في حديث له مؤخراً، أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أنه يسعى إلى إقامة «شراكة أمنية طموحة» بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن بريطانيا ليست مضطرة للاختيار بين أوروبا والولايات المتحدة، وجاءت هذه التصريحات قبيل اجتماعه مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة قضايا الأمن والدفاع، ليكون بذلك أول زعيم بريطاني يحضر اجتماع المجلس الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد قبل خمس سنوات.
وشدد ستارمر على ضرورة إقامة شراكة أمنية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تعزز دور حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفي مواجهة انتقادات تتعلق بعدم وضوح الطموحات البريطانية في هذا المجال، أوضح أن الشراكة يجب أن تشمل التعاون في التكنولوجيا العسكرية والبحث والتطوير، وتحسين حركة القوات عبر أوروبا، وحماية البنية التحتية الحيوية، إلى جانب تعزيز التعاون الصناعي لزيادة الإنتاج الدفاعي.
وقال ستارمر للصحفيين: «لا يمكننا أن نكون مجرد معلقين عندما يتعلق الأمر بالسلام في قارتنا. يجب أن نقود، وهذا ما عازم على تحقيقه».
جاءت هذه التصريحات خلال زيارته لمقر حلف شمال الأطلسي بعد لقائه الأمين العام للحلف مارك روته، الذي شدد بدوره على أن الحلفاء بحاجة إلى إنفاق «أكثر بكثير» من الهدف الحالي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ أيضاً: ترامب يشيد بـ ستارمر ويصفه بـ «الناجح جداً»!
وخلال عشاء رسمي في بروكسل، دعا ستارمر القادة الأوروبيين إلى تعزيز التعاون في مواجهة التهديدات التي تستهدف البنية التحتية، وأثار مخاوف بشأن سلسلة من الحوادث التي تعرضت فيها كابلات بحرية للتخريب، مما أثار شبهات حول تورط جهات مدعومة من روسيا أو الصين.
وفي الوقت الذي دعا فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تبني سياسة تسليح «أوروبية بحتة»، حثّ ستارمر القادة الأوروبيين على عدم استبعاد المملكة المتحدة من خطط الإنفاق الدفاعي، وقال وفقاً لما نقلته مصادر حكومية بريطانية: «التجزئة ستُضعفنا جميعاً، لذا دعونا نستفيد إلى أقصى حد من الثقل الصناعي الذي نملكه معاً».
وضرب ستارمر أمثلة على التعاون الصناعي الناجح بين المملكة المتحدة وأوروبا، مشيراً إلى شركتي «إيرباص» و«تاليس» الفرنسية، حيث قال: «انظروا إلى إيرباص أو تاليس – نجاحهما في المملكة المتحدة يعزز الدفاع في جميع أنحاء أوروبا»، وبعد العشاء، أعرب رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا عن سعادته بوجود ستارمر، قائلاً للصحفيين: «الجميع كانوا سعداء بالترحيب بسير كير ستارمر… والتأكيد على أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي شريكان موثوقان ويمكن التنبؤ بهما».
اقرأ أيضاً: ستارمر يدعو قادة العالم لتعزيز دعمهم لأوكرانيا
وأضاف كوستا أن هناك قمة مرتقبة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ستُعقد في بريطانيا في 19 مايو لتعزيز «أوثق علاقة ممكنة بين الطرفين»، لكن رغم هذا التفاؤل، تطالب غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن توقع بريطانيا على التزامات تتعلق بحقوق الصيد وبرنامج تنقل الشباب كجزء من حزمة أوسع لإعادة ضبط العلاقة بين الجانبين، بما في ذلك قضايا الأمن.
ومن المتوقع أن تتولى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إدارة هذه المفاوضات، حيث رفضت التعليق على ترتيب المباحثات، لكنها أكدت أن «المناقشة الشاملة مع رئيس الوزراء كير ستارمر كانت مفيدة جداً لأن الأمن الأوروبي يهمنا جميعاً داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه».
وجرى العشاء في قصر إيغمونت في وسط بروكسل، حيث وقع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق إدوارد هيث معاهدة انضمام المملكة المتحدة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1972، وأكد رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، الذي تولت بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية، أن الوقت قد حان لإعادة بناء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وقال توسك، الذي أعرب سابقاً عن رغبته في «عودة بريطانيا» إلى الاتحاد، إن هدفه هو «الاقتراب قدر الإمكان» من بريطانيا في القضايا الأمنية وإيجاد طرق لتقليل الحواجز التجارية بين الجانبين.
وقبل وصول ستارمر إلى بروكسل، عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طويلاً لمناقشة شؤون الدفاع، لكن المباحثات طغت عليها تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على الاتحاد.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان قلقاً بشأن احتمال فرض ترامب تعريفات جمركية على بريطانيا، قال ستارمر: «من الواضح أن الأمر لا يزال في مراحله المبكرة»، مضيفاً: «ما يهم حقاً هو إقامة علاقات تجارية مفتوحة وقوية، وهذا ما أسعى إليه في محادثاتي مع الرئيس ترامب»، وكشفت مصادر حكومية بريطانية أن لندن أعدت بالفعل تعريفات جمركية انتقامية يمكن فرضها بسرعة على السلع الأمريكية في حال اندلاع حرب تجارية.
ورفض ستارمر فكرة أن بريطانيا يجب أن تختار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن العلاقات مع الطرفين مهمة. وقال: «لا نقوم بالاختيار بينهما، وهذه كانت دائماً سياسة المملكة المتحدة لعقود طويلة».
هذا وأكد ستارمر لدى وصوله إلى العشاء في بروكسل أن إعادة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي «ليست خياراً مطروحاً»، لكنه أشار إلى إمكانية بناء «علاقة أفضل وأقرب» في مجالي التجارة والأمن.