصّة مع الرغبة الأوروبية بتحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري، في ظل احتدام العلاقات مع إدارة ترامب حالياً.
ما هي مواصفات البرنامج؟
رغم التحديات التي يواجهها “ترايدنت”، يرى الكاتب بصحيفة تلغراف شون رايمنت – Sean Rayment، أن قدرات البرنامج النووي الصاروخي البريطاني وقدراته التدميرية الهائلة تشكّل مصدر قلق كبير لروسيا، خاصّة أن الصواريخ قادرة على الوصول إلى أهداف ضمن موسكو، خلال 30 دقيقة فقط.
كما أن الحجم الجغرافي الكبير لروسيا وضعف دفاعاتها الجوية يجعل من المستحيل عملياً صد هجوم بالصواريخ الباليستية من غواصات “ترايدنت”.
إضافة إلى ذلك، فإن سلاحاً بهذا الحجم يُجبر موسكو على إعادة حساباتها عند اتخاذ أي خطوات استفزازية تجاه الغرب، لأن الكرملين يعرف أن غوّاصات “ترايدنت” ليست مجرد غوّاصات، بل هي “شبحٌ نووي” يجوب أعماق البحار ويثير مخاوف أعداء بريطانيا، بحسب تلغراف.
ولتعزيز قدرات الردع، تستعد بريطانيا لتطوير أسطولها بإدخال فئة جديدة من الغوّاصات تحت اسم (Dreadnought)، والتي تتميز بتكنولوجيا متقدمة تجعل اكتشافها أصعب، مما يعزز قدرتها على البقاء في البحر لفترات أطول، لكن هذا الانتقال لن يحدث قبل عام 2035، وبتكلفة تصل إلى31 مليار جنيه إسترليني.
اقرأ أيضاً: غزة تلهب شوارع لندن ومنصاتها الإعلامية بعد القصف الإسرائيلي عليها
تجربتان فاشلتان
في بداية 2024، أجرت البحرية البريطانية تجربة باءت بالفشل لإطلاق صاروخ “ترايدنت 2” من متن غوّاصة “فانغارد” للقوات البحرية البريطانية.
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام بريطانية حينها فإن الصاروخ الذي لم يكن مزوداً برؤوس قتالية، انطلق بنجاح، لكن معزز المرحلة الأولى من الصاروخ لم يشتغل، وسقط الصاروخ في المحيط بالقرب من الغوّاصة التي أطلق منها.
وجرت التجربة حينها بالقرب من سواحل ولاية فلوريدا الأمريكية، وكان من المخطط أن يقطع الصاروخ مسافة 6 آلاف كلم ليصل إلى النقطة المحددة لها في جنوب المحيط الأطلسي.
وكانت تلك ثاني تجربة فاشلة للبرنامج، حيث انفجر صاروخ “ترايدنت” بعد إطلاقه أثناء التجارب عام 2016، عندما تم إطلاقه من غواصة “فينغينس”.
يذكر أن قيمة الصاروخ تُقدّر بحوالي 17 مليون جنيه استرليني، ونُفِذ آخر إطلاق ناجح لصاروخ من هذا النوع في بريطانيا عام 2012 أثناء تدريبات للقوات البحرية.
ورغم العقبات المالية والتقنية، إلا أن بريطانيا تعوّل بشكل كبير على برنامج “ترايدنت”، ليس فقط للدفاع عن المملكة، ولكن أيضاً لتعزيز مكانتها في المشهد الجيوسياسي العالمي.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تتقدم في أوكرانيا بعد تراجع ترامب!
اقرأ أيضاً: بعد انسحاب ترامب.. بريطانيا تتحالف مع الصين!