في شوارع المملكة المتحدة، يجول شبح التحديات الاقتصادية ويلقي بظلال ثقيلة على سوق العمل، حيث تبدأ الشركات في حساب التكاليف بتردد، وتهمس الأرقام بروايات مقلقة عن بطالة تتسلل ببطء وتكاليف تتصاعد كمد لا ينكسر…
وفي التفاصيل، شهد سوق العمل في المملكة المتحدة تباطؤاً في أيلول/سبتمبر من العام الجاري 2024، حيث ارتفعت معدلات البطالة وتباطأ نمو الأجور، وجاء ذلك في وقت حذرت فيه المؤسسات من أن الموازنة قد تؤثر على الطلب على التوظيف وترفع الأسعار.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني (Office for National Statistics) ارتفاع معدل البطالة إلى 4.3% في الثلاثة أشهر حتى سبتمبر مقارنة بـ 4% في الربع السابق، ما يدل على تباطؤ عام في سوق العمل.
ورغم التحذير من أن البيانات قد تكون غير دقيقة بسبب تحديات في جمع المعلومات، أشارت أرقام أخرى إلى تراجع عدد الموظفين في قوائم الشركات بنحو 9000 شخص، مع انخفاض الشواغر للشهر الثامن والعشرين على التوالي لتصل إلى أدنى مستوى منذ مايو 2021.
وتعرضت الحكومة لضغوط من الشركات بعد إعلانها عن زيادات ضريبية في الموازنة، شملت رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة مساهمات التأمين الوطني (NICs) التي قال رؤساء الشركات إنها قد تؤدي إلى خفض التوظيف.
وفي حديثها حول الأمر، أعربت مجموعات تجارية عن قلقها إزاء تباطؤ سوق العمل بسبب الاستعداد لتكاليف أعلى، إذ قالت “جين جراتون” (Jane Gratton)، نائب مدير السياسة العامة في غرفة التجارة البريطانية (British Chambers of Commerce): «العديد من الشركات تخبرنا بأنها مجبرة على رفع الأسعار، وتأجيل خطط التوظيف والاستثمار، والبحث عن طرق لخفض التكاليف»، وأضافت: «هناك حد لمقدار التكاليف الإضافية التي يمكنها استيعابها».
ومن جانبه، قال ماثيو بيرسيفال (Matthew Percival) من مجموعة CBI: «تأتي هذه الأرقام في ظل مخاوف متزايدة حول تكاليف العمالة المتصاعدة، التي من المتوقع أن ترتفع بعد زيادة NICs الشهر الماضي، وقانون حقوق العمال، وأحدث زيادة في الأجر الوطني».
اقرأ أيضاً: القمار تلتهم المراهقين في بريطانيا!
وفي سياق متصل، أفادت متاجر مثل «أسدا» (Asda) و«ساينزبيري» (Sainsbury’s) أن الزيادة الضريبية ستكلفهما 100 مليون جنيه و140 مليون جنيه على التوالي، ما قد يدفعها لزيادة الأسعار، فيما تواجه «تيسكو» (Tesco) زيادة بمقدار مليار جنيه في فاتورة التأمين الوطني خلال هذا البرلمان.
من جهة أخرى، يرى بعض الاقتصاديين أن موازنة ريتشيل ريفز (Rachel Reeves) قد تمثل خطوة أولى لتحسين الخدمات العامة وتعزيز فرص العمل من خلال دعم المزيد من الأفراد للعثور على وظائف، وقال أندي هالدين (Andy Haldane)، كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا، لصحيفة «الغارديان» (The Guardian): «الهوس بالضرائب الإضافية غير صحي. إذا كنت ترغب في بناء بيئة أعمال مناسبة، فأنت بحاجة إلى الاستثمار في الخدمات العامة… ويتطلب ذلك منا دفع التكاليف».
وأظهرت الأرقام الأخيرة أن البطالة بين الشباب على المدى الطويل لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ بداية جائحة كورونا، وأن أكثر من 9 ملايين شخص في المملكة المتحدة خارج القوة العاملة، ما يعني أنهم ليسوا في وظائف أو يبحثون عنها، وقالت ليز كيندال (Liz Kendall)، وزيرة العمل والمعاشات، إن الحكومة تركز على دعم الأفراد للعثور على وظائف من خلال خطة استثمار بقيمة 240 مليون جنيه، مشيرة إلى وجود ورقة بيضاء حول الموضوع قريباً.
وأضافت: «هناك 2.8 مليون شخص – رقم يقارب الرقم القياسي – محرومون من العمل بسبب سوء الصحة، وهذا يؤثر سلباً على الأفراد والشركات ويعيق تقدم الاقتصاد».
وفيما يتعلق بالأجور، تباطأ النمو السنوي في متوسط الأجور العادية للموظفين في بريطانيا، باستثناء العلاوات، إلى 4.8% في الثلاثة أشهر حتى سبتمبر مقارنة بـ 4.9% في الثلاثة أشهر حتى أغسطس، وقال اقتصاديون إن هذه الأرقام تتماشى مع توقعات بنك إنجلترا، ما قد يشجع البنك المركزي على مواصلة تخفيض أسعار الفائدة بعد أن خفض تكلفة الاقتراض الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، صرح هيو بيل (Huw Pill)، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، بأن الضغوط التضخمية لا تزال مرتفعة بشكل مقلق، وقال في مؤتمر نظمه بنك UBS السويسري: «نمو الأجور لا يزال عند مستويات مرتفعة يصعب التوفيق بينها وبين هدف التضخم في المملكة المتحدة».
وفي السياق ذاته، لا يزال نمو الأجور، بما في ذلك العلاوات، أعلى من معدل التضخم، الذي انخفض إلى 1.7% في سبتمبر، مما يساعد الأسر على إعادة بناء أوضاعها المالية بعد تراجع مستويات المعيشة لسنوات.
اقرأ أيضاً: 1.7 مليون أسرة بريطانية لن تشغل التدفئة هذا الشتاء!