يشهد اليوم تعيين ليز تروس رسمياً رئيساً لوزراء بريطانيا وزعيما لحزب المحافظين، بعد انتصارها على منافسها الملياردير المنحدر من الهند، وزير المالية السابق ريشي سوناك، وهي ثالث امرأة تصل لذلك، بعد مارجريت تاتشر وتيريزا ماي.
ومن المعروف عن تروس انها صاحبة رحلة سياسية جيدة، لكنها لم تكن الخيار الأول لنواب حزب المحافظين لتكون بديلاً لبوريس جونسون، إلا أن برنامجها الانتخابي الجريء، ووعودها بدعم “نمو الاقتصاد في بريطانيا”، وخفض الضرائب والحد من البيروقراطية، نال إعجاب أعضاء الحزب وتصدرت نتائج استطلاع بنسبة 57%.
وتعهدت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة، أمس الاثنين بعد فوزها بسباق رئاسة الوزراء البريطانية، أنها ستنفذ كل الوعود التي قطعتها على نفسها، بما في ذلك تقديم خطة قوية لخفض الضرائب وزيادة النمو الاقتصادي، والتعامل مع مشكلة إمدادات الطاقة.
وهذا ما أكده أيضا رئيس وزراء بريطانيا المنتهية ولايته بوريس جونسون في خطاب الوداع أن خليفته ليز تروس سوف تبذل قصارى جهدها لإخراج بريطانيا من أزمة الطاقة التي تواجهها حاليا.
لكن محللين يرون أن ذلك لن ينفع أبدا، فمهما كانت التكتيكات والأسلوب الذي تتبناه فلن يكون الأمر سهلا؛ فإن الإرث الذي خلفه سلفها بوريس جونسون، لا سيما في ظل حجم المشاكل والتحديات الهائلة كبير جدا، حيث تواجه ليز تروس مهمة صعبة للغاية، وتحديات وصفت بأنها ربما تأتي بالمرتبة الثانية من حيث الصعوبة التي واجهها رؤساء الوزراء في بريطانيا منذ الحرب بعد مارجريت تاتشر من حزب المحافظين عام 1979، لكنها على ما يبدو مدركة تماماً لما ينتظرها.
وهذه أبرز التحديات التي تنتظر رئيس الوزراء البريطاني الجديد
التضخم
من المتوقع أن يدخل الاقتصاد البريطاني في ركود طويل في وقت لاحق من هذا العام مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في 40 عاماً، ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يرتفع التضخم في بريطانيا، حيث قال بنك جولدمان ساكس إنه قد يصل إلى 20٪ إذا لم تنخفض أسعار الغاز.
الطاقة وتكلفة المعيشة
ويعد ملف الطاقة من أصعب التحديات التي تواجها تروس، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع جديد في أسعار الوقود بالمملكة المتحدة بنسبة 60% خلال الأسابيع المقبلة؛ ما يعني أن إجمالي الزيادة خلال العام الجاري (2022) سيصل إلى 150%.
وتوقعت جمعية الطاقة الوطنية الخيرية في بريطانيا، أن يدفع ارتفاع أسعار الطاقة الجديد نحو 8 ملايين مواطن إلى فقر الطاقة؛ أي ما يوازي شخصا من بين كل 3 أشخاص.
وتضاعف مسألة أسعار الطاقة في المملكة المتحدة من أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة؛ حيث تقود أسعار النفط والغذاء معدلات التضخم لتبلغ رقمين (بدءًا من 10).
وكانت الحكومة قد أعلنت حزمة مساعدات للمواطنين بقيمة 37 مليار جنيه إسترليني (44.8 مليار دولار أميركي)، لكن الزيادة الجديدة المتوقعة تضع ضغوطا إضافية على رئيس الوزراء القادم.
الرعاية الصحية
ترتبط بأزمتي الطاقة وتكلفة المعيشة، وهي تحد آخر أكثر تأثيراً، حيث يلاحظ تراجع الرعاية الصحية والتأخر المتزايد لسيارات الطوارئ والإسعاف في إغاثة المرضى، منذ جائحة كورونا.
وهناك مخاوف من أن يؤدي تراجع إمكانات التدفئة في الشتاء المقبل، وتزايد الفقر، إلى ضغوط على مؤسسات الرعاية الصحية التي تعاني الاجهاد والتراجع منذ جائحة كورونا.
ويُعد التأخير في سيارات الإسعاف على وجه الخصوص عاملاً من عوامل استمرار الحالة السيئة للرعاية الاجتماعية للبالغين.
كما يشغل العديد من أسرة الرعاية الصحية، المرضى الأكبر سناً والضعفاء الذين ليس لديهم ببساطة مكان يذهبون إليه، ما يمثل تحديا رئيسيا أمام تراس في الأسابيع المقبلة.
سوق العمالة
وتظهر البيانات الرسمية أن عدد العاملين في الاتحاد الأوروبي في بريطانيا انخفض بمقدار 188 ألفا عما كان عليه قبل عامين، في حين ارتفع عدد الأشخاص المدرجين على أنهم غير نشطين بسبب المرض طويل الأمد إلى أعلى مستوى في 19 عاماً عند 2.39 مليون في حزيران ، بزيادة حوالي 300 ألف عما قبل الوباء. ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات على انخفاض الطلب على العمال.
وبدأت الوظائف الشاغرة، التي سجلت رقما قياسيا بلغ 1.3 مليون في نيسان، في الانخفاض بينما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في حزيران لأول مرة منذ 17 شهراً.
التخفيضات الضريبية
وتعهدت تروس بخفض الضرائب ، بدءًا من عكس زيادة مساهمات الضمان الاجتماعي وتعليق ما يسمى بالرسوم الخضراء على فواتير الكهرباء.
وحذر الاقتصاديون من أن ضخ كميات كبيرة من الأموال في جيوب المستهلكين قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم في بريطانيا.
بالإضافة إلى مخاطر تغذية التضخم ، فإن التخفيضات الضريبية لزيادة الإنفاق ستضع مزيدًا من الضغط على عجز الميزانية البريطانية في وقت يقترب فيه الدين العام من 100٪ من الناتج الاقتصادي.
شتاء شديد القسوة
قال مدير السياسات في “إن إي إيه”، بيتر سميث: “إن هذا الشتاء -شتاء 2023، سيكون شديد القسوة على ملايين الأشخاص في المملكة المتحدة، وعلى الحكومة القادمة التصرف على المستويين العاجل والطويل”.
وقدر سميث عدد الذين يموتون بسبب عدم القدرة على تدفئة منازلهم في المملكة المتحدة بنحو 9 آلاف و700 شخص سنويا.
دعم الطاقة
كانت حكومة المملكة المتحدة قد قررت، في شهر أيار الماضي، دعم كل أسرة بنحو 400 جنيه إسترليني (484 دولارًا أميركيا) بدءًا من شهر تشرين الأول المقبل، لكن مع الزيادة الجديدة المتوقعة في أسعار الطاقة، لن تعالج تلك المبالغ كل المشكلة.
وإذا لم يستطِع السكان دفع فواتير الطاقة، ستتأثر الشركات المزودة بالوقود سلبًا؛ ما يخلق صعوبات تهدد وجود بعضها، كما حدث العام الماضي (2021)؛ إذ أفلست أكثر من 25 شركة.
إضرابات العمال
حيث تشهد بريطانيا زيادة وتيرة الإضرابات العمالية التي طالت عددا كبيرا من قطاع الخدمات مثل السكك الحديدية وعمال الموانئ والقضاء وعمال البريد وغيرها من القطاعات.