تحت عنوان “قارئ الجثث.. مذكرات طبيب تشريح بريطاني في مصر الملكية”؛ صدر عن الدار المصرية اللبنانية مذكرات الطبيب الإنجليزي، سيدني سميث، وترجمة مصطفى عبيد.
يقول مصطفى عبيد، إذ كان اسم سيدني سميث معروفاً للعاملين فى مجال الطب الشرعي المصري باعتباره أحد مؤسسي مصلحة الطب الشرعى سنة 1927، كما أنه شارك طبيبا مصريا في أول كتاب حديث باللغة العربية عن الطب الشرعي سنة 1924 فإن جمهور الثقافة العادي فى حاجة للتعرف على حكاياته الواقعية عن عالم الجريمة فى مصر والعالم.
لقد كان البحث عن مذكرات سميث ومشاهداته في مصر ضرورة فرضها على شغف البحث وألحت بها رغبة الكشف باعتبارها واحدة من الشهادات المنسية عن عالم الجريمة فى مصر فى بدايات القرن العشرين.
على الأرجح قتل
قضى الطبيب في مصر أحد عشر عاماً في النصف الأول من القرن العشرين ثم سافر لاستكمال تجاربه فى مجال كشف الجرائم من خلال الطب الشرعي في أيرلندا واسكتلندا وأستراليا وسيلان، وقدم عنها شهادات أخرى، وما تركه من مذكرات جمعت كافة هذه الشهادات وحملت عنوان “على الأرجح قتل” وصدرت في سنة 1959.
ومثلها مثل كثير من شهادات الخبراء والأساتذة الإنجليز في مصر إبان الاحتلال فقد نالت مذكرات الرجل نظرة الارتياب والرفض المسبق من باحثين في ظل فورة تحرر مصر من الاحتلال، وما تلا ذلك من مقاطعة وطنية لكل ما هو إنجليزي، بما في ذلك البحث العلمي، وهكذا لم تتم ترجمة مذكراته رغم أن نصفها على الأقل يتحدث عن عالم الجريمة وطرق القتل وظواهر التسميم الجنائية في مصر، بل وعن جرائم شهيرة مثل جرائم ريا وسكينة وقضية اغتيال السردار وقضية الحسناء الرومانية “إيما” وغيرها من القضايا الجنائية المثيرة.
وقضى سميث أحد عشر عاما خلال الفنرة من بداية 1917 إلى نهاية 1927 واحتك بالمجتمع المصرى خلال مرحلة مهمة من مراحل تطوره عقب ثورة 1919 وما نتج عنها من تطور مجتمعي واضح انعكس على التعليم والثقافة، ومختلف مناحى الحياة، كما تابع خلال وجوده في مصر قضايا جنائية وسياسية عجيبة انحاز فيها جميعا إلى ضميره العلمي قبل انتمائه الوطني ما جعله فى بعض الأحيان يكشف بوضوح كيف كانت سلطات الاحتلال البريطاني فى مصر توظف لصوصا سابقين للعمل كخفر غير نظامي ثم يتم استخدامهم في قتل المتظاهرين وإثارة الشغب لتحقيق أهداف سياسية، بل إننا نجده يشهد فى إحدى المرات لصالح سجين مصري تعرض لتعذيب فى أحد السجون.
ويقدم الرجل وصفا دقيقا وموجعا للقرى المصرية فى بدايات القرن العشرين وكيف كانت مرتعا للبؤس والحرمان وموطنا للأمراض النادرة ومركزا للجهل والإهمال ما جعلها بمثابة حقل خصب لمختلف أنواع الجرائم وطرق القتل بدءأ بالتسمسم بالزرنيخ وحتى الخنق وتقطيع الضحية لعدة أشلاء.