من الأحياء النابضة في نيجيريا إلى ويمبلدون الصاخبة في لندن، تشكّلت شخصية كيمي بادينوك عبر رحلات مليئة بالتحديات والفرص، ما دفع البعض لاعتبار صعودها إلى زعامة حزب المحافظين البريطاني ليس مجرّد نجاح سياسي عابر، بل هو سردية ملهمة تجسد انتصار الإرادة في مواجهة الصعاب.
وُلدت كيمي بشعور مزدوج بالانتماء، بين هوية بريطانية صقلتها القوانين والمبادئ، وجذور إفريقية غذّتها القيم الثقافية والتقاليد العريقة، وهذا المزيج الفريد صنع امرأة قادرة على خوض المعارك السياسية… فأيّ معارك ستخوضها بادينوك؟!
صرّحت كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين الجديدة، وفي خطابها الأول أمام مجلس العموم عام 2017: «لجميع الأغراض، أعتبر نفسي مهاجرة من الجيل الأول»، وعلى الرغم من ولادتها في بريطانيا، عاشت طفولتها في نيجيريا قبل أن تعود إلى المملكة المتحدة في سن 16 عاماً عام 1996.
حينها، لم يكن هناك أي وزير من أصول سوداء أو آسيوية في الحكومة البريطانية، وبادينوك وصفت نفسها بأنها كانت «شخصاً غاضباً للغاية»، ما دفعها نحو السياسة، حيث شعرت بالتهميش من مستشاري التوظيف ومنظمات التنمية الذين لم يقدّروا وجهات النظر الإفريقية.
اقرأ أيضاً: آلاف المتقاعدين مهددون وحزب العمال يخسر تصويت الوقود
بادينوك التي نتحدث عنها، لديها رؤية مميزة بشأن العرق والسياسة، فرغم أنها تؤمن بأن لون البشرة لا ينبغي أن يكون أكثر أهمية من لون الشعر، إلا أن مواقفها في بعض الأحيان تعكس اهتماماً واعياً بقضايا الهوية العرقية، ففي مقابلة مع صحيفة التليجراف، صرّحت: «أنا كابوس حزب العمال، لا يستطيعون وصفي بالتمييز»، ومع ذلك، فهي تؤمن بضرورة أن تعكس سياسات الهجرة الفروقات الثقافية الكبيرة.
وتؤمن بادينوك بأن بريطانيا هي أفضل بلد يمكن لأصحاب البشرة السوداء العيش فيه، لكن، في حين أن ثلاثة أرباع البريطانيين السود دعموا رسالة احتجاجات «حياة السود مهمة» بضرورة استمرار التقدم، كانت بادينوك تخشى من استيراد النزاعات العرقية الأمريكية إلى بريطانيا، كما دعمت مراجعة توني سيويل بشأن الفوارق العرقية، والتي حاولت إعادة صياغة الخطاب العام.
عندما كانت وزيرة للمساواة، اعتمدت بادينوك أسلوباً أكثر هدوءاً، وأطلقت مبادرات مثل أجندة «بريطانيا الشاملة» لتقليص الفجوات المتبقية، لكن هذا النهج أثار آراء متباينة؛ فبينما اعتبرها بعض المعلقين اليمينيين «متساهلة»، وصفها اليسار بـ«محاربة ثقافية» بشأن العرق والجنس، ما دفعها للقول في مناظرة على GB News: «نحن ندافع عن ثقافتنا وبلدنا»، في إشارة منها إلى رفض الاتهام بأنها تشعل الحروب الثقافية.
اقرأ أيضاً: ميزانية بريطانيا 2024: ضرائب على الأثرياء والشركات
وفيما يتعلق بالجو الانتخابي داخل حزب المحافظين البريطاني، فإن منافسة بادينوك مع روبرت جينريك كانت غير متوقعة، إذ جاءت بعدما استُبعد جيمس كليفرلي عن طريق الخطأ في لعبة سياسية بين النواب، وراهن جينريك على تقديم وعود صارمة بشأن الهجرة وحقوق الإنسان لكسب دعم المحافظين، إلا أن أعضاء الحزب اختاروا بادينوك بدلاً من ذلك، مفاجئين الجميع، بمن فيهم جورج أوزبورن.
وتجدر الإشارة إلى أن كليفرلي تعرض لصدمة كبيرة بعد خروجه من سباق القيادة، إذ ترك أعضاء الحزب أمام خيارين يصنفان ضمن الجناح اليميني المتطرف، وقد أثّر هذا الأمر بشكل خاص على المحافظين المعتدلين، حيث لم يؤيد حزب الإصلاح المحافظ، الذي يمثل العديد من النواب المعتدلين، أيًا من كيمي بادنوك أو روبرت جينريك.
وبالنتيجة ظفرت بادينوك بزعامة الحزب، رغم سمعتها المثيرة للجدل خارجه، وفي تعليقات سياسية على الحدث، قيل إن زعيم حزب العمال، كير ستارمر، ربما سيتجنب مناقشة قضايا الهوية معها، لكن التحديات الحقيقية تكمن في تباين رؤى الاقتصاد بين سياسات راشيل ريفز الاجتماعية الديمقراطية وأفكار بادينوك لتقليص دور الدولة.
اقرأ أيضاً: حزب المحافظين ينقسم والجناح الليبرالي يهاجم شخصيات بارزة على خلفية التصريحات الأخيرة