في مشهد يتأرجح بين الطموح والقلق، يقف الاقتصاد البريطاني اليوم عند مفترق طرق حاسم، أرقام نمو هزيلة وميزانية مثيرة للجدل أطلقت سلسلة من الانتقادات والمخاوف حول المستقبل، فبين وعود حكومة حزب العمال بإحياء الاقتصاد وتحديات فرضتها قرارات ضريبية أثقلت كاهل الشركات، يبدو أن بريطانيا تواجه سباقاً مع الزمن.
وفي الوقت الذي تُسلّط فيه الأضواء على قطاع الخدمات الذي يشكّل العمود الفقري للاقتصاد البريطاني، تظهر مخاوف جديدة على الساحة الدولية مع تهديدات تعريفات أمريكية محتملة قد تغيّر قواعد اللعبة، فما الذي ينتظر الاقتصاد البريطاني في ظل هذه العواصف المحلية والدولية؟ وهل ستنجح الحكومة في إعادة بث الحياة في عجلة النمو؟
أظهرت أحدث بيانات النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة تباطؤاً ملحوظاً خلال الفترة بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر، إذ لم يتجاوز النمو نسبة 0.1%، ووفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية (Office for National Statistics)، شهد شهر سبتمبر انكماشاً في النشاط الاقتصادي، ما أثار مخاوف واسعة حول تأثير الميزانية الجديدة.
وأعربت الشركات الكبرى مثل Marks & Spencer، وSainsbury’s، وJD Sports عن نيتها رفع الأسعار استجابة للتغييرات الضريبية المعلنة في الميزانية، وصرّح بن جونز، كبير الاقتصاديين في مجموعة الأعمال البريطانية CBI، بأن هذه الإجراءات «أشعلت إشارات تحذير لدى الأعمال»، متوقعاً تأثيرها السلبي على قرارات التوظيف والاستثمار.
وأضاف جونز أن زيادة مساهمات التأمين الوطني للشركات، جنباً إلى جنب مع رفع الحد الأدنى للأجور، سيدفع الشركات إلى «نهج أكثر حذراً» فيما يتعلق بالإنفاق.
اقرأ أيضاً: سوق العمل يتلقى ضربة كبرى مع الميزانية الجديدة!
ومن جهتها، صرّحت راشيل ريفز، وزيرة المالية البريطانية، بأن تحقيق النمو هو «المهمة الأولى» للحكومة، وأضافت في مقابلة مع BBC: «لم نشهد نمواً يذكر في الاقتصاد البريطاني منذ أكثر من عقد».
لكن انتقد حزب المحافظين أداء حكومة حزب العمال، حيث وصف ميل سترايد، وزير الظل للشؤون المالية، السياسات الحالية بأنها السبب في «التباطؤ الكبير»، وقالت ديزي كوبر، المتحدثة باسم وزارة المالية في حزب الديمقراطيين الأحرار، إن السياسات الضريبية قد تكون «الضربة القاضية» للعديد من الشركات الصغيرة.
وشهد قطاع الخدمات، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد البريطاني، نمواً بنسبة 0.1% فقط خلال الربع الثالث من العام، ولم يسجل أي نمو في سبتمبر، وأوضح تقرير مكتب الإحصاءات الوطنية أن النشاط الاقتصادي كان «ضعيفاً عبر معظم الصناعات».
من جهة أخرى، تواجه المملكة المتحدة خطراً جديداً يتمثل في احتمال فرض الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تعريفات جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة. ووفقاً لتحليل أجرته جامعة ساسكس (University of Sussex)، فإنّ مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى خسارة صادرات بريطانية بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني، وعلّقت ريفز بأنها تتطلع إلى «العمل عن كثب» مع ترامب للدفاع عن «التجارة الحرة والمفتوحة».
وفي السياق، أشار أندي كريسب، مدير مطعم Vapiano في مدينة مانشستر (Manchester)، إلى تراجع طفيف في أعداد الزبائن خلال الفترة التي سبقت إعلان الميزانية، وقال إن الزبائن بدوا مترددين في الإنفاق قبل معرفة تفاصيل الميزانية، ما أدى إلى انخفاض حركة العملاء.
اقرأ أيضاً: ميزانية بريطانيا 2024: ضرائب على الأثرياء والشركات
هذا وتراجعت المملكة المتحدة إلى المرتبة الخامسة بين دول مجموعة السبع (G7) من حيث النمو الاقتصادي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، متأخرة عن الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واليابان. ومع ذلك، فإن الحكومة ما زالت تطمح لتكون الاقتصاد الأسرع نمواً بين الدول الغنية.
وترى روث غريغوري، نائبة كبيرة الاقتصاديين في Capital Economics، أن «الاقتصاد أضعف مما كنا نظن»، لكنها أكدت أن ذلك «لا يعني أن بريطانيا على وشك ركود جديد»، وبالمقابل، توقعت الهيئة المستقلة للميزانية (Office for Budget Responsibility) أن تأثير الميزانية سيكون «مؤقتاً»، وأن الاقتصاد لن يشهد تغييرات كبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة.