“حين لا تسجل الأهداف لا تنظر إلى الأمام، المشكلة لا تكمن هناك، بل انظر للخلف، إلى الخط الخلفي وحارس المرمى، هناك تكمن المشكلة، لأنهم لايقوموا ببناء الهجمة بشكل سليم إطلاقاً” هذه العبارة بلسان العراب الأرجنتيني مارسيلو بييلسا Marcelo Alberto Bielsa توضح أهمية أن يبني فريق كرة القدم هجمته بكل سلاسة من حارس المرمى حتى آخر لاعب في خط الهجوم.
يمكن تقسيم ملعب كرة القدم إلى ثلاث مراحل حسب فلسفة اللعبة، ثلث البناء وهو الثلث الأول، ثلث التقدم وهو الثلث الثاني، أما عن الثلث الثالث وهو مرحلة الانهاء.
بحديثه عن أسلوبه الشهير بإدراج حارس المرمى في مرحلة البناء من الخلف وتوظيف الحارس كمدافع إضافي بكسر ضغط الخصم، يؤكد المدرب الإيطالي روبيرتو دي زيربي على أهمية اتمام المرحلة الأولى من كل هجمة “مرحلة البناء” بشكل سلس وعلى أهمية أن تبدأ الهجمة من قدمي الحارس أيضاً وتأكيداً يقول: “لا أريد أن أرسل كرة طولية وبعدها أجري خلفها، أنا لست بمقامر”. يبرهن هذا القول على ماذكره العراب بييلسا، إرسال كرة طولية عشوائية هو شيء سلبي في منظور هؤلاء المدربين الذين يؤمنون أن كل العمليات والمراحل الثلاث هم مرحلة وحدة في النهاية وباكتمالهم بشكل جيد يكتمل عمل منظومة الفريق. وبحديثه عن أهمية البناء من الخلف وإدراج حارس المرمى بهذه العملية، يؤكد الإسباني لويس أنريكي Luis Enrique أيضاً على أهمية خروج الكرة من المرحلة الأولى بسلاسة قائلاً: “كل ما أخرجت الكرة من مرحلتك الأولى بسرعة، كل ما عادت وارتدت عليك بسرعة أكبر” مؤكداً بهذا القول أيضاً أهمية المرحلة الأولى من أي هجمة لأي فريق بالنسبة للمراحل التي تليها (التقدم-الإنهاء) وأن أي هجمة تبدأ بسرعة وعشوائية ستتسبب بهجمة معاكسة للفريق المنافس بسرعة أكبر.
اقرأ أيضاً: دين هاوسن: الإنجليزي الذي يتنافس عليه كبار القارة
مشاركة حارس المرمى في عملية البناء: رهان خاسر أم رابح؟
كل ما ذكر كان تمهيداً بسيطاً فقط عن أهمية بناء الهجمة بطريقة سلسة، مفهوم البناء من الخلف لا يمكن فهمه فقط أي أن الهجمة دائماً يتم بناؤها من بين أقدام الحارس، هناك عدة أنماط لعملية البناء من الخلف، قد يرسل الحارس كرة بيديه للمدافع خارج منطقة الجزاء والأخير هو من يقوم بعملية البناء من الثلث الأول للملعب (مرحلة البناء) لكن هنا لايمكن إدراج الحارس في عملية البناء لأنه قام بدوره كحارس مرمى فقط.
المقصود “بمشاركة حارس المرمى في عملية البناء” عندما يتحول الحارس لمدافع إضافي ويجذب إليه خط ضغط الخصم الأول “خط هجومه” ويتمكن هذا الحارس من التخلص من خط الضغط هذا بإرسال الكرة عرضياً أو طولياً بتمريرة قصيرة لواحد من قلبي الدفاع يميناً أو يساراً، أو حتى لاعب وسط الملعب الذي يسقط خلف خط الضغط الأول للخصم، وعند هذه المرحلة كل ما كان الحارس يجيد اللعب بقدميه بجدارة، كل ما كانت العملية أكثر سلاسة ودقة وبعيدة عن المخاطر أيضاً تجنباً لأي خطر.
أباطرة البناء المنخفض، بيب غوارديولا، روبيرتو دي زيربي، مارسيلو بييلسا، أوناي إيمري، لويس إنريكي، أوناي إيمري، جميعاً يعتمدون بشكل أساسي على حارس مرمى يجيد اللعب بقدميه في فرقهم من أجل إتمام عملية بناء الهجمة بسىلاسة ودقة، ويؤمنون جميعاً، بفلسفتهم الخاصة ومنظورهم للعبة، أن حارس المرمى جزأ لا يتجزأ من عملية البناء وإخراج الكرة بسلاسة أيضاً.
اقرأ أيضاً: ريال مدريد ولاس بالماس: موعد المباراة وأهميتها بالنسبة للفريق!
كيف تحول حارس المرمى للاعب إضافي في البناء؟
يقول الكاتب الشهير جوناثان ويلسون Jonathan Wilson أن الفكرة تم استلهامها من رياضة “كرة القدم الأمريكية”، كم أشار أن مشاركة الحارس بعملية البناء تحت الضغط ليست شيء جديد، وذكر فترة الثمانينات حين أبدع بعض الحراس في عملية البناء مع الفريق، مثل ستانلي مينزو Stanley Menzo مع أياكس أمستردام في الثمانينات، العنكبوت الشهير ريني هيغوتا Rene Higuita وفريق أتلتيكو ناسيونال، حين نجح ريني بتمرير كرة شهيرة لـ روجير ميلا Roger Milla وتسجيله الهدف الثاني أمام الكاميرون في دور الـ 16 من كأس العالم 1990 في إيطاليا، فعلى الرغم أن الشائع كان لعب كرة طويلة من حارس المرمى إلى منتصف الملعب وبعدها يتسابق اللاعبون للفوز بها، لكن كان هنالك بعض الحالات النادرة لحراس مرمى يجيدون اللعب بالقدمين ويرسلون الكرة بشكل جيد، ومنهم من نجح بصناعة هدف بشكل جيد أحياناً، أي أن الفكرة ليست وليدة القرن العشرين، لكن زاد استخدامها أكثر في وقتنا الراهن مع تطور تكتيكات كرة القدم.
الحُرّاس البنّاؤون: كيف غيّر المدربون الأوروبيون دور حارس المرمى؟
في كرة القدم الأوروبية الحديثة، لم يعد الحارس مجرد حارس للمرمى، بل تحوّل إلى لاعب أساسي في بناء الهجمات. مدربون مثل بيب جوارديولا، يورجن كلوب، ميكيل أرتيتا يعتمدون على حراس ماهرين بالقدمين، قادرين على بدء الهجمات من العمق وكسر ضغط الخصم
الحارس الذي يتقن التمرير الدقيق تحت الضغط أصبح كنزاً ثميناً. إديرسون في مانشستر سيتي و أليسون في ليفربول ليسوا فقط بارعين في التصدّي، بل أيضاً في قراءة اللعبة وإرسال كرات حاسمة بين الخطوط. حتى الأندية الصغيرة باتت تبحث عن حراس يُشاركون في اللعب، لأن امتلاك الكرة يبدأ من آخر خط دفاعي.
التكتيك الحديث يتطلب شجاعة المدرب في تحميل الحارس مسؤولية أكبر، حتى لو كلفهم ذلك أخطاء عرضية. النجاح هنا لا يُقاس بعدد التصديّات، بل بقدرة الحارس على تحويل الدفاع إلى هجوم بلمسة واحدة.
في أوروبا اليوم، الحارس “البنّاء” لم يعد خياراً، بل ضرورة. والمدربون الذين يتجاهلون هذا التحوّل، قد يجدون أنفسهم خارج سباق الكرة الحديثة!
اقرأ أيضاً: مانشستر يونايتد يتطلع لتعزيز مركز الظهير الأيسر
اقرأ أيضاً: الأرسنال وليفربول: قمة كروية بأهداف مختلفة
اقرأ أيضاً: إشارات عنصرية في ملاعب كرة القدم الإنجليزية.. فمتى يلفظ التمييز العنصري أنفاسه الأخيرة؟!