مقابلات
د. نيله قمير عبيد.. مسيرة مُلهمة لخمس وعشرون عاماً من المحاماة والتحكيم والتعليم والتميز!
نشر
منذ سنتينفي
2٬044 مشاهدة
By
Fatimaلأن المرأة نصف المجتمع، ولأنها تساند الرجل كتفاً إلى كتف في جميع المحافل، لن تكتمل تغطية “أرابيسك لندن” عن رواد ورائدات الأعمال إلا بوجود أروع النساء الرائدات في كافة المجالات، لذلك كان لمجلة “لندن أرابيسك” الفرصة باستضافة البروفيسورة الحقوقية، نيله قمير عبيد، في مقابلة حصرية للحديث عن مسيرتها العلمية والمهنية الزاخرة بالإنجازات الهامة.
حاورتها: فاطمة عمراني
من هي الحقوقية البارزة د. نيله قمير عبيد؟
نيله قمير عبيد محاميّة وبروفيسورة في القانون، شريك مؤسس في شركة عبيد للمحاماة والاستشارات القانونيّة في بيروت وباريس ودبي، وعضو مشارك في مكتب VB3 في لندن. أحمل الجنسيتين اللبنانيّة والفرنسيّة وفي ذلك تكمن رسالتي وأسعى في تعزيز التقارب بين الثقافتين القانونيتين الغربيّة والشرقيّة وخصوصاً العربيّة منها.
أتبوأ اليوم عدة مراكز في مؤسسات دوليّة تُعنى بالاقتصاد والعدالة والقانون، فقد انتُخبت خلال حزيران الماضي نائب رئيسة غرفة التّجارة الدّوليّة كما وأشغل عضويّة المجلس التنفيذي لهذه الغرفة ICC Executive board، عضوية مجلس أمناء المركز الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في القاهرة (CRCICA)، وعضويّة هيئة التّجارة العالميّة للمحكمة العليا في الصين، وسابقاً عضوية محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA)،
انتخبت عام 2017 رئيسةً عالمية للمعهد الملكي القانوني للمحكمين الدوليين في لندن CIArb، لأكون أوّل لبنانية وعربية وشرق أوسطية تتولّى هذا المنصب منذ تأسيس المعهد عام1915 في لندن. وقد تم تدشينه بأمر ملكي من جلالة الملكة إليزبيت الثانية سنة 1979، وأصبح بعدها المؤسسة الدولية المهنية الأولى الرائدة في تعزيز وترويج ونشر ثقافة التحكيم والوسائل البديلة لحلّ المنازعات، ونشر ثقافة التحكيم وتنشئة المحكم على الأسس التي عليه أن يتصف بها من المصداقية والحياد والمعرفة العلميّة المتخصصة.
وقد تمّ انتخابي لرئاسة هذا المعهد من قبل أعضاء المجمع البالغ عددهم 14,000 عضواً من المحكمين والمحامين الدوليين في فروع المعهد المنتشرة في القارات الخمسة على 37 فرعاً في 133 دولة من العالم وأنا أشكر ثقتهم.
كما وتبوّأت عضويّة المفوّضيّة السابقة للجنة التعويضات بالأمم المتحدة في جنيف؛ وكنت المرأة الوحيدة في هذه اللّجنة، بناءً على تسميتي من قبل أمين عام الأمم المتحدة السيّد كوفي أنان آنذاك.
وسُمّيتُ من قبل أطراف ومؤسسات ومراكز تحكيم دوليّة في أكثر من 150 قضيّة تحكيميّة محليّة ودوليّة، بصفة رئيس أو محكم فرد أو مستشار أو خبير. وعملت في مجال التعليم الجامعي ونشر الثقافة القانونيّة لأكثر من خمسة وعشرين سنة.
مسيرتك العلميّة تزخر بالإنجازات الهامة، هلاّ حدثتنا عن تحصيلك العلمي؟
ابتدأتُ مسيرتي في التحصيل العلمي عام 1974 حين حصلتُ على إجازتي ماجستير ودراسات قانونية عليا في القانونين الفرنسي واللبناني، من جامعتي ليون، جان مولان(Jean Moulin Lyon II)، فرنسا، والقديس يوسف في بيروت.
وحزتُ عام 1994على شهادة دكتوراه في الحقوق، قانون التجارة، من جامعة (Paris II PanthéonAssas) وما زلت أنهلُ من العلم والمعرفة خصوصاً في مجالات عملي في التحكيم، والقانون المدني، وقانون التجارة الدولية، العقود التجارية في التشريعات الإسلامية والشرق أوسطية والبنوك الإسلامية.
بدأت عملك كمؤسسة وشريكة رئيسيّة في مكتب عبيد للمحاماة منذ عام 1987، كيف بدأت هذه التجربة؟ ولماذا اخترت مجال القانون؟
لا شكّ بأنّ الخطوات الأولى للانطلاق في رحلة الاختيار هي الأصعب، قراري الدخول إلى عالم المحاماة والتحكيم لم يكن وليد لحظة عابرة، بل مشروع يوميّ في جهادي منذ أن كنت على مقاعد الدراسة حيث كان يدفعني طموحي لإرساء دولة القانون والعدالة واحترام حقوق الانسان وكرامته، إضافةً الى قناعتي بأنّ النهوض بلبنان من كبوته، يتطلّب جذب الاستثمارات الدوليّة ليكون لبنان مركزاً دولياً للاستقطاب المالي والخدماتي والسياحي، وهذا ما يتطلّب إرساء ثقافة حلّ النزاعات عبر تعزيز دور القضاء الخاص أيّ التحكيم في حلّ النزاعات خصوصاً المتعلّقة بالاستثمارات الدوليّة. إلى جانب تعزيز استقلاليّة السلطة القضائيّة، وانفتاح القضاة على التحكيم ودعمهم لكلّ ما من شأنه أن يسهّل الإجراءات ويفعّل هذه الآليّة لحلّ النزاعات، كما وإنّي أؤمن بقدسيّة رسالة المحامي كما ومهمّة المحكّم والوسيط في بناء حضارة السلام والتلاقي وحلّ النزاعات بالوسائل السلميّة والحبيّة، وهنا يحضُرني قول للمحكم الدولي Serge Lazareff:
“Arbitration is a way to settle dispute between gentlemen in a gentlemanly manner”
كما أن قراري في تأسيس مكتب عبيد للمحاماة جاء في غمار الحرب اللبنانيّة، ووليدة ثورة عكس تيار الغضب الذي كان يجتاح الساحة اللبنانية، حيث تسود فوضى وشريعة الغاب وعدم احترام حقوق الإنسان والقوانين والاتفاقات الدولية، خصوصاً وأنّ لبنان ساهم في وضع شريعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وهذا ما ولّد لديّ القناعة بضرورة تأسيس مكتب للمحاماة لكي أتمكن من إبراز دور المرأة اللبنانية في صناعة السلام وترسيخ مبادئ العدالة والقانون، مما زادني صلابة في قناعاتي دعم وتشجيع عائلتي التي آمنت بالإنسان، وبالمساواة بين الرجل والمرأة وتكافؤ الفرص، خصوصاً وأنّ والدي المرحوم اللواء جرجس قمير (لواءً وطبيباً في الجيش اللبناني)، قد زرع فينا مع والدتي حسّ المسؤوليّة الوطنية، وقد آمن بقدراتنا وأطلقنا متسلّحين بالعلم والمعرفة لنواجه الحياة، هذا هو رصيدنا، وكنزنا!
ومما زاد قناعتي أيضاً دعم زوجي لي إلى جانب عائلتي، وذلك مكّنني من خوض عالم المحاماة وتخطّي كلّ التحديات.
انخرطت سريعاً بممارسة العمل الحقوقي والتميّز به، ولديك مسيرة مهنيّة تمتد على نحو 40 عاماً، حدّثينا أكثر عن أبرز المحطات المهنيّة التي مررت بها، وشكّلت شخصيّة د. نيله اليوم؟
بنيت مسيرتي الحقوقية على مُرتكزات ثلاث: المحاماة والتحكيم أي القضاء الخاص والتعليم.
• في المحاماة، انجذبتُ الى ميادينها وعراقة تاريخها وجوهر رسالتها في تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق. كما وفي تنفيذ الخدمة العامة المتجلّية بإرساء دولة القانون والمؤسسات، وبذلك حُزت على ثقة ووكالة شركات دوليّة لمتابعة قضاياهم في لبنان وخارجه.
• أمّا في التحكيم أي القضاء الخاص لحلّ النزاعات، فمصدره الإرادة العقديّة، وإنّهُ يقتضي على المحكّم الذي يختاره الأطراف أو المؤسسات التحكيميّة الدوليّة أن يتمتّع بالاستقلاليّة والنزاهة والتجرّد، إضافةً الى الخبرة ومعرفة الأصول الإجرائيّة، ليفصل في النزاع المطروح أمامه بإصدار قرار تحكيمي يحلّ القضيّة. وأهميته تكمن في أنّ جميع الدول الموقّعة على اتفاقيّة نيويورك مُلزمة بتنفيذ هذه القرارات التحكيميّة وفقاً لمنطوقها. من هنا تنشط الاستثمارات الدوليّة ويطمئنّ المستثمرون لدخولهم في عمليّات الاستثمار المتعلّقة بمصالح التجارة الدوليّة حيث تُراعي فيها الدول ثقافة التحكيم والوسائل البديلة لحلّ النزاعات.
• ومن خلال المراكز الدوليّة التي تبوّأتها، ورسالتي في نشر التعليم وتعميم الثقافة القانونيّة، أعود بذاكرتي إلى العام 1994، حين حاولت جاهدة إدخال مادة التحكيم في مناهج التعليم في كليات الحقوق في الدول العربيّة من خلال المحاضرات والمؤتمرات التي عقدتها في جامعة الدول العربيّة، حول مستقبل التحكيم في العالم العربي ومدى أهميّة إدخال مادة التحكيم الى مناهج التعليم العالي. وكانت الانطلاقة من الجامعة اللبنانية الوطنية إضافة إلى جامعة الروح القدس الكسليك حيث درّست هذه المادة الجديدة، ومن ثمّ أدخلناها الى مختلف كليات الحقوق في باقي الجامعات، فكان لبنان أوّل دولة عربيّة تُدَرّس في كليّاتها مادة التحكيم، مما عزز ثقافة الانفتاح لدى القضاة والمحامين والطلاب وكيفيّة تعاملهم مع الإجراءات والقرارات التحكيميّة المحليّة والدوليّة. ومنذ عام 1994حاضرت في التحكيم التجاري الدولي في العديد من الجامعات ومنها في معهد القضاء اللبناني وجامعة باريس الثانية – بانتيون أسّاس، وفي جامعة اوكسفورد في المملكة المتحدة. كما وإنني نظّمت دورات تدريبيّة عديدة، وقمت بتدريب عدد كبير من القضاة في مختلف الدول العربيّة أي السعودية، قطر، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، الجزائر، سوريا، لبنان، وذلك إيماناً منّي بأهميّة نشر ثقافة التحكيم والوسائل البديلة لحلّ المنازعات في العالم العربي، وتنشئة المحكم على الأسس التي عليه أن يتصف بها من مصداقية وحياد ومعرفة علميّة متخصّصة، وإنشاء شبكة بين مؤسسات التحكيم والمحكّمين في الدول، كما والتعاون بين القضاء والتحكيم لجهة انفتاح القضاء العام على القضاء الخاص.
ومن أبرز المحطّات في حياتي، إنتخابي عام 2017 رئيسةً للمعهد الملكي للمحكّمين القانونيين الدوليين في لندن، وأبرز ما قُمنا به خلال ولايتي رئاسة هذا المعهد تنظيم ثلاث مؤتمرات دوليّة بعنوان: “التآزر بين القانون المدني والقانون الأنغلوسكسوني في التحكيم الدولي”، The Synergy and Divergence between Civil Law and Common Law in International Arbitration
وذلك في كلّ من دولة الإمارات العربيّة للقارة الآسيويّة والدول العربيّة خلال شهر آذار 2017، بحضور وزراء العدل العرب ورؤساء مجالس القضاء العليا ومحاكم التمييز، بالإضافة لمؤتمر في هذا الموضوع في جوهانسبرغ- جنوب أفريقيا للقارة الإفريقيّة خلال شهر تموز2017، وللقارة الأوروبيّة في باريس خلال كانون الأوّل 2017.
لقد جمعت هذه المؤتمرات كوكبةً من رجال وسيدات القانون من وزراء عدل وقضاة ومحامين ومحكمين دوليين، وبحثنا في واقع التشريعات وملائمتها مع التحكيم الدولي، كما كانت لنا لقاءات عديدة مع وزراء العدل في كلّ من هونغ كونغ ونيجيريا وإنكلترا والصين والدول العربيّة، وقمنا بإعداد وتنظيم حلقات ودورات تدريبيّة لتفعيل ثقافة التحكيم، وقد أبدينا الرأي القانوني في دراستنا ومناقشتنا لأهم قوانين التحكيم الدوليّة والعربيّة التي صدرت حديثاً ومنها الإمارات، قطر، السعودية، سوريا، الهند، كوريا وغير ذلك.
وخلال شهر كانون الثاني 2018 أطلقنا من بيروت مؤتمراً دولياً لمحكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA بعنوان “إدارة وحلّ النزاعات خلال الأزمات وما بعدها”، بمشاركة المديرة التنفيذية LCIA الدكتورة جاكومجن فان هوف ونائب الرئيس كريستوفر ستايل، وناقشنا خلاله الآليات الاقتصاديّة والماليّة والقانونيّة لجذب الاستثمارات وإعادة الإعمار.
هذا ما حاولت السعي إليه جاهدةً، ولا أزال، ففي ذلك تكمن رسالتي في تفعيل ثقافة التحكيم، وجعل الدول مراكز لاستقطاب الاستثمارات الدوليّة، وبذلك تتحوّل الى مقصد رئيسي للتحكيمات الإقليمية والدولية كما وتعزيز الملتقيات الفكريّة لمناقشة الأمور الاقتصادية والقانونية والتحكيميّة كافة. فالأساس هو في تدعيم جسور التّواصل وخلق التناغم بين الثقافتين القانونيتين في النظم القانونيّة المدنيّة والأنجلوسكسونية والفقه الإسلامي.
وهذا كلّه زادني اعتزازاً بما آمنتُ به وسعيتُ لتحقيقه، عندما ألتقي طلابي وهم يتبوّأون اليوم أهمّ المراكز العالميّة والإقليميّة في مكاتب المحاماة والتحكيم الدوليّ، والمراكز العالميّة الاقتصادية والتحكيميّة، ولا بدّ من التنويه بأنّ لبنان أضحى في المرتبة الأولى لجهة عدد المحكمين والمحامين اللبنانيين المعيّنين في قضايا التحكيم في الشرق الأوسط.
د. نيله، أثبتِّ حضور قويّ في أهم المراكز القانونيّة العالميّة، حيث شاركت بنشاط في أكثر من 150 تحكيم دوليّ كطرف معيّن، ومثّلت كيانات حكوميّة مهمّة ولديك تواجد في هيئات ولجان دولية بارزة، من المؤكد أنّ تبوأ هذه المرتبة لم يكن سهلاً، برأيك، ما سرّ التميّز في ممارسة العمل الحقوقي، وكيف طوّرت خبرتك في العمل الحقوقي؟
لكي ينجح الإنسان في اختيار عمله لا بدّ له أولاً من أن يكون شغوفاً بما اختاره، وقد تكون خياراتنا في الحياة وليدة لحظة أو موقف أو تمثّلنا بشخص نرغب أن نشابهه بما تركه من بصمة في الحياة. إلاّ أنني عندما اخترت الميدان الحقوقي أخذت عهداً على نفسي بألاّ أفوّت فرصة لتطوير معرفتي القانونيّة، فشاركت في العديد من المؤتمرات والدورات الدوليّة التي تعزّز خبراتي العلميّة والمهنيّة، وكباحثة أكتب المقالات والدراسات القانونيّة التي تعالج المسائل الشائكة في القانون الدولي وفي منازعات الاستثمار والتأمين والمصارف.
وعليه، فإن سرّ النجاح يكمن في الثبات رغم كلّ التحديات، وأن يكون للمحامي صفة الباحث الدائم ليواكب كلّ التطورات والمشاكل التي يشهدها عالم اليوم خصوصاً بعد أزمة الكوفيد 19، لذلك فإنّي أعمل بجهد لمتابعة أدقّ التفاصيل في اللوائح والمذكرات والأحكام والقرارات التحكيميّة، وأؤمن بالتواصل والحوار البنّاء، ولم أقُل يوماً بأنني قد وصلتُ، بل أسعى الى الوصول.
لديك العديد من المنشورات في مجال القانون، هلاّ أطلعتنا على أهمّها؟
إنّ أهم الكتب والدراسات والمقالات والمحاضرات التي عملت عليها:
• “التحكيم في القانون اللبناني”، دراسة مقارنة، صادر سنة 1999 عن دار برولان، بلجيكا وعن دلتا، بيروت في اللغتين الفرنسيّة والانكليزية.
“L’Arbitrage en Droit Libanais” Bruylant, Belgique, et Delta, Beyrouth.
• “قـانون العقود التجـارية في البلدان العربية الشرق أوسطية”، صادر عن دار كلوير، أيار 1996.
“The Law of Business contracts in the Arab Middle East”Kluwer Law International, May 1996
• “العقود التجارية في التشريعات الاسلامية”، صادر سنة 1995 عن دار ايكونوميكا في باريس.
“Les Contrats en Droit Musulman des Affaires”, Economica, Paris 1995
• إضافةً الى العديد من المقالات والأبحاث والدراسات المنشورة في أبرز المجلات الحقوقيّة والقانونيّة الدوليّة.
حزت على العديد من الجوائز التقديريّة، كان أبرزها اختيارك كمحامية رائدة في مجال التحكيم في لبنان من قبل Who’s Who للمحامين الدوليين المختصّين في القانون التجاري، واختيارك كمحامية رائدة في مجال حلّ النزاعات في لبنان من قبل Chambers Global، كيف تصفين هذه التجارب؟
كلّ ذلك زادني ثقةً بأنّ من يعمل ويؤمن بقدراته ويطوّرها يستطيع أن يصل ليحقّق وينجز الكثير في هذا العالم، كما وأنّ هذا التكريم والتقدير جعلاني أسير قُدماً نحو محراب العدالة والقانون، وحمّلاني مسؤوليّةً كبيرةً لتحقيق أهداف سامية من خلال تفعيل ثقافة السلام، وتوحيد الجهود في خدمة العدالة ودعم المؤسسات القانونيّة والتحكيميّة ودفع الطاقات العربيّة والدوليّة في العالم.
تمّ ترشيحك كرئيس هيئة التحكيم لعام 2020 من قبل Arbitrator Intelligence، ما هي هذه الجائزة وما هو انطباعك على هذا الأمر؟
من بين مئات المحكمين في العالم، اختارتني اللجنة المشرفة على جائزة Arbitrator Intelligence لأكون المحكم الرئيس المتميّز لعام 2020 في “ذكاء المحكمين”.
وتهدف هذه الجائزة التي انطلقت من الولايات المتحدة الأميركيّة الى تعزيز الشفافية والمساءلة والتنوع في اختيار المحكمين من خلال تفعيل الوصول إلى المعلومات الهامّة حول المحكّمين وإصدارهم للقرارات التحكيميّة.
تقوم هذه الجائزة السنويّة من خلال منصتها الإلكترونيّة على جمع ومعالجة المعلومات المتعلّقة بأداء المحكّمين في القضايا التحكيميّة التي يتولّون الفصل بها وذلك باعتماد معايير السريّة التّامة.
وقد لقيتُ الثناء الإيجابي من خلال استبيان آراء الأطراف والمحامين الخاسرين في عدّة قضايا تحكيميّة قد سبق أن مثلوا فيها أمامي بصفتي مُحكّماً. كما وخلص الأطراف الخاسرون الى إبداء الملاحظات الإيجابيّة على أدائي في هذه القضايا، وأشادوا بحسن إدارة القضايا والفصل بها، ومنح الأطراف كافة حقوق الدفاع. وأبدى الأطراف في استبيان آرائهم ثقتهم بإعادة تعييني مُحكّماً فرداً في قضايا مستقبلية.
وتقديراً لهذا التميّز، مُنحت شارة المُحكّم الخاصة بهذه الجائزة، مع الإعلان عنها عبر مواقعها العالميّة ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، وهذا ما يزيدني ثباتاً وإصراراً على العمل وفق القيم والمبادئ والقواعد التي ترعى مهنة المحاماة والمحكّم.
في المجتمعات العربيّة غالباً ما تعاني المرأة من صعوبات في أداء عملها لعدّة أسباب، ما هي أبرز الصعوبات والعقبات التي تجاوزتها؟
منذ النصف الثاني من القرن العشرين، تطوّر الوعي بأهمية تعليم المرأة في المجالات المختلفة، بما في ذلك مهنة المحاماة، وفُتِح الباب أمام النساء لمتابعة تخصصهن في القانون التجاري الدولي وإثبات كفاءتهن وصفاتهن القيادية، خصوصاً في مجال التحكيم.
أتذكر عندما كنت أحضر ندوات التحكيم في التسعينيات، لم يكن من بين المشاركات سوى عدد قليل جدًا من النساء المشاركات والمحاضرات، وعدد قليل أيضاً من السيدات يُتابعن الدراسات العليا في مجال القانون التجاري الدولي. أمّا اليوم فقد تغيّرت الأمور حيث يواصل عدد أكبر من الطالبات تخصصهن في مجال التحكيم خاصة، وأنه أصبح جزءًا من المناهج الأكاديمية للدراسات العليا في العديد من كليّات الحقوق.
أما بالنسبة لتجربتي الخاصة، فعندما قررت دراسة القانون لأكون قاضية، حذّرني والدي من أنه سيكون من الصعب جدًا على المرأة أن تصنع لنفسها اسمًا في هذا المجال، والذي يقتصر بشكل أساسي على الرجال. كان هذا هو التحدي الأوّل بالنسبة لي، والتحدّي الثاني كان عندما قررت أن أكون مُحكمًا، وليس قاضية مُفوّضة من قبل السلطة العامة. وهذا ما كان ابتكارًا حقيقيًا لامرأة شرق أوسطية، على الرغم من بروز عدّة نساء رائدات في نشر كتابات قيّمة عن التحكيم، مثل سامية راشد وحفيظة حداد، حسيبة القليوبي وغيرهن، والتحدّي الأكبر أنّ ثقافتنا تعطي السلطة للرجل، ومن الصعب القبول بتسمية امرأة لتسوية النزاعات المحلية والدولية فتكون محطّ ثقة في هذه المهمّة. إذ يقتصر دور النساء على تقديم الدعم دون أن تكون صاحبة القرار للفصل.
عندما قررت العمل في هذا المجال، تلقّيت عدّة نصائح من أصدقاء قالوا لي حينها: “لا تسيري في هذا الطريق، فلن يقبل أي رجل أن يتزوّجك”. لكنّني لم آخذ بهذه النصائح والتقيتُ بزوجي الذي تحمّل هذه المخاطرة وقرّرنا أن نبني معاً عائلتنا.
أعترف أنه بدون دعم زوجي وأولادي فيما بعد وتقبّلهم لدوري، لم أكن لأتمكّن من النجاح في مهنتي كمحكّم دولي، وزاد من فخري أن أولادي زياد وزينة اختاروا طريق القانون والمحاماة.
لم يكن اكتساب الثقة بالمرأة في البيئة المهنيّة والاعتراف بدورها بالأمر السهل. أتذكر عندما تم اقتراح اسمي ذات مرة كرئيسة في تحكيم محلي، رفض أحد المحكمين أن تترأس الهيئة التحكميّة امرأة، فالمُحكّمة تخوض معارك عديدة في هذا المضمار خصوصاً وأنّ ذلك يتطلّب منها التمتّع بحريّة الحركة والسفر، وبناء سمعة مهنيّة عالية في مجالها دون أن تفقد أنوثتها، وتولّي دورها كمحكم محترف وكزوجة وأم، وأن تضع عملها قبل حياتها الاجتماعية وحتى قبل عائلتها عند الضرورة، معظم هذه الأمور حسّاسة للغاية.
وبالتالي، فإن الجمع بين العمل والحياة العائليّة يُشكل تحديًا إضافيًا ليس سهلاً على النساء، ولكن ذلك قد يُشكّل عقبة أوليّة في اقتناص الفُرص التي تمنحنا إيّاها الحياة، الأهم بالنسبة لي هو أن تستطيع المرأة تنظيم وقتها والتنسيق بين عائلتها وعملها بشكل متوازن.
في ضوء تجربتي، أود أن أقول إن كونك امرأة في التحكيم ليس قصة “رجال مقابل نساء”، كما أنها ليست قصة “نساء من الغرب مقابل نساء من الشرق الأوسط”.
في الواقع، أن تصبح محكمًا دوليًا هو تحدٍّ بحدّ ذاته، سواء كان ذلك لرجل أو امرأة، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر في العالم.
ومن المسلّم به أنه لا يزال يتعيّن بذل جهود على المستويين الوطني والدولي من أجل ضمان تغيير العقلية وتحقيق المساواة بين الجنسين. أعتقد أن أهم التغييرات يجب أن تأتي من الداخل، من النساء أنفسهن إلى جانب الرجال الذين يدعمون هذا التطوّر. عندها فقط سنكون قادرين على رفع مستوى الوعي حول أهمية هذه القضية وجعل النساء المحكّمات أكثر رؤيويّة في عالم التحكيم.
د. نيله اليوم تمثلين قدوة للشباب الراغبين بالتميّز والنجاح في ممارسة العمل الحقوقي، ما أهمّ نصيحة يمكن أن توجهيها لهم؟
بعد أن مارست القانون لأكثر من 40 عاماً وقمت بتدريسه، زادت قناعتي بأهميّة نشر الثقافة القانونيّة في النظم القانونيّة المدنيّة والأنجلوسكسونية والإسلاميّة، خصوصاً لجهة القضاء الخاص أي التحكيم، فإنّني أشجع الشباب على متابعة تحصيلهم العلمي، لأنه أقوى رصيد.
عليهم أن يضعوا أهدافًا وغايات طموحة، وأن يسعوا باستمرار إلى الأداء بامتياز مهني، لا مفرّ من التحديات، يجب تخطّيها والاستمرار بقوة وتصميم كاملين متسلّحين بالمناقبيّة المهنيّة. فطريق النجاح يتطلّب العمل الدؤوب والمستمرّ، ولكن لا بدّ من الوصول! فقيمة المرء ليس بما بلغه، بل بما ينوي بلوغه، كما يقول جبران خليل جبران.
اسمحوا لي أن أشكركم وأشكر مجلة Arabisk London الكريمة لاستضافتي على صفحاتها متمنية لكم وللقراء الأعزّاء التوفيق والتميُّز.