مدونات
حصاد النصف الأول من الإنجازات الرائدة للأمير محمد بن سلمان.. عبور حضاري و تحرر اقتصادي في رؤية المملكة العربية السعودية 2030
نشر
منذ سنتينفي
2٬143 مشاهدة
By
Fatimaعندما أطلقت المملكة العربية السعودية استراتيجيتها للتطوير الشامل من خلال رؤية 2030 الثاقبة قبل أكثر من سبعة أعوام من الآن، كان الهدف المحرك لتلك الاستراتيجية ماثلاً وحاضراً بأبهى حلة وبهاء في ذهن وعقل ووجدان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وهو أن تكون بلاده (نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة)، وهو الهدف الذي تلقفته اليد المبدعة للأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، بالرعاية والدعم والمساندة، أولاً باعتباره الرئيس المباشر لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وثانياً باعتباره الممثل الأبرز لجيل الشباب السعودي الواعد والباحث عن تحقيق مجد أمته بين الأمم، وثالثاً وهو الأهم، باعتبار قناعاته الراسخة بما في يمين المملكة من عوامل النجاح ومقومات السبق والريادة في شتى مجالات التنافس الإقليمي والدولي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً.
كتب: محسن حسن
ومنذ اللحظة الأولى التي تم فيها إطلاق الرؤية والمبادرة، لم يكن يتوقع أحد من المهتمين بالشأن السعودي داخلياً وخارجياً، أن تكون النتائج والإنجازات المتحققة خلال النصف الأول من الخطة، بهذا النجاح والإبهار الذي تبدو عليه الآن، وفي الواقع، فإن موثوقية الإنجاز وأدواته اتسمت لدى الأمير الشاب، بارتكازها إلى إرادة ماضية وإصرار فعال على إحداث التحول المطلوب الذي تظهر فيه المملكة، لا باعتبارها دولة نفطية فقط، وإنما باعتبارها دولة ناهضة في كافة قطاعاتها الحيوية، ولديها القدرة على الصمود الحضاري والإنساني في وجه المتغيرات الطارئة والتقلبات الوجودية المفاجئة سواء بقي النفط أو ولى عصره وزمانه، وهذا كان واضحاً كل الوضوح في محددات رؤية 2030 وأركانها ومرتكزاتها الأساسية والمنهجية والتخطيطية، والتي حددت مسارها نحو تحقيق الأهداف والطموحات عبر تبني عوامل النجاح الأقرب لدعم التقدم والاستمرار في حصد الإيجابيات وتنحية العوائق والتحديات.
وبالنظر إلى عوامل النجاح تلك، تبرز إلينا ثلاثة عوامل رئيسية، استحوذت على اهتمامات الأمير محمد بن سلمان، ومنحها جل رعايته وتركيزه، وكانت حافزاً له على الاطمئنان إلى ما في يده من قوة التأثير والتغيير والحسم، وكانت سبباً مباشراً من أسباب تحقيق نجاحات متتابعة ضمن رؤية 2030، وهذه العوامل تمثلت في الآتي:
أولاً – كينونة المملكة العربية السعودية وقيمتها الرمزية في قلوب أكثر من مليار مسلم حول العالم، وهي القيمة المستمدة من هويتها الإسلامية، ومن احتضانها الحرمين الشريفين، ومن كونها أطهر البقاع المقدسة في الأرض، هذا إلى جانب هويتها العربية التي تجعلها محط أنظار العرب والعروبة في شتى المحافل والقضايا والمنتديات.
ثانياً – حجم القدرات الاستثمارية الضخم الذي تمتلكه البلاد، والذي يمثل ضمانة وازنة وفاعلة في إنجاح خطط واستراتيجيات تعظيم الموارد وتحريك المسارات الاقتصادية الوطنية، ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية تعد واحدة من أكبر الاقتصادات العالمية التي تمتلك قدرات استثمارية ضخمة بحسب مؤشر القدرة الاستثمارية العالمي، والذي وضعها في المركز السادس عشر عالمياً وفق تقديرات العام 2021، كما أنها تمتلك(صندوق الاستثمارات العامة PIF) والذي يعد واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم، وبحجم أصول تتجاوز 400 مليار دولار أمريكي، ويتوقع لها أن تصل إلى أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي بحلول 2030.
ثالثاً – حجم المعطيات الإيجابية التي يمنحها الموقع الجغرافي والاستراتيجي للمملكة العربية السعودية، والذي يمثل مركزاً للربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا بفعل قربه من أهم المعابر المائية، ومن خلاله تظل المملكة مركزاً حيوياً للتجارة والاستثمار في الشرق الأوسط، ومصدراً محورياً من مصادر البنية التحتية للتجارة الدولية وقطاعات النقل براً وبحراً وجواً، إلى جانب إسهامه في تسهيل حركة التجارة المتبادلة مع الأسواق الناشئة في أقطار الجنوب الآسيوي والإفريقي.
بمثل هذه العوامل والمرتكزات المحفزة على تحقيق النجاح، انطلقت رؤية 2030 منذ أكثر من سبع سنوات، وتحديداً في الخامس والعشرين من أبريل عام 2016، واليوم، ونحن نفتش في حصاد المسار المنطلق لتلك الرؤية، يطرح البعض تساؤلات من قبيل: ما الذي تحقق على أرض الواقع وما الذي لم يتحقق بعد؟ وما ملامح وتوجهات الآثار الحادثة في بنية الاقتصاد السعودي ومستقبله القريب والبعيد؟ وإلى أي حد كشفت النتائج المتحققة عن الملامح الخاصة لشخصية الأمير محمد بن سلمان كرجل دولة مؤثر في محيطه الإقليمي والعربي والدولي؟
وفي واقع الحال، وتماشياً مع الرغبة في الرد على تلك التساؤلات وغيرها، سنجد أننا بصدد متغيرات جذرية واستثنائية حادثة في مجمل توجهات ومواقف وقدرات المملكة العربية السعودية تجاه الماضي والحاضر والمستقبل، وذلك وفقاً لما أفرزته المخرجات الإيجابية الراهنة لمجمل المحاور الثلاثة التي انبنت عليها الرؤية السعودية 2030 وهي محاور (المجتمع الحيوي، الاقتصاد المزدهر، الوطن الطموح)، و رغم أنه من الصعوبة بمكان الإلمام بكل الجوانب الإيجابية والإنجازات المتحققة وفق تلك الرؤية، إلا أننا سنحاول في السطور القادمة الوقوف على أهم الملامح والمتغيرات والتحولات المبدعة والاستثنائية التي غيرت وجه المملكة وجعلتها في أتم الجاهزية لاحتضان حاضر مشرق واستشراف مستقبل واعد.
اقتصاد متحرر
من بين أهم التحديات التي ظل يواجهها الاقتصاد السعودي على مدار سنوات وسنوات، هيمنة الريع النفطي على مكوناته ومصادره، وكان هاجس نضوب النفط واختفاؤه يوما ما، يهدد بنتائج غير سارة على مستويات عدة في البلاد؛ لذا جاء على رأس أهداف رؤية 2030 أن يتحرر اقتصاد البلاد من أسر العوائد النفطية، وهو ما خطت المملكة بشأنه خطوات جادة واستثنائية عبر محور (اقتصاد مزدهر)؛ فقد قفزت نسبة إسهام الإيرادات غير النفطية ضمن إجمالي الإيرادات الاقتصادية، من حوالي 27% عام2015، إلى ما يقرب من 43% عام 2021، وبمتوسط ارتفاع سنوي نسبته 18%، كما زاد نمو صادرات السلع غير النفطية خلال العام ذاته بنسبة 37% قياساً بعام 2020، وبقيمة مالية قدرها 275 مليار ريال سعودي تقريبا، وسجلت عمليات إعادة التصدير نمواً موازياً نسبته 23% وبقيمة مالية زادت على 40 مليار ريال، ولتعزيز هذا التوجه تم الارتقاء بالمحتوى المحلي من الصناعات الوطنية السعودية في كافة المجالات للوصول بنسبة الصادارت غير النفطية ضمن إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 50% بحلول عام 2030، وضمن هذا السياق أصدرت المملكة عام 2019 ما يعرف بــ (لائحة تفضيل المحتوى المحلي والمنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية والشركات المدرجة في السوق المالية في الأعمال والمشتريات) لأكثر من 319 سلعة، وكان من نتائجها انضمام أكثر من 1.100 شركة محلية تقوم بتصنيع أكثر من 4.500 منتج لمبادرة(صنع في السعودية)، كما أطلقت هيئة تنمية الصادرات أكثر من 200 مشروع لدى أكثر من 70 دولة في إطار خطة تصدير المنتجات السعودية للعالم. و سجلت الأنشطة غير النفطية خلال 2021 نمواً إيجابياً نسبته 6.1% قياساً بعام 2020.
موارد متنوعة
وفي سبيل إحداث التكامل المطلوب في بنية التنويع الاقتصادي للموارد، حرصت المملكة على عدم استثناء أي قطاع من خطة التطوير والتنمية؛ فعلى سبيل المثال، تم إطلاق نظام الاستثمار التعديني، والذي من خلاله تم إصدار ما يقرب من 580 رخصة محاجر، و قرابة الــ 165 رخصة استكشاف تعديني خلال 2021، ونجحت مبادرة (توطين ونقل تقنية النفط والغاز) في رفع حصة المحتوى المحلي في إنتاجية هذا القطاع إلى نسبة 60%، بينما في قطاع الصناعات العسكرية، ارتفع عدد الشركات العاملة في التطوير والدعم الاستثماري ونقل التقنية بنهاية عام 2021 إلى ما يزيد على 140 شركة، وعلى مستوى تطوير الموارد اللوجيستية، أطلقت المملكة (الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية) بهدف تعزيز مكانتها كمركز لوجيستي عالمي، ولرفع إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي من 6% إلى 10%، وبواقع إيرادات سنوية تصل إلى 50 مليار ريال بحلول 2030، و قد نجحت هذه الاستراتيجية في تسهيل إنشاء أكبر منطقة لوجيستية بالشرق الأوسط في ميناء جدة الإسلامي، وبحجم استثمارات لشركة (ميرسك) قيمته 500 مليون ريال، إلى جانب 370 مليون ريال أخرى هي قيمة عقود استثمارية لإنشاء صوامع لتخزين الحبوب بكل من ميناء جازان وميناء رأس الخير، وسجلت المملكة قفزة كبيرة باحتلالها المركز السادس عشر دولياً خلال عام 2021 ضمن تقرير (Lloyd’s List) المعني بقياس القدرة الإنتاجية السنوية لمناولة الحاويات، وذلك بعد أن حلت ثلاث موانيء سعودية ضمن أكبر 100 ميناء في العالم، هذا إلى جانب نجاح آخر سجلته المملكة على مستوى الحضور والتنافسية الدولية والإقليمية في مجال النقل البحري؛ حيث حققت 70.097 نقطة في مؤشر اتصال شبكة ملاحتها البحرية مع خطوط الملاحة العالمية، محرزة بذلك قدم السبق الإقليمي على مستوى هذا المؤشر.
شراكة الخاص
ولأن الرؤى الحقيقية للنهضة والتطوير لا يمكنها أن تغفل القدرات والإمكانات التي يتميز بها القطاع الخاص، فقد نجحت رؤية 2030، في استقطاب ودعم شراكات مثمرة مع القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وذلك لرفع إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة 35%، وفي هذا الإطار، قدمت المملكة ــــــــ عبر صندوق التنمية الزراعية ــــــــ دعماً بقيمة 3.7 مليار ريال لمشروعات القطاع الخاص المعنية بتعزيز الأمن الغذائي للبلاد، وخلال 2021 تم ضخ استثمارات قيمتها 2 مليار و55 مليون ريال لدعم وإنشاء وتطوير شركات ناشئة سعودية، تخصص أغلبها في التقنيات المالية والتجارة الإلكترونية، وقدم بنك التصدير والاستيراد السعودي، تمويلات بلغت 10 مليارات ريال لشركات متخصصة في تصدير المنتجات المحلية السعودية لأكثر من 50 دولة حول العالم، كما تم إنشاء(صندوق التنمية الثقافي) بتكلفة قاربت الــــ 200 مليون ريال، إلى جانب إنشاء بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتي زاد تعدادها أواخر 2021 على 660.000 منشأة، وقد تمخضت هذه الجهود عن توفير بيئة مثالية لريادة الأعمال، حصدت معها المملكة المركز الأول عالمياً في استجابة رواد الأعمال لجائحة كورونا، كما تقدمت من المركز السابع عشر إلى المركز السابع عالمياً في مؤشر حالة ريادة الأعمال، وعلى مستوى تطوير وسائل وأدوات التقنية المالية في البلاد، تم تخريج 10 شركات ناشئة في التقنيات المالية ضمن برنامج مسرعات(Fintech)، ليرتفع عدد الشركات إلى 18 شركة في نهاية 2021، منها 4 شركات متخصصة في التمويل والتأمين، و14 شركة متخصصة في الخدمات المدفوعة، هذا إلى جانب منح ترخيصين لاثنين من البنوك المحلية الرقمية، وبالنسبة لدعم الشركات الكبرى، تم إطلاق برنامج (شريك) بهدف ضخ استثمارات قيمتها خمسة تريليونات ريال لتطوير إسهامها في الناتج المحلي ورفع نسبته إلى 65%، وقد نال التخصيص سبعة عشر قطاعاً متنوعاً بهدف دعم الاقتصاد الوطني وزبادة قدراته التنافسية.
استثمارات واعدة
ولكي تحقق رؤية 2030 أهدافها الاقتصادية، كان لابد من ترتيب أولويات وأوراق الأنشطة الاستثمارية المحلية، ومعها أنشطة الاستثمار الأجنبي؛ لذلك أولت المملكة القطاع الاستثماري عناية فائقة من خلال استنهاض القطاعات والموارد غير المستغلة وإتاحتها أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وكانت البداية المنطقية هي ما قام به الأمير محمد بن سلمان من إطلاق الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، والتي من خلالها وعلى هداها قامت وزارة الاستثمار بتيسير إجراءات الممارسة الاستثمارية للأفراد والشركات، فأصبح بإمكان أي مستثمر أن يحصل على الرخص الاستثمارية من داخل أو خارج المملكة في ثلاث خطوات فقط، وخلال 2021 أصدرت الوزارة قرابة الـــ 4440 ترخيصاً، وبنسبة زيادة في منح هذه التراخيص بلغت 250% مقارنة بأعوام سابقة، وفي ظل هذه التسهيلات، سجلت القيمة الريعية للاستثمار الأجنبي ارتفاعاً غير مسبوق خلال الربع الثاني من 2021 نسبته 607.3%(أساس ريعي) و 1573.9% (أساس سنوي) وبقيمة مالية بلغت 13.8 مليار دولار، وبشكل إجمالي، بلغت نسبة نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في مجمل عام 2021 257.2% وبقيمة مالية قدرها 19.3 مليار دولار، بل إن المذهل في الأمر، هو أن تدفقات الاستثمار أجنبي كان مخططاً لها أن تبلغ 42 مليار ريال بما يمثل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها فاجأت الجميع ببلوغها أكثر من 70 مليار ريال وبنسبة 2.3% من الناتج الوطني، وبصفة عامة، تساهم استراتيجية الاستثمار الوطنية، في مواصلة تحقيق الإنجازات الاستثمارية وفق رؤية 2030 الهادفة إلى تحقيق ناتج محلي إجمالي قدره 6.4 تريليون ريال، ووضع المملكة في المرتبة الخامسة عشر ضمن أكبر الاقتصادات العالمية.
الرعاية والخدمات
وفي إطار محور (المجتمع الحيوي) شهدت قطاعات الرعاية الاجتماعية والخدمات الجماهيرية في المملكة العربية السعودية تحولات نوعية عالجت الكثير من عوامل القصور وحلت الكثير من التعقيدات والإشكاليات، كما هبطت بمؤشرات الاستنزاف والهدر، وارتقت بمؤشرات الحماية والوقائية؛ فخلال الخمس سنوات الأولى من استراتيجية 2030، وعلى مستوى الخدمات الإسكانية، ارتفعت نسبة تملك السعوديين للمساكن من 47% إلى 60%، وتقلصت مدة انتظار المواطن السعودي للحصول على الدعم السكني من حيز الــ 15 عاماً إلى حيز الدعم والاستحقاق الفوري بدون انتظار، وعلى مستوى الخدمات الصحية، زادت نسبة توفير الاستشارات الصحية التخصصية المقدمة خلال 4 أسابيع من 50% قبل انطلاق الاستراتيجية إلى 80% عام 2020، كما زادت نسبة تسهيل الحصول على الخدمات الصحية الطارئة خلال 4 ساعات، من 36% إلى 87%، وتراجعت معدلات الوفاة الناتجة عن حوادث الطرق لكل 100 ألف نسمة من 28.8حالة، إلى 13.5 حالة، وقد انعكست الحالة الإيجابية المجتمعية للسعوديين بفعل التحسينات والخدمات المقدمة، فارتفعت نسبة الأنشطة الرياضية الأسبوعية بينهم من 13% إلى 19%، وساهم ارتفاع عدد الأماكن الترفيهية داخل المملكة من 154 مكاناً إلى 277 مكاناً، إلى جانب زيادة مواقع التراث الوطني السعودي القابلة للزيارة من 241 إلى 354، في ارتفاع مؤشر السعادة بين المواطنين؛ حيث تقدمت المملكة في ترتيب تقرير السعادة العالمي من المركز 37 إلى المركز 21، ولم تغفل منظومة الرعاية الاجتماعية العمل على تطوير الثروة البشرية من خلال برنامج (تنمية القدرات البشرية) الهادف إلى إقرار بنية تعليمية متينة ومرنة للجميع، وإعداد قوة بشرية مهيأة لسوق العمل المحلية والعالمية، وإتاحة فرص التعلم طويلة الأجل.
بيئة مستدامة
وبالطبع لم تكن رؤية 2030 ببعيدة عن الجهود العالمية للحفاظ على البيئة والعمل على استدامتها، بل إن العين الباصرة والرؤى البصيرة للقائمين على التخطيط والتنفيذ لتلك الرؤية، استطاعوا ترويض أهداف الاستدامة العالمية وتطويعها لخدمة البيئة السعودية وبطرق وأساليب جامعة بين تطبيق تلك الأهداف، ودعم الاقتصاد والاستثمار والسياحة من خلالها، إلى جانب إحياء التراث الخالد والعادات الأصيلة لأنماطها وسكانها؛ فعلى مستوى المحميات الطبيعية وحماية الأنواع النباتية والحيوانية، تم إنشاء سبع محميات ملكية تشغل وحدها 13.7% من مساحة المملكة، كما تم إطلاق خمسة مراكز متخصصة في الاستدامة البيئية كان من بينها المركز الوطني لإدارة النفايات، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والمركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، وكذلك تم تأسيس صندوق البيئة السعودي بهدف الإسهام في الاستدامة المالية للقطاع البيئي، وتبنت المملكة تنفيذ العديد من المبادرات البيئية، والتي نتج عنها خفض معدلات الانبعاثات الضارة لثاني أكسيد الكربون بمقدار 28 مليون طن سنوياً، وزيادة نسبة المسطحات الخضراء بواقع 37 مليون متر مربع وهو ما يساهم في تقليص الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العواصف الرملية والتي تزيد على 12 مليار دولار في عموم منطقة الشرق الأوسط، وتصدرت المملكة قائمة الإنتاج العالمي لتحلية المياه المالحة بواقع 5.9 ملايين متر مكعب يومياً خلال 2020، ورفعت المملكة حجم إنتاج الاستزراع السمكي من 20 ألف طن عام 2016 إلى أكثر من 100 ألف طن حالياً، ومن خلال 513 محطة لقياس معدلات الأمطار ورصد مستويات المياه الجوفيةـ تم ترشيد وخفض استهلاك القطاع الزراعي لهذه المياه من 17 مليار متر مكعب عام 2016 إلى 9 مليارات متر مكعب فقط خلال 2020، ولضمان تحقيق المراقبة والالتزام ونشر الوعي بالمعايير البيئية المستدامة، قامت المملكة بإنشاء القوات الخاصة للأمن البيئي.
هوية عبور
وامتداداً للتجليات المبدعة والإسهامات الخلاقة لرؤية 2030 من منظور التطلعات الحضارية والتوجهات الثقافية والإنسانية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تكاتفت الجهود والتقت النوايا على إظهار الهوية الثقافية والتراثية للمملكة العربية السعودية في أبهى صورة، جنباً إلى جنب مع الانفتاح الحضاري الفاعل على تجليات الإبداع المختلفة لدى ثقافات الأمم والشعوب، ومن ثم فقد قامت المملكة بإنشاء وزارة الثقافة عام 2018 والتي قامت بدورها بإنشاء أكثر من 10 هيئات ثقافية مستقلة هدفها رفع إسهام القطاع الثقافي في النمو الاقتصادي، منها هيئة المتاحف وهيئة الفنون البصرية وهيئة الأفلام وهيئة المسرح والفنون الأدائية وهيئة التراث وهيئة الأدب والنشر والترجمة، وقد نتج عن هذه الجهود العديد من الإنجازات التي شكلت هوية ثقافية جديدة وعبوراً حضاريا واسع الآفاق للمملكة العربية السعودية في أعين العالم؛ فقد تم وصول ستة مواقع لقائمة اليونسكو كان آخرهم منطقة(حمى) الثقافية بنجران، وتم توثيق أكثر من 30 ألف موقع أثري في محافظة العلا، وارتفعت مواقع التراث الوطني القابلة للزيارة من 400 موقغ عام 2016 إلى 1000 موقع بحلول 2020، وتم اختيار (الدرعية) عاصمة للثقافة العربية لعام 2030، كما تم إطلاق استراتيجية تطوير القطاع الموسيقي في نهاية 2021، والتي تهدف إلى رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% وتوفير أكثر من 60 ألف فرصة عمل من خلاله، هذا بالإضافة إلى إنجازات أخرى عديدة، منها إضافة الخط العربي كعنصر للتراث الثقافي غير المادي ضمن القائمة التمثيلية لليونسكو، وترميم أكثر من 30 مسجداً تاريخياً، واستحداث معرض القرآن الكريم ضمن التوسعة الثالثة للحرم المكي، وضم خمسة ألعاب تراثية سعودية هي (أم تسع، الدنانة، عظيم لاح، شد الحبل، والخطة) لقائمة المشاركات الرياضية ضمن مسابقة TAFISA World Games في نسختها الافتراضية رقم 7 للألعاب العالمية للجميع، وأخيراً تأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية، إلى غير ذلك من إنجازات التلاقي الثقافي والعبور الحضاري للمملكة.
قوة رادعة
وبالإضافة لمجمل الجهود والإنجازات المشار إليها، حملت رؤية 2030 على عاتقها بلورة الطموح السعودي في تحقيق الاستقلالية العسكرية الرادعة في المنطقة والعالم، وذلك من خلال ما تتضمنه من تخطيط ممنهج ومدروس للارتقاء بالصناعات المحلية عموماً، وبالصناعات العسكرية على وجه الخصوص، ولترجمة هذا الطموح خطت المملكة خطوات وازنة تكللت مؤخراً بتشكيل هيئة تطوير الدفاع خلال سبتمبر 2021، وقبلها تطوير وزارة الدفاع وهيكلة إداراتها ومهامها، وإنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وبالنظر إلى مسارات التطوير العسكري في المملكة، سنجد أنها اعتمدت استراتيجياً على دعم توطين الصناعات العسكرية ورفع معدلات هذا التوطين الذي لم يتجاوز 2% على مدار عقود، إلى أكثر من 25% حالياً، ثم إلى معدلات مستهدفة هي 50% بحلول 2030 ثم إلى معدلات أعلى بكثير مستقبلاً، بحيث تُسهم الصناعات العسكرية في الناتج المحلي الإجمالي بما لا يقل عن 14 مليار ريال، وقد شملت جوانب التوطين الكثير من الصناعات العسكرية النوعية كالإلكترونيات الدفاعية والذخائر والصواريخ الموجهة والقاذفات والأسلحة والذخائر التقليدية والأنظمة الهيكلية للطائرات بدون طيار إلىى جانب صناعات وتقنيات الحرب السيبرانية، ولم تغفل خطط التطوير ما يرتبط بالتوطين من القيم الاقتصادية ومقومات الجاهزية العسكرية المستدامة؛ لذا تم منح الأولوية لبناء الكفاءات البشرية العاملة في الصيانة والإصلاح سواء للطائرات ثابتة الجناح أو الأخرى بدون طيار، إلى جانب مكونات وقطع غيار الأنظمة العسكرية البحرية والبرية وغيرها، وكان معرض الدفاع الدولي (إيدكس 2021) دليلاً حياً على تنوع الإنجازات السعودية في مجال التصنيع العسكري، وبحسب تقرير الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، فإن عقود وتراخيص ممارسة التصنيع العسكري الممنوحة لأكثر من 90 شركة، رفدت الاقتصاد الوطني بأكثر من 7 مليار ريال، و يتوقع لتوطين الصناعات العسكرية بالمملكة أن تشكل نواة مستقبلية لاستقلال الرياض عسكرياً، إلى جانب إسهامها في تحريك الاقتصاد وتقليص البطالة عبر استحداث أكثر من 70 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
مستقبل الرؤية
فيما يخص مستقبل رؤية 2030 وتوجهاتها، فما من شك في أنها ستؤتي ثمارها كاملة وغير منقوصة فيما سعت إليه من أهداف شاملة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية، وستضع المملكة في مصاف الاقتصادات الكبرى المتحررة والمنفتحة، وليس أدل على ذلك من أن النتائج المستهدفة للرؤية تجاوزت الأهداف المنشودة في الكثير من الجوانب وهي لا تزال على مشارف النصف الثاني من الاستراتيجية؛ فقد زاد إسهام الاقتصاد غير النفطي على 58%، وارتفعت إيراداته من 166 مليار ريال 2015 إلى حوالي 370 مليار ريال 2020، وبنسبة زيادة تفوق 220%، وبات التنوع الاقتصادي حقيقة ماثلة على أرض الواقع في بنية الاقتصاد السعودي، وتم تمكين الشرائح الاجتماعية التي كانت مهمشة كالمرأة العاملة مثلاً، والتي ارتفعت مشاركتها في القوى العاملة من النتيجة المستهدفة للرؤية وهي 30% إلى نسبة أعلى تزيد على 35%، وانتعش قطاع السياحة السعودي محققاً نسبة نمو عالمية قدرها 15% مدفوعاً بزيادات قياسية في عدد السائحين والزوار بلغت أكثر من 7 ملايين سائح وبنسبة زيادة قدرها 50% قياساً بأعوام سابقة، بعد أن أصبح بإمكان السائح الحصول على تأشيرته السياحية خلال دقائق عبر منظومة(التأشيرة السياحية الإلكترونية)، وأضافت منظومة الترفيه حراكاً اقتصادياً عبر استقطاب أكثر من 50 مليون زائر، وإنشاء ما يزيد على 1300 شركة وعشرات الآلاف من الوظائف، كما انضمت سوق المال السعودية لمؤشر MSCI للأسواق الناشئة، ومؤشر آخر مماثل هو Standard & Poor’s Dow Jones وهو ما ساعد على تدفق الاستثمارات الأجنبية وارتفاع قيمة الأسهم المملوكة للأجانب بنسبة تقارب الــ 200%، وتقدمت المملكة للمركز الثالث على المستوى الدولي في مؤشر حماية المستثمرين الأقلية، واحتلت المرتبة الرابعة والعشرين في تقرير التنافسية الدولي بعد أن كانت تحتل المرتبة التاسعة والثلاثين، وقس على ذلك في باقي القطاعات الاقتصادية.
رجل التحولات
وعلى مستوى المكانة السياسية والاستراتيجية للمملكة العربية السعودية إقليمياً ودولياً، فقد ظهرت شخصية الأمير محمد بن سلمان من خلال الإنجازات الاستثنائية المتحققة لرؤية 2030، باعتباره(رجل دولة) يدرك متطلبات المرحلة ويعلم تحدياتها، ويمتلك من الطموح الشخصي والرؤية الواضحة والأدوات المناسبة، ما يعينه على إحدات التحولات الإيجابية الكبرى في مسيرة المملكة وتوجهاتها، وما نراه اليوم من تطور كبير وغير مسبوق في العلاقات الدبلوماسية للمملكة مع القوى الكبرى في العالم عبر ديناميكية سياسية مبدعة، تؤسس للبناء والتنمية وحماية المنجزات وتجنب الزلل وعلاج القصور، لهو خير دليل على أن الرجل لديه توجهات حثيثة نحو الصعود بوطنه إلى المكان والمكانة اللائقة بين الأمم والشعوب، وهو بحق (رجل التحولات) الذي ينتقل رويداً رويداً باقتصاد أسير للنفط إلى اقتصاد متحرر متنوع يستقطب وسائل القوة والصمود عبر احتواء الفرص المتاحة في محيطه العربي والإقليمي إلى جانب أفقه العالمي والدولي، ودون النظر إلى أية ضغوط سياسية مغرضة أو تقييمات إعلامية مضللة، وفي حقيقة الأمر، لقد لعبت شخصية الأمير المتمردة على التقليد والنمطية والاستسلام للحد الأدنى من الطموح والرغبة في التغيير، دوراً كبيراً في حصد أفضل النتائج الإيجابية للخطط والاستراتيجيات المتضمنة في رؤية المملكة 2030، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب وإنما على المستوى السياسي والسيادي كذلك، وهو الحصاد الذي ما كان له أن يتحقق لولا نجاح الأمير محمد بن سلمان في كسر الصورة النمطية للمملكة في عيون العالم، والتي كان كثيرون يختزلونها في مجرد (صحراء وجمل) ضمن ذهنية ضيقة وتقييم أضيق، وها هي المملكة اليوم تفاجيء العالم بحضور سياسي فاعل في كل قضايا المنطقة والعالم، وبحضور آخر ثقافي وفني ورياضي، وبإبداع تراثي وسياحي، وببيئة نظيفة خضراء متطورة، وببنية تحتية تراهن على التحديات، وبوعي خلاق قادر على احتواء الآخر المختلف، وبصروح مالية واستثمارية وتجارية مشرعة الأبواب أمام أثرياء ومستثمري العالم، من أجل شراكات اقتصادية بناءة وأرباح ومنافع متبادلة، كل هذا وغيره في الحقيقة يظل مدينا بالفضل لتلك الشخصية القيادية الوثابة نحو إحداث التغيير المنشود، ليس لرجل الشارع السعودي فحسب، وإنما لرجل الشارع في كل بقعة عربية وإسلامية أيضاً؛ إذ أن رؤية 2030 لا تمثل تغييراً للمملكة العربية السعودية فقط، وإنما تمثل ضمن أفقها العام والشامل، تغييراً جذرياً للمحيط العربي والإقليمي؛ لأن عدوى الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، لن تلبث أن تنتقل سريعاً من المملكة إلى محيطها العربي والإسلامي الواسع في المنطقة ككل.