تعد روشيستر من المدن التاريخية الجذابة، وهي تقع على مسافة قريبة للغاية من مدينة لندن. فهي على مبعدة ساعة تقريباً بالسيارة، أو على مسافة 45 دقيقة فقط بالقطار.
وتطل مدينة روشيستر على نهر ميداوي، الذي يعتبر أحد روافد نهر التايمز. ونهر ميداوي من الأنهار النشطة التي يكثر فيها المد والجزر، ويبلغ اتساعه عند هذه النقطة نحو 150 متراً. ولقد كانت هناك مستوطنة قديمة في هذا المكان منذ العصر الروماني القديم، وكان هناك طريق روماني يصل بين لندن ودوفر ويعرف باسم «شارع واتلينغ»، وكان يعبر نهر ميداوي عند هذه النقطة.
تقع قلعة روشيستر على ارتفاع تل صغير يطل على نهر ميداوي، وإن كنت تقود سيارتك إلى المدينة، فمن الممكن أن تترك السيارة أسفل أسوار القلعة إلى جانب ضفة النهر وتجلس في الحديقة الصغيرة الجميلة المطلة على النهر الكبير، وتستمتع بالمناظر الخلابة قبل أن تنطلق إلى زيارة المدينة القديمة.
شيدت هذه القلعة على أيدي النورمان بعد احتلالهم لإنجلترا في عام 1066. ويعكس بناء البرج الرئيسي في القلعة وبوضوح التصميم المعماري لبرج لندن، الذي بناه النورمان أيضاً. ومن الممكن العبور من خلال جدار الحدود الخارجية وتتجول مجاناً فيما كان يعرف بالفناء الداخلي للقلعة، الذي أصبح الآن حديقة من الحدائق. وهناك رسوم من أجل الدخول إلى برج القلعة، والأمر يستحق الصعود إلى الأعلى لمشاهدة المنظر العام عبر نهر ميداوي. ومما يؤسف له أن الأرضيات الأصلية قد زالت منذ فترة طويلة، ولكن هذا يمنحك الفرصة لدراسة كيفية بناء القلعة ومعرفة أسباب صمودها لأكثر من 1000 سنة عبر الزمن.
والكاتدرائية هي من المعالم السياحية الجميلة الأخرى في مدينة روشيستر، التي تقع في الجهة المقابلة من القلعة. وشيدت الكاتدرائية في عام 604 أعيد بناؤها وتوسيعها على مر السنين. وبدأت أعمال البناء في المبنى الحالي للكاتدرائية في أعقاب الغزو النورماني، نحو عام 1080، ومن الممكن مشاهدة الأجزاء التي بناها النورمان من خلال النظر إلى الأقواس النورمانية المنحنية هناك. والأجزاء التي شيدت لاحقاً من الكاتدرائية تضم الأقواس المدببة، وهو أسلوب البناء المعماري الذي يعود بأصوله إلى العمارة العربية.
وبالنسبة لأولئك الذين لديهم اهتمامات أدبية، فإن المؤلف الإنجليزي الشهير من القرن التاسع عشر، تشارلز ديكنز، اعتاد على أن يعيش في منزل يقع عبر النهر في مدينة روشيستر ويسمى «غادس هيل»، وهو مفتوح الآن لزيارة الجمهور ولكن وفق نظام معين. وكان ديكنز يعاني الفاقة في أيام طفولته الأولى، عندما كان والده في السجن لفترة محدودة من الزمن بسبب الديون، ولقد لفتت قصصه المؤلفة الانتباه إلى مآسي الفقراء والعمال العاديين الكادحين.
وعاش ديكنز أيام طفولته في مكان قريب يُعرف باسم تشاتام، وكان يعرف منزله هناك جيدا. ولقد عقد العزم على شراء هذا المنزل بمجرد أن يتيسر له المال الكافي. ولقد تمكن فعلاً من امتلاك المنزل لمدة 14 عاما، ووافته المنية هناك في عام 1870. وبعد ذلك تم بيع المنزل ومتعلقاته ومحتوياته في مزاد علني. ولقد تمكن نجله الأكبر من ابتياع المنزل، ثم أدرك أنه لا يستطيع الاحتفاظ به كثيراً فاضطر إلى بيعه في وقت لاحق. وهذا المنزل هو جزء الآن من مدرسة خاصة، ولكنه مفتوح للزائرين خلال بضع عطلات نهاية الأسبوع ما بين شهري مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول) من كل عام.
يضم شارع «هاي» القديم عدداً من المباني التاريخية، بما في ذلك منزل «إيستغيت هاوس»، الذي يرجع بناؤه إلى عام 1591، وجاء ذكره في قصتين من تأليف تشارلز ديكنز. كما أن هناك عدداً من المتاجر الرائعة، ولا سيما إن كنت من المهتمين باقتناء التحف. ومن أفضل المتاجر من وجهة نظري هو مكتبة «باغينز»، التي تملك على ما يبدو واحدة من أكبر مجموعات الكتب المستعملة في البلاد. وهي أحد المتاجر التي يمكنها أن تستغرق وقت زيارتك للمدينة بالكامل، وبعد بضع دقائق من استكشاف المكان سوف تنجذب عيناك، ولا بد، نحو أحد الكتب القديمة المثيرة للاهتمام الذي لن يمكنك العثور عليه في أي مكان آخر.
وعلى بعد بضعة أميال قليلة من مصب النهر في مدينة روشيستر تقابلك بلدة تشاتام، الذي تحول حوض بناء السفن القديم فيها إلى متحف كبير. ولدينا المزيد عن هذا المكان في مقال قادم. وإن أتيحت لك الفرصة فربما تحاول الجمع بين زيارة البلدتين في يوم واحد.