باتت عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي أمراً مطروحاً بشدة في الأوساط السياسية والشعبية على خلفية تحركات حزب العمال.
لاسيما مع الرحلة الأخيرة لرئيس الحكومة كير ستارمر إلى برلين والتي التقى خلالها نظيره الألماني أولاف شولتز وكانت الأجواء إيجابية بالمطلق.
لدرجة عبر فيها المستشار الألماني شولتز عن مدى سعادته بتحركات ستارمر وقال: “أنا سعيد لسعي كير ستارمر إلى بداية جديدة في علاقته بالإتحاد الأوروبي، ونريد أن نتمسك بهذه اليد الممدودة”.
وتضمنت المباحثات بين الجانبين العمل على إزالة التوتر عبر عقد معاهدة تعوض عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر أكد ستارمر المنتمي إلى يسار الوسط في المملكة المتحدة أن لا نية لديه بعكس المسار وإعادة بريطانيا إلى الإتحاد الأوروبي.
إقرأ أيضاً: رئيس قطاع الأعمال يدعو رئيس الوزراء لإنقاذ الشمال الشرقي من أضرار البريكست
لذلك يعتقد مراقبون أن التحركات الأخيرة هي محاولة لتضميد الجراح، والخطوة الأولى عبر إعادة ضبط العلاقات، والبداية ستكون مع جيل الشباب البريطاني من خلال تسهيل حركته ضمن الاتحاد الأوروبي.
وكان الزعيم البريطاني قد وصل برلين على نية تحويل المسار الذي ترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في أعقاب الخلاف الذي نشب بين أوروبا والمملكة المتحدة نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
كذلك يعتبر ستارمر أول زعيم عمالي يصل إلى رئاسة الحكومة في بريطانيا منذ عام 2010، لذا حرص على التأكيد أنّ تحركاته نحو رأب الصدع في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي فرصة تأتي مرة واحدة في العمر.
ومن هنا ينظر الزعيم البريطاني إلى برلين بوصفها المفتاح السحري لإنجاح محاولاته لإعادة بريطانيا إلى ال دوران في فلك الكتلة الأوروبية مع الحرص على مشاعر داعمي “بريكست” (Brexit) في بريطانيا كي لا ينظروا إلى تحركات زعيم جزب العمال على أنها خيانة لنتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد قبل ثمانية أعوام.
وأمام هذه التطورات حدد الزعيمان البريطاني والألماني انطلاقة ستة أشهر من المفاوضات، والتي وصفتها “داونينج ستريت” (Downing Street) بالمعاهدة الابتكارية والتي ستغطي مجالات التبادل التجاري والدفاع والأمن.
من جانبه عبّر ستارمر خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الألماني عن رغبته بالتحرّك سريعاً لإنجاز المعاهدة قبل نهاية العام الجاري.
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ نية ستارمر في مكانها لاسيما أنّ نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة للحزب الألماني الديمقراطي الإجتماعي تشير إلى أنّ شولتز لن يستمرّ في منصبه لأكثر من أشهر معدودة.
عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي
من جهة أخرى وجه ستارمر إجابة واضحة حول نية حكومة بلاده العودة إلى الاتحاد الأوروبي بقوله: ” أنا واضح كلياً حول الرذ1غبة في إعادة ضبط المسار وليس عكسه، فلن تعود بريطانيا إلى الإتحاد الأوروبي أو تعيد الدخول إلى السوق الأوربية أو الاتحاد الجمركي الأوروبي.”
ويبدو أن رغبة ستارمر في تسريع الخطوات نابعة من إمكانية عدم بقاء شولتز في منصبه سوى لأشهر إضافية، لكن لم يفته خلال المؤتمر الصحفي في برلين التأكيد على أن لانية لدى الحكومة البريطانية بالعودة إلى السوق الأوروبية الموحدة أو الإتحاد الجمركي، والإطار المطروح حالياً مخصص للتعليم والتبادل الثقافي.
كذلك قال ستارمر عند استفسار الصحفيين عن طبيعة تسهيل الانتقال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إنّه لم يتم بعد الحديث حول التفاصيل ولكنها ستشمل الشباب دون سن الثلاثين الذين ينتقلون بين الجانبين بغرض الدراسة أو العمل أو الإقامة لسنوات عدّة.
لكن على ما يبدو سيكون من الصعب على ستارمر الوفاء بعهوده تجاه خفض الهجرة غير الشرعية، وعلى الرغم من ذلك أكد الزعيمان أنّ تكثيف الاتصالات بين ألمانيا بريطانيا سيعزز التبادل والفهم المشترك حول العديد من القضايا، لاسيما أن التواصل بين الجانبين كان شبه منقطع بعد “بريكست” وجائحة كورونا “كوفيد-19″.
كما استعرض الجانبان خلال المؤتمر الصحفي مسألة الهجرة الغير شرعية والتي تعتبر تحدياً كبيراً أمام البلدين، وأجابا على أسئلة الصحفيين بأنّ مناقشات جدية تجري وستفضي إلى خطة عمل مشتركة، لكنها حتى الآن غير واضحة المعالم.
وفي السياق بيّن ستارمر أنّ الخطة ستتضمن، اعتراض القوارب غير الشرعية أثناء عبورها في القناة الإنكليزية، لاسيما أنّ المعلومات تشير إلى استخدام مهربي البشر ألمانيا كمخبأ لهذه القوارب.
بدوره أشار المستشار الألماني إلى مدى جدية الأمر لاسيما بعد حادثة الطعن في مدينة ” زولينغن” الألمانية والتي توجهت فيها أصابع الاتهام إلى لاجئ سوري، وأنّ الجهود الحالية تنصب على مسألة ضبط الحدود، ومع ذلك لا تزال الجهود المبذولة دون طموحات الشارع الألماني.
ومع ذلك تبقى الحكومة الألمانية تعاملها مع هذا الملف في حدود الحذر، كي لا تمس بالاتفاقيات الدولية المتعلقة والقانون الأوروبي أو الدستور.
وبالعودة لتحركات ستارمر الأوروبية فسوف تكون باريس هي المحطة القادمة، والتي سيحضر فيها ستارمر افتتاح الألعاب البارلمبية، ومن ثم سيلتقي بالرئيس الفرنسي “إيمانويل مكرون” في قصر الإليزيه لإجراء محادثات مشتركة، الأمر الذي قد يجد فيه البعض احتمال عودة بريطانيا بشكل أو آخر إلى الحضن الأوروبي.