دائمًا ما يقوم رؤساء الدول أو الوفود الرسمية باصطحاب المساعدين والمستشارين والمحللين والصحفيين في الرحلات الرسمية، وذلك لتغطيتها ونشر الأخبار والتقارير الصحفية المتنوعة لغرضين رئيسيين: أولهما: شرح ما يتحقق من منجزات خلال الرحلة الرسميةـ وثانيا باعتبارها تاريخ ويجب تغطيته وحفظه للرجوع إليه حال احتياجه.
بقلم: حسن النجراني
وللبيت الأبيض الأمريكي تجربة تستحق الاطلاع، حيث تقوم جمعية البيت الأبيض الصحفية باختيار صحفيين ومحرري أخبار من ١٣ مؤسسة تلفزيونية وإذاعية وصحفية لمشاركة الرئيس الأمريكي رحلته، فيقومون بنقل الأخبار والتقارير والصور إلى زملائهم في الصحف والمؤسسات الإعلامية الأخرى، كما يستغلون هذه الرحلات في شرح وجهة النظر الأمريكية تجاه القضايا والملفات الإقليمية والعالمية، وكذلك بناء علاقات إعلامية مع القادة والرؤساء حول العالم، مما يسمح لهذه المؤسسات الأمريكية بإنشاء شبكة إعلامية تسهم في خدمة القضايا الأمريكية.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو متابعتي الدقيقة لزيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الهند والمشاركة في قمة العشرين والتي عقدت مؤخرًا، ولم تكن التغطية الإعلامية السعودية تتواكب مع ضخامة المشاركة، والاتفاقيات التي عقدت واللقاءات التي أجريت، بل كأن الصحافة السعودية والمشهد الإعلامي بعيدين عما يجري من جهود سياسية واقتصادية ورياضية ضخمة، وذلك ضمن رؤية المملكة ٢٠٣٠م.
من يسافر مع الأمير هو مصطلح مجازي يشير إلى من يواكب المسؤول الذي يسافر في مهمة رسمية داخلية أو خارجية؟ وما هي المهارات التي يجب أن يتمتع بها؟ وماذا يجب أن يعمل قبل وأثناء وبعد الرحلة الرسمية؟ وهل يجب عليه أن يكتفي بملاحظة عمل المسؤول؟ وهل يمكنه الاستفادة من مرافقة المسؤول والوصول إلى مسؤولين آخرين يقوم بإجراءات مقابلات معهم، والاستفادة لاحقًا من هذا المحتوى في توزيع ونشر تقارير تبرز المنصة الإعلامية للمشارك في التغطية؟
الحضور المعلوماتي والخبرة العريضة والتحدث بأكثر من لغة والتمتع بالاحترافية الصحفية والسيرة الذاتية هي ضروريات خمس لمرافقة المسؤول، وعكس جهوده على منصات وسائل الإعلام، فهذه الرحلات الرسمية ليست نزهة أو مجالا للراحة والفسحة، بل هي مهمة مرهقة في تخطيط المحتوى الإعلامي للمرحلة، وكتابته وعكس ما يجري في الرحلة على المنصات الإعلامية، وكذلك مشاركتها مع وسائل الإعلام الأخرى، فبلاشك أن كثيرًا من مؤسساتنا الإعلامية لن تصل للعالمية، وهي غير قادرة على الاستفادة من رحلات المسؤولين، وبناء شبكة علاقات واسعة تساعدها في الوصول إلى المعلومات المهمة والدقيقة والتخاطب مع مسؤولين دوليين، وعكس هذا المحتوى على الوكالات الإخبارية العالمية.
من يسافر مع المسؤول يجب أن نكون لديه خبرة عريضة في الملفات التي سيتم طرحها في اللقاءات الرسمية، فمثلًا إذا كان عنوان الرحلة سياسيًّا، فيجب أن يشارك صحفيون يكتبون في السياسة، وإذا كان في الاقتصاد فيجب أن يسافر الصحفي الاقتصادي وهكذا، فهذا يسهم في عكس إنجازات الزيارة على الوسيلة الإعلامية ويحمل الرسائل للداخل والخارج، بل ستكون هذه الزيارة مهمة خاصة، والمراسل سيقوم بتدوين كل ما يراه، وستكون تاريخا يتم الرجوع إليه من قبل الباحثين والمختصين والمهتمين، فكثير من الأمم تجعل من التدوين والكتابة والملاحظة سلمًا لها نحو التطور والحضارة، وبالتجربة تنهضم الأمم.
بقي القول، إن المهمة الرسمية تتطلب وفدًا إعلاميًا محترفًا يخضع لمقاييس ومهارات يمكن ملاحظتها، بدلًا من الاستعانة بوجوه من أجل المجاملة أو التكريم، فالمسؤول الذي يحيط نفسه بمحترفين في مجال الإعلام سيكون قادرًا على إيصال رسائله وتحقيق مستهدفاتها، وسيكون هذا المراسل المحترف قادرًا على الوصول والتواصل وبناء علاقات واسعة تفيد عمله ووطنه، وبالإعلام تسود أمم وتعلو أمم، وبالإعلام تنتصر أمم وتحقق الشرف أمم.