في أعماق القنال الإنجليزي وعلى بُعد أميال قليلة من السواحل البريطانية، تسلّلت سفينة تجسس روسية تحمل اسم «يانتار» كأنها شبح يسعى لكشف أسرار قاع المحيط، وليس هذا مجرد حادث عابر، بل رسالة ضمنية تحملها أمواج البحر وتستدعي يقظة بريطانيا وحلفائها.
فبين كابلات الإنترنت الممتدة تحت المياه وخطوط الطاقة الحيوية التي تنبض بها الحياة اليومية، تتجلى معركة خفية تُدار بأساليب حديثة تحت ستار البحث العلمي.. فهل تكون هذه الحادثة بداية لتصعيد جديد في لعبة الشطرنج الجيوسياسية بين موسكو ولندن؟
وفي التفاصيل، أكد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي (John Healey) أمام البرلمان البريطاني أن البحرية الملكية تابعت سفينة تجسس روسية تُدعى يانتار (Yantar) بعد رصدها قرب المياه البريطانية في وقت سابق من هذا الأسبوع، وأوضح هيلي أن السفينة تُستخدم لجمع المعلومات الاستخباراتية ورسم خرائط البنية التحتية الحيوية تحت الماء في المملكة المتحدة.
ووصف هيلي الحادث بأنه «مثال آخر على العدوان الروسي المتزايد»، ووجّه رسالة مباشرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلاً: «نراك، ونعرف ما تفعله، ولن نتردد في اتخاذ إجراءات حازمة لحماية هذا البلد».
وتُصنّف روسيا سفينة «يانتار» كناقلة أبحاث محيطية، وتديرها وزارة الدفاع الروسية، ومع ذلك، فإن الدول الغربية غالباً ما تتعقب تحركات السفينة في المياه الأوروبية، وتشتبه في أن جزءاً من مهامها يشمل رسم خرائط الكابلات البحرية تحت الماء.
وتُعتبر البنية التحتية تحت الماء ضرورية لتأمين الطاقة من خلال الكابلات الكهربائية وخطوط الأنابيب، كما أن أكثر من 95% من حركة الإنترنت العالمية تعتمد على كابلات بحرية.
اقرأ أيضاً: نجم بريطاني يجسد دور بوتين بفيلم ساحر الكرملين
وأشار هيلي إلى أن السفينة كانت في بحر الشمال بعد مرورها بالقرب من المياه البريطانية، حيث تم رصدها على بعد 45 ميلاً قبالة الساحل البريطاني في القنال الإنجليزي يوم الاثنين الماضي، وأضاف أن البحرية الملكية نشرت السفينتين الحربيّتين “إتش إم إس سومرست” (HMS Somerset) و”إتش إم إس تاين” (HMS Tyne) لمراقبة السفينة يانتار على مدار الساعة خلال وجودها في المياه البريطانية.
وكشف وزير الدفاع البريطاني أنه عدّل قواعد الاشتباك للبحرية الملكية للسماح للسفن الحربية بالاقتراب من يانتار لتتبّعها بشكل أفضل، وأكد أن السفينة امتثلت حتى الآن للقواعد الدولية للملاحة.
وأضاف هيلي أن السفينة دخلت المياه البريطانية للمرة الثانية خلال الأشهر الأخيرة، حيث تم رصدها في نوفمبر وهي تراقب البنية التحتية الحيوية تحت الماء، وفي خطوة نادرة، تم السماح لغواصة تابعة للبحرية الملكية بالظهور بالقرب من السفينة كإجراء ردعي.
ووفقاً لمصادر الدفاع البريطانية، تلقت السفينة تحذيراً شفهياً قبل أن تغادر المياه البريطانية متجهة إلى البحر الأبيض المتوسط دون مزيد من المراقبة، وأوضح هيلي أن الحكومة تعمل على تعزيز ردها على النشاط البحري الروسي بالتعاون مع حلفاء الناتو، حيث ستوفر القوات الجوية الملكية طائرات مراقبة لحماية البنية التحتية الحيوية في بحر البلطيق.
اقرأ أيضاً: لامي: مواجهة روسيا ضرورة والسلام في مهب الريح!
وتأتي هذه التحركات بعد أن تضرر كابل بحري بين إستونيا (Estonia) وفنلندا (Finland) في ديسمبر، حيث تحقق الشرطة الفنلندية في احتمال تورط سفينة روسية في الحادث، وأشار هيلي إلى أن النشاط الروسي المتزايد يجعل التعاون مع الناتو أكثر أهمية.
وأشاد وزير الدفاع الظل جيمس كارتليدج (James Cartlidge) بموقف الحكومة، واعتبره رسالة قوية لبوتين بأن بريطانيا لن تُرهب، كما دعا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بسرعة لمواجهة التهديدات المتزايدة.
وفي تصريح مثير، دعا وزير الدفاع السابق غرانت شابس (Grant Shapps) الحكومة إلى احتجاز السفن المشتبه بتجسسها، قائلاً لراديو BBC 4: «إذا كانت السفينة مشبوهة، لديك الحق الكامل للتحقيق، وأحياناً قد يعني ذلك احتجازها مؤقتاً».
أما وزير الدفاع السابق غافين ويليامسون (Gavin Williamson) فأكد أن التهديدات البحرية الروسية «تزايدت بشكل كبير»، داعياً إلى تخصيص موارد إضافية كبيرة للبحرية الملكية والقوات الجوية الملكية لحماية البنية التحتية الوطنية.