أعلن رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر (Sir Keir Starmer)، عن تعديلات جديدة في سياسة مدفوعات وقود الشتاء، بعد أن فقد أكثر من 10 ملايين متقاعد في المملكة المتحدة هذه المدفوعات نتيجة تغيير شروط الأهلية في العام الماضي.
وتأتي هذه الخطوة، استجابة للانتقادات الحادة والضغوط السياسية المتزايدة التي طالت ستارمر خلال الأسابيع الأخيرة.
وأكد ستارمر، خلال جلسة مساءلة رئيس الوزراء في مجلس العموم، أن الحكومة تنوي خفض الحد المالي الذي يحدد أهلية المتقاعدين للحصول على مدفوعات وقود الشتاء، بهدف تمكين “عدد أكبر من المتقاعدين” من استرداد هذه المدفوعات.
ورغم هذا الإعلان، لم يتم تحديد تفاصيل دقيقة حول عدد المستفيدين المحتملين أو الموعد المحدد لبدء تطبيق هذه التعديلات.
وأشار ستارمر إلى أن هذه التغييرات سيتم إدراجها ضمن ميزانية الخريف المقبلة، مشدداً على أن الحكومة ستنفذ “فقط القرارات التي تكون قادرة على تحمل كلفتها”.
ماهي مدفوعات وقود الشتاء؟
أطلقت مدفوعات وقود الشتاء عام 1997 بهدف ضمان قدرة المتقاعدين في المملكة المتحدة على تدفئة منازلهم خلال الأشهر الباردة.
وتمنح هذه الدفعة سنويًا للأسر التي تضم متقاعدًا، وعادةً ما تدفع في شهري نوفمبر وديسمبر، بقيمة 200 جنيه إسترليني للأسر التي تتضمن متقاعدًا دون سن الـ 80 من العمر، و300 جنيه إسترليني للأسر التي تضم متقاعدًا فوق سن الـ 80.
ومنذ عام 2010، يخضع المعاش الحكومي الأساسي لسياسة حماية تعرف باسم القفل الثلاثي (Triple Lock)، والتي تضمن زيادة سنوية بنسبة تساوي أعلى قيمة بين: معدل التضخم، ومعدل نمو الأجور المتوسط، أو نسبة 2.5%.
وهذا العام، ارتفعت المعاشات بنسبة 4.1%، أي ما يعادل زيادة سنوية بقيمة 363 جنيهًا إسترلينيًا للمعاش الأساسي، و472 جنيهًا للمعاش الجديد.
ومع ذلك، وفي خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة السير كير ستارمر بعد توليها الحكم في يوليو 2024، تغييرات في شروط الأهلية لهذه المدفوعات.
وقد اقتصر الدعم منذ العام الماضي فقط على الأشخاص الذين يستلمون ائتمان المعاشات (Pension Credit) أو إعانات أخرى مرتبطة بالدخل، في محاولة لتوفير نحو 1.4 مليار جنيه إسترليني، ونتيجة لذلك، فقد حوالي 10.3 مليون متقاعد حقهم في هذه المساعدة.
وقد واجه هذا القرار انتقادات حادة طالت الحكومة من جانب النقابات العمالية ومنظمات خيرية تعنى بشؤون المسنين، والذين حذروا من التأثير السلبي لهذه الخطوة على الظروف المالية لكبار السن خلال فصل الشتاء.
اقرأ أيضاً: تأجيل مدفوعات التدفئة الشتوية: كيف يؤثر القرار على كبار السن؟
تصاعد حدة الانتقادات
ارتفعت حدة الانتقادات في الأسابيع الأخيرة، حيث أرجع بعض نواب حزب العمال وأعضاء المجالس المحلية خسارة الحزب في الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي في عدة مناطق بإنجلترا إلى هذا القرار، واعتبروه مسؤولاً عن تراجع شعبيته.
وامتدت الاحتجاجات لتشمل ليس فقط النواب المنتمين للجناح اليساري داخل الحزب، بل أيضًا شريحة أوسع من أعضائه، حتى من كانوا يؤيدون السياسة أشاروا إلى أن تقليص مدفوعات وقود الشتاء كانت من بين أكثر القضايا التي تلقوا شكاوى متكررة عنها من المواطنين.
من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ووزير المالية السابق غوردون براون (Gordon Brown)، الذي أطلق مدفوعات وقود الشتاء كمساعدة عامة خلال فترة توليه وزارة المالية، أن قرار ستارمر بإعادة النظر في سياسة هذه المدفوعات هو “قرار صحيح”.
وأكد براون في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “لا ينبغي أن يجبر أي متقاعد، خدم بلاده طوال حياته، على العيش في فقر أو يعجز عن تدفئة منزله بسبب ضعف إمكانياته المالية، ما يقوله كير هو أننا سنعامل المتقاعدين بإنصاف”.
اقرأ أيضاً: معاشات التقاعد في بريطانيا: أخطاء تطال 200 ألف أم بريطانية.. ما السبب؟
تحديات في تحديد شروط الأهلية
يعتبر الحد الأدنى الحالي للدخل المؤهل للحصول على ائتمان المعاشات (Pension Credit)، وهو الشرط الرئيسي للحصول على مدفوعات وقود الشتاء، 11,800 جنيه إسترليني سنويًا للأفراد، و18,023 جنيهًا للأزواج المتقاعدين.
ومن المتوقع، أن يكون تحديد حد جديد للدخل لتحديد الفئات المستحقة للدعم بمثابة تحدي سياسي وإداري كبير للحكومة، خاصةً قبل الإعلان عن ميزانية الخريف المقبلة.
واقترح بعض المراقبين أن تكون الأهلية لمدفوعات وقود الشتاء مربوطة بفئات ضريبة المجلس (Council Tax) المنخفضة، أو أن تشمل الفئات المستفيدة من إعانات السكن أو إعانات الإعاقة، في محاولة لتحديد الفئات الأكثر احتياجًا بدقة أكبر.
من جهتها، حذرت مؤسسة “ريزوليوشن فاونديشن” (Resolution Foundation) البحثية من وجود “شكوك كبيرة” حول فعالية تصميم نظام جديد لاختبار الدخل خصيصًا لهذه المدفوعات.
واقترحت المؤسسة أن الخيار الأكثر يسرًا هو توسيع نطاق الأهلية لائتمان المعاشات (Pension Credit)، لكنها حذرت من أن هذه الخطوة قد تكلف الخزينة العامة نحو 2.5 مليار جنيه إسترليني إذا تم توسيع التغطية بنسبة 10%، وهو مبلغ يزيد عن الوفورات التي كانت الحكومة تنوي تحقيقها من خلال تقليص الدعم في الأصل.
وفي السياق ذاته، رحبت جمعية “إيج يو كيه” (Age UK)، وهي من أبرز الجمعيات الخيرية التي عارضت تقليص دعم وقود الشتاء، بتغير الموقف الحكومي.
لكنها شددت على أن أي نظام جديد يجب أن يضمن استمرار المتقاعدين من أصحاب الدخل المنخفض والمتوسطفي الحصول على هذه المدفوعات.
وعند سؤاله عن موعد تطبيق التعديل، امتنع المتحدث باسم رئيس الوزراء عن تأكيد ما إذا كان سيتم تطبيق القرار خلال هذا الشتاء، وقال إن الحكومة “ترغب في تنفيذ التعديل بأسرع وقت ممكن”، مضيفًا: “لن نتخذ أي قرار إلا بعد تحديد مصدر التمويل وآلية التنفيذ، والتأكد من أن القرار ماليًا قابل للتطبيق والتحمل”.
