الكثير منا لاحظ زهرة الحمراء التي يرتديها معظم مواطني المملكة المتحدة في هذا الوقت من كل عام، لكن القليل يعرف إلى ماذا ترمز هذه الوردة، ولماذا يضعها البريطانيون في هذا الشهر بالتحديد!؟
زهرة “الخشخاش” أو ما تعرف بوردة “بوبي” تمثل تذكار لضحايا الحرب العالمية الأولى من البريطانين، ويتوجب على كافة مواطني المملكة المتحدة من عامة الشعب وصولاً إلى الطبقة الحاكمة والعائلة المالكة أن يضعوا هذه الوردة الخشخاش على ملابسهم، لتوكيد هذه المناسبة الوطنية.
لكن لماذا تم اختيار شهر نوڤمبر لوضع التذكار؟ والسؤال الأصح لماذا توضع زهرة الخشخاش في 11 نوڤمبر؟
يعود توقيت هذا الاحتفال إلى الساعة التي تم إعلان إيقاف الحرب العالم
في الساعة الحادية عشر، واليوم الحادي عشر من شهر نوڤمبر، وهو اليوم الذي وقعت فيه الهدنة بين ألمانيا والدول الحلفاء عام 1918، في هذا اليوم تقوم بريطانيا والدول المنتمية إلى الكومونويلث بتنظيم احتفالات وطنية لتخليد ذكرى الجندي الذي سقط خلال معارك وبقيت رفاته في ساحات القتال والذي أطلق عليه إسم (الجندي المجهول)، إلا أن هذه الاحتفالات أصبحت أكثر شمولية لتضم دول كثيرة تخليداً لشهدائها.
بدأت فكرة الاحتفال عندما طالب ملك إنكلترا جورج الخامس في عام 1919 بتخصيص يوم يتذكر فيه الشعب البريطاني ضحايا الحرب العالمية الاولى، إذ قال ” إنني مقتنع أن الرعايا في كافة مناطق الإمبراطورية يتمنون بحرارة أن يستمر تذكر كافة الذين ضحوا بأرواحهم لجعل هذه الحرية ممكنة التحقيق، ولكي تتوفر لنا الظروف للتعبير بشمولية عن هذا الشعور أتمنى أن تكون ساعة دخول الهدنة موضع التنفيذ أي الساعة الحادية عشرة في اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من كل عام، لمدة دقيقتين قصيرتين فقط تتوقف فيهما كليا كافة أنشطتنا اليومية”.
وتعود فكرة اختيار زهرة الخشخاش إلى الجندي الكندي جون ماكري الذي كان طبيبا في القوات الكندية إبان الحرب العالمية الأولى الذي كتب في حينه قصيدة بعنوان (في حقول فلاندرز) اتى فيها على ذكر كلمة الخشخاش عدة مرات، هذه القصيدة التي جسدت كلماتها وحشية الحرب العالمية الأولى، والعدد الكبير الذي حلفته ورائها، وبلغت أهمية هذه الزهرة لدرجة إقامة مصنع في بريطانيا، في العام 1922 ، لصناعة زهرة الخشخاش، وتم توظيف الجنود الذين أصيبوا بإعاقات في الحرب للعمل فيه.
وهناك رواية أُخرى تقول أن البريطانيون يعتقدون أن زهرة الخشخاش بدأت بالنمو في الأراضي القاحلة التي قُتل بها معظم جنود الجيش البريطاني ودفنوا فيها خلال الحرب العالمية الأولى.
والجدير بالذكر أنه في الأيام التي سبقت الإحياء الأول للذكرى، راح وزير أمريكي للحرب يبيع زهرة الخشخاش للأصدقاء، وذلك بهدف جمع التبرعات للمحاربين القدماء، ومنذ ذلك الحين، تُنظم كل عام حملة جمع التبرعات، التي صارت معروفة باسم Poppy Appeal، وكان 1921 هو العام الذي تأسس فيه الفيلق الملكي البريطاني.
وفي البداية، كانت الزهرة مصنوعة من الحرير، وليس من الورق كما هو الحال اليوم، وفي 2018، يقول الفيلق الملكي البريطاني إن حملة هذا العام تهدف إلى توجيه الشكر لجيل الحرب العالمية الأولى، وذلك في ذكرى مرور 100 عام على نهاية تلك الحرب، كما أُقيم نصب لزهرة الخشخاش الحمراء بطول 6 أمتار في المتحف البحري الوطني، ويحمل النصب رسائل كتبها بعض أولئك الذين عاشوا تلك الحرب.
على الرغم من أهمية هذه الاحتفالات الوطنية، إلا أنه في بعض المناسبات يُمنع الاحتفال بها، ذلك ما حدث عام 2016 عندما تم تغريم عدد من منتخبات الدول الأوروبية لارتدائهم زهرة الخشخاش إحياءً لهذه المناسبة، إذ كان لاعبو منتخبي إنجلترا واسكتلندا قد ارتدوا قمصانا تحمل رمز زهرة الخشخاش أثناء لقائهما في ويمبلي في 11 نوڤمبر من عام 2016.
كما شارك منتخبا ويلز وأيرلندا الشمالية خلال مباراتهما في إحياء ذكرى المناسبة، إلا أنه كان لإدارة الفيفا رأياً آخر، فقامت بفرض غرامة على انجلترا قدرها 45 ألف فرنك سويسري (ما يعادل 35311 جنيه استرليني)، وفرضت غرامة على اسكتلندا وويلز قدرها 20 ألف فرنك سويسري (ما يعادل 15694 جنيها استرليني، وفرضت على أيرلندا الشمالية غرامة قدرها 15 ألف فرنك سويسري (ما يعادل 11770 جنيه استرليني).
وقال كلاديو سولیستر، رئيس لجنة الأخلاق بالفيفا وقتها، إنه بالرغم من أنه “يحترم تماما” المراسم الاحتفالية، فإنه شدد على أن القواعد الرياضية المعمول بها ينبغي تطبيقها على جميع الاتحادات الأعضاء”، وأضاف : “يحظر تماما إبراز أي رمز ينطوي على توجه سياسي أو ديني، أو أي توجه آخر، ولا توجد أي مساحة داخل الملعب وعلى أرض الملعب إلا لممارسة الرياضة”.
كان هناك الكثير من الانتقادات الموجهة للأشخاص الذين يرفضون الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، وقد وجهت هذه الانتقادات خصوصاً للمهاجرين والمسلمين ممن يقطنون المملكة المتحدة، لذا في عام 2014 وخلال الحملة السنوية لزهرة الخشخاش» قامت الجمعية الإسلامية في بريطانيا بالتعاون مع منظمة «مستقبل بريطانيا» بالترويج لحجاب يحمل زهرة الخشخاش، وجاء تصميمه من قبل مصممة أزياء مسلمة تدعى تابيندا كوثر اشهاق البالغة من العمر 25 عاما، وكانت قد درست في كلية لندن لتصميم الأزياء وفي تعليقها على هذه الخطوة قالت إنها قررت القيام بهذا العمل بعد أن رفض بعض المسلمين بازدراء فكرة ذكرى الحرب ويوم الهدنة.