في زمن تتلاطم فيه أمواج الأزمات الاقتصادية، يبدو أن الحكومة البريطانية تواجه مفترق طرق حاسم، فبالرغم من الوعود الانتخابية، فإن الواقع يفرض تساؤلات مُلحّة حول ثمن الاستقرار وكيف سيتحمل العاملون في البلاد عبء هذه القرارات، فهل ستنجح الحكومة في توجيه دفة السفينة نحو بر الأمان، أم ستعصف بها رياح التقشف وتحمل معها الآثار المترتبة على جموع المواطنين؟
في خطاب ألقاه في مدينة برمنغهام، أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن حكومته ستتخذ «قرارات صعبة» عبر زيادة الضرائب بهدف «تجنب التقشف وإعادة بناء الخدمات العامة»، وفي حين لم يحدد العديد من تفاصيل الميزانية القادمة، أشار إلى أن الحد الأقصى لأجرة الحافلة البالغ 2 جنيه إسترليني في إنجلترا، والذي كان متوقعاً أن ينتهي، سيجري استبداله بحد أقصى قدره 3 جنيهات إسترلينية، وذلك بتمويل مستمر حتى نهاية عام 2025.
كما أعلن رئيس الوزراء عن تخصيص 240 مليون جنيه إسترليني بهدف إعادة الناس إلى سوق العمل، فيما اتهمته الأحزاب المحافظة بانتهاك وعود حزبه الانتخابية المتعلقة بالضرائب، إذ تعهد حزب العمال في برنامجه الانتخابي بعدم زيادة الضرائب على العاملين، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، والتأمين الوطني، وضريبة الدخل.
ومع ذلك، تواجه هذه التعهدات تدقيقاً جديداً مع توقعات بأن تتضمن الميزانية الأولى للحزب منذ 15 عاماً تدابير قد تؤدي إلى زيادة الضرائب، ومن ضمن التوقعات ارتفاع معدل التأمين الوطني (NICs) الذي يدفعه أصحاب العمل، الأمر الذي عدّه البعض انتهاكاً لوعود الحزب.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تتعهد بخلق آلاف الوظائف الجديدة
وتحت ضغط متزايد، طالب الوزراء بتوضيح من سيشملهم الوعد بعدم زيادة الضرائب على العاملين، لكن في خطابه، استخدام ستارمر عبارة «الناس العاملون في هذا البلد يعرفون تماماً من هم» في ردّه على هذا السؤال، وأضاف أنه سيقوم «بحماية رواتب الناس العاملين»، الذين يعتبرهم «الخيط الذهبي» في أجندة الحكومة على حد توصيفه.
ورغم عدم توضيحه لارتفاعات الضرائب المحتملة في الميزانية، أكد ستارمر مراراً على الحاجة إلى «قرارات صعبة»، مشيراً إلى ضرورة أن تتحمل «أكتاف أوسع» عبئاً ضريبياً أكبر، وصرح: «لا أحد يريد ضرائب أعلى، مثلما لا أحد يريد تقليص الإنفاق العام، ولكن علينا أن نكون واقعيين بشأن موقعنا كدولة».
وأضاف: «هذه ليست سنة 1997، عندما كانت الاقتصاد جيداً لكن الخدمات العامة كانت في حالة يرثى لها، وليست سنة 2010، حيث كانت الخدمات العامة قوية، لكن المالية العامة كانت ضعيفة. يجب علينا التعامل مع كلا الجانبين من تلك العملة».
واستباقاً للنقد عقب الميزانية، قال ستارمر إن أولئك الذين يتحدون نهج الحكومة يجب أن يوضحوا أي الضرائب سيرتفع أو أي الخدمات العامة ستُقطع، مشيراً إلى أن الوقت قد حان منذ زمن بعيد لكي يلتزم السياسيون في هذا البلد بالصدق مع الجمهور بشأن التنازلات التي تواجهها البلاد، ولوقف إهانة ذكاء المواطنين بالأجوبة السهلة.
وفي سياق ملاحظاته، أضاف: «لن أستمر في التظاهر بأنه يمكن دائماً الحفاظ على ضرائب أقل وأن خدماتك العامة ستعمل بشكل صحيح»، زاعماً أن ميزانية حكومته ستمنع «التقشف المدمر» في الخدمات العامة وتمنع «مساراً كارثياً» لمالية الدولة.
اقرأ أيضاً: ستارمر يكشف أين ستُصرف ميزانية الخريف البريطانية القادمة
هذا وحذر العديد من الاقتصاديين من أن العمال هم من سيتحملون في النهاية عبء ارتفاع معدل التأمين الوطني الذي يدفعه أصحاب العمل، حيث قال بول جونسون، رئيس معهد الدراسات المالية المؤثر، في برنامج تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (BBC): «عندما ترتفع مساهمة التأمين الوطني لأصحاب العمل، غالباً ما يتم تحميل ذلك على العاملين»، مشيراً إلى أن الموظفين قد يتأثرون بشكل أكبر من الأشخاص العاملين لحسابهم الخاص أو أصحاب الأعمال الصغيرة من التغيير المحتمل.
وقال جونسون: «ما لم تُرفع ضرائبهم بنفس الطريقة التي سترتفع بها مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل، فإن ذلك سيكون زيادة كبيرة في الضرائب ستؤثر بشكل فعال على العمال فقط».
ومن جانبه، أشار اللورد كينغ من لاثبوري، وهو محافظ بنك إنجلترا السابق، إلى أن النقاش حول عدم زيادة الضرائب على العاملين هو «وهم فظيع»، حيث قال: «في النهاية، يتعين على المبلغ الذي يمكن أن ينفقه الناس تحمل ذلك، ولا يمكنك جمع مبالغ كبيرة من المال إلا بزيادة الضرائب على معظم الناس».
اقرأ أيضاً: ما حقيقة لقاء ستارمر بتايلور سويفت والعلاقة بينهما؟