بين أروقة السياسة العالمية وصخب الانتقادات المتبادلة، يظهر مشهد غير معتاد: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بمواقفه الجريئة وتصريحاته المثيرة، يمتدح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي يمثل التوجه الليبرالي المختلف تماماً عن فكر ترامب المحافظ، علاقة دبلوماسية تجمع بين التقدير والاختلاف، حيث يصف ترامب ستارمر بـ «الناجح جداً»، بينما يواجه الأخير هجوماً حاداً من مستشار ترامب المقرب إيلون ماسك.. فكيف تنجح هذه العلاقة في تخطي التحديات؟ وهل ستقف الاختلافات الفكرية عائقاً أمام التعاون بين زعيمين يمثلان قارتين يفصلهما الأطلسي؟
خلال حديثه مع شبكة «بي بي سي» على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس وان»، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر، واصفاً إياه بأنه يقوم بـ «عمل رائع حتى الآن»، مؤكداً على وجود علاقة جيدة بينهما.
وأشار ترامب إلى أنه سيجري مكالمة هاتفية مع ستارمر خلال الساعات الأربع والعشرين القادمة، وذلك في إطار العلاقات الدبلوماسية القوية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وكان الرئيس ترامب ورئيس حزب العمال البريطاني كير ستارمر التقيا في عدة مناسبات، أبرزها زيارة ستارمر لـ «برج ترامب» في مدينة نيويورك خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.
على الجانب الآخر، أعرب الملياردير التقني والمستشار المقرب من ترامب، إيلون ماسك، عن انتقادات حادة تجاه ستارمر، فقد دعا ماسك مراراً إلى عزل ستارمر من منصبه، متهماً إياه بالتواطؤ في فضيحة عصابات الاستغلال الجنسي، وهو ما نفاه ستارمر بشدة واصفاً هذه الادعاءات بـ «الأكاذيب والمعلومات المضللة».
في تصريحاته، أكد ترامب احترامه لستارمر رغم الاختلافات الفلسفية بينهما، قائلاً: «أنا أحترمه وأحبه. هو ليبرالي، وهذا يختلف عن توجهاتي، لكنه شخص جيد وقد قام بعمل رائع حتى الآن»، مضيفاً أنه أنه يقدّر تمثيل ستارمر لبلاده على المستوى الفكري: «قد لا أتفق مع فلسفته، لكنني أحترمها».
اقرأ أيضاً: اجتماع قريب لستارمر مع ترامب.. ماذا سيناقشان؟
وكان قد أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن ستارمر يخطط لزيارة واشنطن خلال الأسابيع القادمة لإجراء محادثات مع ترامب، ويأتي ذلك في ظل تحديات دبلوماسية عديدة تواجه الحكومة البريطانية، منها تعهدات ترامب بفرض تعريفات تجارية جديدة وتقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
كما تلوح في الأفق تساؤلات حول قبول ترامب ترشيح ستارمر للورد بيتر ماندلسون ليشغل منصب السفير البريطاني في واشنطن، وهو الترشيح الذي أثار انتقادات من جانب كريس لاكيفيتا، أحد مديري حملة ترامب الانتخابية، الذي وصف ماندلسون بأنه «غبي تماماً».
وعلى الرغم من العلاقات الحالية، شهدت السنوات السابقة تصريحات حادة من الجانبين، ففي عام 2018 وصف لامي، الذي كان حينها نائباً برلمانياً، ترامب بـ «الطاغية» و«النازي الجديد»، ومع ذلك، تغيرت النبرة لاحقاً، حيث حضر لامي عشاءً مشتركاً مع ترامب وستارمر.
اقرأ أيضاً: ستارمر يدعو قادة العالم لتعزيز دعمهم لأوكرانيا
هذا وتطرح التساؤلات حول قدرة الطرفين على إيجاد أرضية مشتركة للتعاون، لا سيما في ظل القضايا الحساسة بين البلدين، ومواقف ترامب الصارمة تجاه الدعم الأمريكي للخارج، إذ تواجه حكومة حزب العمال البريطاني تحديات دبلوماسية عدة في التعامل مع إدارة ترامب الجديدة، بما في ذلك التعريفات التجارية المقترحة والتوترات المتصاعدة بشأن صفقة جزُر شاغوس، وقد صرّح رئيس الوزراء أن «العلاقة الخاصة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة ستستمر في الازدهار» تحت قيادة ترامب.
وحول صفقة جزُر شاغوس، التي تحتوي على قاعدة عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فالصفقة، التي وافقت عليها إدارة بايدن، تواجه الآن مراجعة من إدارة ترامب، وعبر ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي المقبل، عن مخاوفه من الصفقة بسبب علاقات موريشيوس بالصين، ما قد يهدد أمن القاعدة العسكرية على جزيرة دييغو غارسيا.
وفيما يتعلق بسياسات ترامب التجارية، فهي تهدد بفرض تعريفات كبيرة على الواردات البريطانية، ما قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد البريطاني، ولكن ديفيد لامي أكد على استعداد الحكومة لجميع السيناريوهات، مشيراً إلى رغبة ترامب في تحقيق «صفقات جيدة».